هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "البايس" الإسبانية تقريرا، نقلت فيه شهادات عن العديد من النازحين من المعقل الرئيس للمعارضة السورية في ريف دمشق.
وتحدثت مجموعة عن الحياة تحت سيطرة فصائل المعارضة والحصار الذي فرضه جيش النظام السوري.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن العديد من النازحات الحوامل، تواجهن ظروفا صعبة خلال رحلة الهروب من المناطق المحاصرة.
ومن بين النازحات فاطمة سعيد، البالغة من العمر 22 سنة، التي تحاول التغلب على آلام الولادة من أجل إرضاع مولودها البكر.
وبينت الصحيفة أنه قبل ستة أيام، تمكنت فاطمة من الهروب سيرا على الأقدام من الغوطة الشرقية، وهي تحمل في أحشائها جنينها ذو التسعة أشهر، وتجر ابنها البالغ من العمر سنة ونصف.
ونزلت المرأة في مخيم الاستقبال المؤقت، في بلدة هريرة، المخيم المأهول بأكبر عدد من السكان في ضواحي دمشق. وفي هذا المكان، لا تدون سوى أسماء المواليد الجدد، وتشطب أسماء الموتى؛ دون إعارة أهمية لمعاناة النازحين وصدماتهم.
ونقلت الصحيفة عن القابلة نسرين، قولها إن "طاقم المستشفى لا يملك فيتامينات لتقديمها للحوامل اللاتي اقتتن خلال الأشهر الأخيرة على بقايا الأعلاف والذرة".
وتعد نسرين واحدة من بين الممرضات القلائل اللاتي تعملن في الغوطة تحت القصف. وتنقلت نسرين الآن لتعمل في مخيمات النزوح، وقدمت المساعدة لحوالي 20 حاملا، قامت بتوليدهن خلال أسبوع واحد.
اقرأ أيضا: المنظمات الأممية غائبة عن احتواء نازحي الغوطة بإدلب
وأضافت الصحيفة أن عائلة فاطمة سعيد، شأنها شأن باقي الجيران، من الفلاحين المتواضعين في المنطقة، الذين تحرق الشمس بشرتهم. وعندما بدأ الحصار سنة 2013، كانت هذه المجموعة تعمل في الحقول مقابل ألف ليرة في اليوم (أي ما يقل عن اثنين يورو).
معيشة متدنية
ونظرا لتدني الرواتب، لا يكفي أجر عمل يومين متواصلين لشراء كيس من الخبز في هذه البلاد التي أصبح اقتصادها في الحضيض. وفي وقت لاحق، جعل قصف قوات النظام هؤلاء الفلاحين البسطاء من دون أراضي صالحة للزراعة، بشكل تدريجي، بعد أن تحولت إلى مقابر لحوالي 1500 ضحية.
وأوضحت الصحيفة أن النازحات الموجودات في مخيم اللجوء أكدن أن "المسلحين لا يتدخلون في شؤون المدنيين، أو يقتحمون منازلهم".
لكن، مع اشتداد الحصار وتغلغل المجاعة بين صفوف جميع المحاصرين، بدأت الاحتكاكات والتوترات مع "المسلحين"؛ وهي العبارة التي أطلقتها النساء على رجال فيلق الرحمن، الذي يسيطر على بلدة جسرين.
وذكرت الصحيفة أن من بين الحالات الأخرى، يمكن الحديث عن أحد المدنيين الذي يعيش في إحدى الضواحي رفقة عائلته التي تضم 12 فردا. ومن أجل إطعامهم، اضطر هذا المدني إلى بيع منزله لشراء كيلوغرامين من السكر، وكيس من الطحين فقط.
ونقلت الصحيفة عن إحدى النساء المسنات أنها "كانت بدينة للغاية، أما الآن فقد أصبحت مثل العارضة".
وبين الضحك والصمت الطويل من أجل الهروب من البكاء، يتناوب النازحون على الحديث عن قصصهم.
وأكد أحدهم أنه "خلال سنتي الحصار الأولى، قطع العديد من النازحين مسافة ساعة ونصف من المشي في أحد الأنفاق. وكانت رحلتهم بمثابة السباق لتجنب الاختناق بسبب نقص الأكسجين في هذا المكان".
الأنفاق
وكشفت الصحيفة أن الأنفاق تؤدي إلى دمشق، التي يستخدمها النازحون لزيارة أقاربهم الذين يعيشون في الجانب الآخر من الحصار، أو لشراء مستلزماتهم، أو للمداواة في إحدى عيادات الأطباء.
وعبر هذه الأنفاق اللامتناهية، التي تمتد على أكثر من 20 كيلومترا من الطول وأربعة أمتار من العرض، يتم تزويد الجماعات المسلحة بالسلاح، والمستشفيات بالأدوية.
وفي خضم الحرب، حافظ التجار الأكثر ذكاء على علاقات جيدة مع سكان دمشق لضمان شراء كميات كبرى من الذرة والطحين.
وفي وقت لاحق، قام التجار ببيع هذه المنتجات وحققوا أرباحا بقيمة ألف في المئة، خاصة خلال الفترات التي يشتد فيها الحصار. وعندما فجر جيش النظام السوري الأنفاق، قبل سنيتن، أصبح كل شيء أسوأ.
وبينت الصحيفة أن سماء سكان الغوطة تمطر عليهم التفجيرات والقصف. واستهدفهم الرصاص على الأرض، خاصة عندما استقرت الفصائل الرئيسة الثلاثة المسلحة في المنطقة، وبدأت في شن حروب داخلية مستعرة من أجل غزو حصتها من أحياء المنطقة. وأسفرت هذه الصراعات عن أول موجة نزوح داخل المنطقة المحاصرة ذاتها.
وتذكر مصطفى هاشا هذه الأحداث قائلا، إن "السكان اضطروا إلى مغادرة منازلهم والبحث عن ملجأ في بلدة حمورية".
وهجر عدد من السكان ديارهم، بما يكفي لاحتلال منازل السكان الأكثر ثراء، والذين انضموا إلى قائمة السكان الذين لجؤوا إلى البلدان المجاورة. وفي وقت لاحق، جعلت سلسلة النزوح، التي تتكرر في جميع أنحاء البلاد، عائلة هاشا تعيش لمدة ثلاث سنوات في ظروف لا يمكن مجابهتها في ظل عدم توفر أي دخل للعائلة.
وفي الختام، تحدثت الصحيفة عن الظروف المأساوية لحياة المدنيين تحت الأنفاق.
وبلغ عدد الأشخاص الذين يعيشون في هذا المكان ذروته بالتزامن مع الهجوم الجوي والأرضي الذي أطلقه الجيش النظامي السوري منذ شهر ونصف.
وأكدت إحدى المسنات للصحيفة أنها "لا تملك المزيد من الدموع لتذرفها. وتنتظر فقط الموت بسلام في أرضها، الغوطة".