هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للكاتبة كارلوتا غال، تقول فيه إنه بعد شهرين من القتال غير الواضح، فإن تركيا تبدو فجأة أنها في ذروة حملتها العسكرية للسيطرة على مساحة أوسع من شمال سوريا.
وتقول غال: "على الحدود المليئة بزهور الربيع، التي تنتشر فيها أشجار الفستق وحقول الزيتون، سكتت المدافع للطائرات التي دكت الجبال المنخفضة، حتى وقت قريب، حتى سقطت عفرين في يد القوات التركية الأسبوع الماضي".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه تم الاحتفال بهذا النصر في تركيا على نطاق واسع، ما شجع الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي وعد بأن تغطي حملته شمال سوريا وحتى إلى داخل العراق، مستدركا بأنه ومع ذلك، فإن طريق تركيا في سوريا ليس واضحا، وتحفه المخاطر.
وتفيد الصحيفة بأنه تم التغاضي إلى الآن عن تعمق تركيا وحلفائها في سوريا، من البلدين اللتين تسيطران على الأجواء السورية، روسيا وأمريكا، مستدركة بأن تركيا قد تواجه مقاومة إن هي حاولت التعمق بشكل أكبر.
وتجد الكاتبة أنه كانت هناك مخاطرة بأن تجد تركيا نفسها متورطة في حرب عصابات مع الأكراد في سوريا، امتدادا لحربها التي دامت عقودا مع التمرد الكردي في تركيا من حزب العمال الكردستاني.
وينقل التقرير عن مدير صندوق مارشال الألماني في تركيا أزغور إنلوهيساركيكلي، قوله: "عفرين ليست منطقة سهلة لسيطرة تركيا عليها.. ليس لأن معظم سكانها من الأكراد، لكن لأن حزب العمال الكردستاني يحظى بتأييد فيها".
وتقول الصحيفة إنه "حتى الفرح الكبير الذي ساد تركيا بعد الانتصار المفاجئ في عفرين فتر بسرعة؛ بسبب ما تبع تلك المعركة من إشكالات، فبمجرد أن قام وكيل تركيا على الأرض (الجيش الحر) بالسيطرة على عفرين، بدأت تنتشر فيديوهات على مواقع التواصل تدعي عمليات نهب من مقاتليه".
وتلفت غال إلى أن الأجواء تبقى قلقة، حيث انفجرت هذا الأسبوع عبوة ناسفة في عفرين، قتلت سبعة مدنيين وأربعة من مقاتلي الجيش السوري الحر، فيما قتل صحافي سوري في التفجير، بحسب لجنة حماية الصحافيين، مستدركة بأن سقوط عفرين أوضح بشكل متزايد بأنه يجب أن يحسب حساب تركيا وحلفائها في أي مفاوضات لإنهاء الحرب الأهلية التي دامت سبع سنوات، حيث قال إنلوهيساركيكلي: "تركيا والجيش السوري الحر أصبحا قوة لا يمكن إنكارها في سوريا".
ويجد التقرير أن هذا التدخل التركي العميق يجعل تركيا في الوسط بين حكومة بشار الأسد، التي تدعمها روسيا، وفصائل الثوار، التي تسعى إلى عزله من السلطة، فيما تدعم أمريكا بعض فصائل الثوار، لكنها معارضة لتركيا ووكلائها.
وترى الصحيفة أن السيطرة على عفرين تغير الأمور على الأرض، فتفتح الخطوط بين أجزاء مختلفة من شمال سوريا، حيث تبقي القوات التركية وجودا في محافظة غرب إدلب، التي يسيطر عليها الثوار، وتمدد تركيا بخطى ثابتة، مشيرة إلى أنه يعيش في إدلب حوالي مليوني شخص، نصفهم نازحون من مناطق أخرى من سوريا، ويعانون من الغارات السورية والروسية اليومية.
وتبين الكاتبة أن المجموعات الإسلامية المتطرفة تغلب على المعارضة، وتدفع روسيا تركيا نحو احتواء الثوار، إلا أن تركيا بقيت مترددة إلى الآن في مواجهة أقواها، وهي منظمة تحرير الشام المرتبطة بتنظيم القاعدة.
ويفيد التقرير بأن حلفاء تركيا المنتشين بالانتصار في عفرين توجهوا شرقا باتجاه مدينة منبج، وفي الطريق 15 قرية عربية تم نزوح بعض مقاتلي الجيش السوري الحر المشاركين إليها، ويسيطر على هذه القرى الآن المجموعات الكردية التي تم طردها من عفرين والمعروفة بوحدات حماية الشعب، وهي القوات التي دعمتها أمريكا في حربها على تنظيم الدولة.
وتورد الصحيفة نقلا عن مدير مركز دراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية في إسطنبول سنان أولغن، قوله: "السؤال هو فيما إذا كان ممكنا التوصل إلى تسوية بالمفاوضات مع أمريكا"، وقال المسؤولون الأتراك بأنهم وافقوا على مسودة خطة مع الأمريكيين تقضي بانسحاب تلك القوات "وحدات حماية الشعب" إلى مواقع شرق نهر الفرات.
وتبين غال أن هذا قد يسمح لتركيا وأمريكا بأن تقوما بعملية مشتركة في منبج لتجنب مواجهة بين عضوي الناتو، إلا أن أولغن يقول إن أمريكا أرسلت بإشارات متضاربة، حيث أبدت الخارجية الأمريكية مرونة، لكن البنتاغون والقادة العسكريين الأمريكيين على الأرض يعارضون أي تحرك ضد وحدات حماية الشعب.
ويذهب التقرير إلى أن التوصل إلى اتفاق بين تركيا وأمريكا حول منبج قد يكون إيذانا ببدء مرحلة جديدة من التعاون بينهما في سوريا بعد التوتر المتزايد، حيث يقول إنلوهيساركيكلي: "منبج ضرورية لإعادة الثقة بين أمريكا وتركيا، وإن تم التوصل إلى اتفاقية مع أمريكا بخصوص منبج، فإنه سيكون لها أعظم الأثر على العلاقات التركية الأمريكية".
وتقول الصحيفة: "يبدو أن أردوغان أشار إلى أنه كان مستعدا للعمل مع أمريكا في مجهود مشترك لتأمين المدينة، وقال أردوغان يوم الثلاثاء خلال اجتماع أعضاء حزبه الأسبوعي: (إن كنت شريكا استراتيجيا معنا، يجب أن تظهر لنا الاحترام وتتماشى معنا)، وأصر على أن تركيا تهدف إلى تأمين مناطق يمكن أن يعود إليها مئات آلاف اللاجئين السوريين -الذين يعيش الكثير منهم في تركيا- حيث يمكنهم العودة وإدارة حياتهم".
وتنوه الكاتبة إلى أن إحدى المدن التي يمكن أن تعرض كنموذج هي مدينة جرابلس، التي تبعد 100 ميل عن عفرين، والتي تراها تركيا نموذجا يمكن تطبيقه في عفرين، لافتة إلى أن الحكومة التركية قامت بالترتيب لزيارة لـ"نيويورك تايمز"؛ حرصا منها على إظهار نجاحها في إدارة مناطق في شمال سوريا تحت حمايتها.
ويذكر التقرير أن جرابلس، التي تم تحريرها من تنظيم الدولة عام 2016، يديرها مجلس مؤلف من مدرسين ومهندسين، شارك معظمهم في الثورة الأصلية ضد حكومة الأسد، منوها إلى أن الدكتور يسار أكسانيار، الموظف التركي الحكومي، يقوم بوظيفة نائب الحاكم في المدينة، وينسق عملية إعادة البناء والمساعدات الإنسانية، ويقوم الجيش التركي مع الجيش السوري الحر بتوفير الأمن. وقال: "يتخذ المجلس المحلي قرارات، ونحن نوفر التجربة".
وبحسب الصحيفة، فإن أهم التحديات هي غياب البنية التحتية، ونقص الخدمات الحكومية، من ماء وكهرباء، ويقول أكسانيار إن أولويته بصفته طبيبا ومدير خدمات إنسانية أن يساعد المحتاجين، حيث تضاعف حجم المدينة الحدودية الصغيرة إلى ضعف عدد سكانها الأصليين؛ بسبب قدوم النازحين من مناطق أخرى من سوريا، ولا تكفيهم المساعدات التي تقدمها تركيا، واشتكى الناس الذين يعيشون في المخيم من عدم وصول مساعدات منذ أشهر.
وتكشف غال عن أنه تم فتح مستشفى وأكثر من 100 مدرسة بمساعدة تركية، وأصبحت المدينة تعج بالتجارة والبناء في الشوارع كلها، مستدركة بأن بعض السوريين وبعض الأتراك يشجبون هذا الوجود التركي، ويصفونه بأنه احتلال، إلا أن هذا الوجود سمح لهذه المدينة المعارضة للأسد بأن تعيش بحرية ودون تهديد القصف.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن "كثيرا ممن يعيشون في جرابلس اليوم يقولون إنها أفضل من تجربتهم تحت حكم الأسد، أو الإسلاميين المتطرفين، أو وحدات حماية الشعب الكردية، التي تفرض التجنيد الإجباري في المناطق التي تسيطر عليها".