ماذا يعني إتمام المصالحة بين مصراتة والزنتان؟

تصالح مدينتي مصراتة والزنتان مبهج لأسباب عدة، فأنا ممن يرون أن حلول الأزمة الليبية الراهنة ينبغي أن تكون مركبة، لأن الأزمة في طبيعتها مركبة.

التعويل على المسار السياسي وحده لا يصل بالبلاد إلى خط الأمان وشاطئ الاستقرار، وذلك لأن الأزمة تعدت النزاع السياسي وفتت في عضد النسيج الاجتماعي، وأوجدت مركبات عضوية متناقضة سياسيا واجتماعيا وأمنيا.

تحدثت في مقالات سابقة عن فكرة "المدينة الدولة"، أي إيجاد استقرار، وتحسن في مستواه على كل الصعد في المدن، بتداخل بين الجهود الرسمية والطوعية، ثم إعادة اللحمة بين المدن عبر التصالح البناء، وليس مجرد الجلوس وإعلان انتهاء النزاع.

ولأن مصراتة والزنتان تمثلان أكبر المدن في الغرب الليبي وزنا، بحكم نتائج ثورة فبراير، ولأن ما وقعا بينهما كثير، خاصة ما بعد تموز/ يوليو 2014، فإن تخطي الآثار المدمرة للصراع بينهما لا يمكن أن يكون أمرا عاديا، ومن الخطأ التعاطي معه كحدث عابر.

الأهم من ذلك، جوهر التوافق وأسس التصالح، وهي تلك النقاط التي تضمنها بيان المصالحة، التي ليس فقط تؤكد على إنهاء الصراع ومنع الاحتراب والإصرار على وحدة التراب الليبي، بل تتعداه إلى مسائل لم يكن متوقعا أن تكون ضمن أجندة تصالحهما.

أكد الطرفان فيما بينهما على مبدأ الدولة المدنية والانتخابات، خيارا للتنافس ورفض الانقلابات، وفوق كل ذلك، اتفقا على التأكيد على أهداف ومبادئ ثورة فبراير التي صار الحديث عنها يقع على استحياء مؤخرا.

وفيما يتعلق بأسباب التقارب والوصول إلى الصلح والإعلان عنه في بيان قوي، فإن الدوافع تعود إلى رغبة حقيقية بين المكونات الرئيسة للمدينتين لإنهاء الخلافات.

وساهم تراجع كل منهما عن رهاناته السياسية وخياراته الأمنية ما بعد المواجهات والانقسام في تسهيل التصالح. 

فمن جهتها، تخلت مصراتة عن حكومة الإنقاذ وأعادت النظر في دعمها لرئيسها، وهو ابن المدينة، ودعمت قطاعات مهمة من مصراتة الوفاق والاتفاق السياسي.

كذلك فعلت الزنتان، وذلك بمراجعة موقفها من عملية الكرامة وجيش القبائل الذي كان لبعض الأجسام والمكونات العسكرية الزنتانية حضور فيهما، واتجهت لدعم الاتفاق السياسي وصارت قوة فاعلة منها جزء من حكومة الوفاق.

علاوة على ما سبق، ربما يكون لمسار توحيد المؤسسة العسكرية الذي انطلق من القاهرة تأثيره المباشر لحفز الصلح، ويبدو أن أطرافا سياسية وعسكرية نافذة في الزنتان تشارك نظيرتها في مصراتة الخوف من نتائج اجتماعات توحيد القوات المسلحة، التي تم تسريب بعض نتائجها.

الأهم من مناقشة مضمون الصلح وأسبابه، نتائجه وتداعياته، في حال تم المضي فيه عمليا، ولا يمكن أن نغفل أن للمصالحة بين المدينتين آثارا سياسية واجتماعية وأمنية مهمة جدا، كما أنه من الضروري التنبيه على أن تحديات تحقيقها ليست محدودة وفي الطريق كثير من الألغام.

على الصعيد السياسي، ستعطي المصالحة دفعة للتوافق السياسي من خلال إزالة الكثير من العراقيل التي تكبله جراء النزاع والتوتر في المنطقة الغربية، الذي كان أهم أسبابه صراع مصراتة والزنتان.

اجتماعيا، فإن النزاع بين المدينتين كرس الخلافات التقليدية والتاريخية بين مدن الغرب الليبي، وقطعا، فإن إتمام الصلح بين المدينتين يمكن أن يسهم في التخفيف من التوترات المناطقية، وربما يقود إلى مصالحات شبيهة باتت ضرورية لتحقيق الاستقرار.

عسكريا وأمنيا، فإن الانفلات الأمني في المنطقة الغربية توسع واستفحل، بعد عملية فجر ليبيا، والمواجهة الكبيرة بين جبهة مصراتة وجبهة الزنتان، وتصالحهما ينبغي أن يكون له أكبر الأثر في استباب الأمن أو تحسنه بدرجة ملحوظة في أغلب مناطق الغرب الليبي.

إذا، يمكن القول إن رهان مصراتة والزنتان يتجه اليوم إلى خيارات تعزز من الاستقرار وتحقيق الوئام وتنهي مرحلة مريرة من الصراع كان لها نتائج خطيرة.

لكن ينبغي التنبيه أن الصلح لا يعني إعلان المصالحة، فهذه أولى خطواته وليس أهمها، فالأهم المحافظة على الصلح بالعمل على تحقيق بنوده وتوفير ضمانات استمراره وتطوره.

ولأن المصالحة الاجتماعية والوفاق السياسي والترتيبات الأمنية المتوازنة ركائز الوفاق الحقيقي، فينبغي أن يتم الاتفاق على كل ذلك وتعبئة الطاقات باتجاهها، وإيجاد تشبيك حقيقي يكون هو ضامن عدم العودة إلى التوتر والنزاع مرة أخرى.

ربما يكون من المفيد أن تقود وفود المدينتين مشروع المصالحة الوطنية من خلال حراك متكامل لتفكيك فتائل التوتر بين مدن الغرب الليبي، ثم الاتجاه شرقا وجنوبا، فالسعي في الصلح بين المناطق الأخرى عبر تنسيق قوي سيعضد مصالحتهما، ويجعل لها أثرا مضاعفا.
 
ويمكن السير بالروح ذاتها على المسارين السياسي والأمني، فإن الروح الإيجابية التي توفرت اليوم بين مدينتين لهما ثقل مهم على الخارطة السياسية والأمنية، ينبغي أن تستثمر لصالح الوفاق وتكون نموذج الوئام ولبنة الاستقرار والوحدة.