استأذن القراء أن أتوقف هذا الأسبوع بمواصلة سلسلة النقد الذاتي حتى يمكن التعرض لهذا الموضوع المهم والذي لا تقف أهميته عند حدث عابر، ولكنه حدث بكل المقاييس يربك هذا الأرعن بالبيت الأبيض الذي لا يقيم وزنا لشيء إلا أن يعبر عن صهيونيته وعنصريته القميئة، وقض مضاجع ذلك "النتن ياهو" الذي ظن أنه قد ارتاح إلى الأبد من كل صداع يأتي من قبل فلسطين وأهلها، أغراه سكوت بعض قادة العرب وانبطاحهم بأن الأمر قد استتب والأمن الإسرائيلي قد غلب من غير معقب ومن غير أي بصيص مقاومة، أقول لذلك العدوان الأمريكي الصهيوني المشترك "لا"، بل أكثر من ذلك يلطَم كل هؤلاء وكل من هم على شاكلتهم لطمة قوية، لأسلوب تفكيرهم ويبدد من كل طريق كل توقعاتهم، الأمر هنا يوجب علينا التوقف عن أي كلام لنعلن التحية والسلام لأبطال المقاومة والإقدام الذين كان وقع خطاهم في "مسيرة العودة" ليس إلا دمدمة على مشروع بني صهيون وعلى تفكير ذلك المأفون في البيت الأبيض حيث يلهو بقرارته ويطلق كل رغباته، وللأسف الشديد ينبطح الصغار من حكام وقادة العرب يقدمون فروض الطاعة والولاء بل ويدفعون أكبر بكثير من جزية مفروضة، تحت زعم حماية عروشهم وهم لا يأمنون، إذا لم تأمن فلسطين فلا أمان، إنها صرخة مسيرة العودة في وجه المنبطحين المخذِلين قبل هؤلاء الاستعماريين والمحتلين والمستوطنين.
هؤلاء يلقون في كلامهم ويتحدثون عن صفقة قرن يحققون فيها كل شيء يتعلق بأمان الكيان الصهيوني إلى جيل أو جيلين من دون منغصات، كيف لا وقد اشتروا معظم الحكام بثمن بخس، بل فيا للأسى ويا للأسف فإن هؤلاء على انبطاحهم لم يأخذوا مليما واحدا بل دفعوا، دفعوا مليارات الدولارات من رعبهم، لا يقيمون وزنا للشعوب ولا لإرادتها ولا القدس وحرمتها والمسجد الأقصى، ولكنهم يتغاضون عن كل شيء فقد عبدوا العجل الذهبي المتمثل في عروشهم فأشربوا العروش في قلوبهم، ولكنهم شربوا مع ذلك هوانا وذلا وانبطاحا وفقدوا الكرامة، وفقدوا العزة، وضيعوا في نكبة أولى وثانية عرض الأمة، فلما لا يفرطون من جديد في عرض هذه الأمة وأرضها، ومن جبنهم وفزعهم يلقون بالتهم إسقاطا فيتهمون الجبارين من أهل فلسطين بأنهم باعوا الأرض وفرطوا فيها منذ جدودهم الأقدمين، ولكن هؤلاء يدقون مسامعهم بأقدامهم في مسيرة العودة، إن كان فيهم بقية حياة أو أذان يسمعون بها وقد تملكتهم الأهواء والرغبات وأوثان كراسيهم فباعوا الأمة في سوق النخاسة وتواطأوا على مقدساتها، حتى صاروا عبيدا في ساحة آل صهيون أو في سوق ذلك المجنون المأفون في البيت الأبيض، ما لكم كيف تكذبون وتفترون على أصحاب العزة؟!!
قام أجدادكم المنبطحون الذين ضيعوا فلسطين وأتى جيل ضيع القدس وباع الأرض ثم يتهمون أهل فلسطين بأنهم فروا ووجهوا لهم الكلام على وقع الأقدام في مسيرة العظام، مسيرة العودة إلى الأرض، فما باعوا ولكنهم يبذلون الغالي والرخيص ويقدمون النفس والنفيس من أجل أرضهم، يقاومون فيقتَلون ويواجه الكيان الصهيوني من هول الموقف وقع الأقدام في مسيرة العودة من غير هتاف أو كلام، يقولون للمغتصب والمحتل والمستوطن، إنها أرضنا لا أرضكم نفتديها بدمائنا مهما كان بطشكم، ينادون الأرض بوقع الأقدام ومن دون كلام، يؤكدون لها أنها لهم وأنهم لها، فما بال هؤلاء الصغار الحقراء لا يلتفتون إلى فعل العظماء كل منهم مشغول بكرسيه مظنة تأمينه، لا يعرف أنها زائلة وأن الأرض في الوطن هي الباقية، وأن أمل العودة يظل عملا يقض المضاجع للمغتصب ليشير إليه بوقع أقدامه يطارد اللص الذي اغتصب ويطارد المتواطئ الذي لا يعرف إلا الخذلان الذي جبن وهرب، هرب إلى كرسيه الذي لن يفيده يوم تكون الحسابات حسابات شرف وعزة، فليس لهم في سوق العزة والكرامة من نصيب، إنهم فقط في سوق تلك الكراسي الكاسدة وأخلاق الذل البائرة لا يجيدون إلا أن يكونوا قوما بورا ولا يتاجرون إلا تجارة ليس لها إلا أن تبور.
أما الرسالة الثانية التي توجهها أقدام مسيرة العودة، فإنها للمغتصب المحتل والمستعمر الموالي والداعم والمساند، أن الأرض ليست محل مساومة وليست محل مقايضة، يقولون لكل هؤلاء الذين هرولوا إلى صفقة القرن البائرة هلموا إليها ولكن هيهات هيهات، فليس من هؤلاء الكرماء الشرفاء من يبيع أو يفرط، وإن احتفاظ الأجداد بمفاتيح البيوت إنها لرمز لمقاومة لن تخور وتجارة شهادة لن تبور، إلى الأرض سيعودون وبالبيوت سيلوذون وبحبات التراب ستختلط الدماء ثمنا زهيدا يسطرون به قصة العودة وأرض الوطن يحمون، قصة العودة إلى الأرض، تبدأ بخطى مسيرة العودة.
أردوا أن يخيفوهم بقناصتهم ولكن بني صهيون لا يعرفون صمود قلوبهم، هكذا يعلموننا أهل فلسطين كيف تكون المقاومة؟ وكيف تكون الكرامة والعزة؟ وكيف يحافظ على ذرات تراب الأرض لا يفرطون فيها أو في حبة منها؟ يعلمون هؤلاء درس المقاومة الأكبر منتدبين عن الأمة، يملكون براءات إبداع طرقا للمقاومة، لا يملكون إلا خطاهم التي تتقدم، فكانت خطوات أقدامهم إقداما وإعلانا، هذه أرضي أنا وأبي ضحى هنا، فهل يعرف مغتصب الأرض وهؤلاء الذين يفرطون في العرض كيف تكون عزة المقاومة؟! يا هؤلاء الأمر ليس بصفقة، ليست المقاومة كالمقاولة، المقاومة عز وشرف أم أعمال المقاولة التي يقوم بها المغتصب والقابل للانبطاح، تثبت أنهم لا يعرفون مسلكا إلا عمل المساومة والمقاولة.
مسيرة العودة تعني بلاغة الأقدام في الإقدام حين يسكت الكلام، بلاغة فعل العظام من غير قول أو كلام، فإلى هذا الذي زور الانتخابات من المنبع إلى المصب في مصر المحبوسة، وهذا الذي يزور الولايات المتحدة في زيارة استمرت أكثر من أسبوعين لينال الرضا السامي من رئيس مأفون ومن بني صهيون متمثلا في "جماعة إيباك" الصهيونية، يخطب الود ويفرط في عرض، وإلى هؤلاء الذين يتأهبون للحج إلى البيت الأبيض والذين غيروا القبلة من البيت العتيق إلى البيت الأبيض يلتمسون الرضا، إن هؤلاء الذين باعوا إرادات شعوبهم لا يعرفون أن هذه الشعوب لا ترحم ولا يمكنها أن تفرط في أرضها وعرضها ومقاومتها كرامتها وعزها، نعرف أن هذه الكلمات لا يمكن أن تجد معنى في عقولكم إن كانت لكم عقول، ولن تجد لها صدى في أسماعكم إن كانت لكم آذان، ولا تبصرون عظمتها إن كانت لكم أبصار، فإنه "لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور"، حينما تعبد أوثان كراسيها وتترك حرمة أقصاها وقدسها، ولكن ها هم هؤلاء أصحاب مسيرة العودة استعادوا للأمة عزها وشرفها، أنتم الأمة ونحن معكم وعلى آثاركم داعمون ومقتدون ومهتدون.
دأبت الشعوب العربية إلا على الاستسلام والانبطاح أمام كل كافر غليان، وأدمنت الذل والهزيمة والتدني لكل طاغية معتدي على الحرية والأمان، بل تسارعت في نصرة الصهيوصليبية على خلافة الإيمان، فسقطت في براثم الرِدة فضرب الله على القلوب والأذهان، فكيف لمن رفض حكم الله وحرية وسعادة العدل والميزان، أن ينتصر بثورة همجية وصريخ في الشوارع والميدان، الا يعلم المسلمون أنهم مفتونون ليعلم الله المطيعين منهم ويعلم أئمة العصيان؟