هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا لوزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو، يقول فيه إن تدخل تركيا في سوريا يصحح أخطاء أمريكا، ويضع الأساس لسلام مستدام.
ويقول أوغلو: "يجب ألا تمنع الصورة الكئيبة للشرق الأوسط اليوم إمكانية تحقيق السلام، ويجب أن تكون القاعدة الأساسية لأي سلام هي الحفاظ على السلامة الإقليمية للدول، وهذا يعني مواجهة جميع القوى التي تسعى لتحقيق مصالحها الأنانية على حساب الآخرين، وبمساعدة الأجانب، بما في ذلك تنظيم الدولة وحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب، ويجب أن تواجه رؤيتها القائمة على سفك الدماء المستمر وتهزم".
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "تنظيم الدولة هزم عسكريا تقريبا، لكن ذلك لم يكن فقط لأن المجموعات التي دربتها وسلحتها أمريكا وجهت له ضربة قاضية، لكنه هزم بسبب العمل الدؤوب للجيش العراقي والتحالف العالمي لمحاربة التنظيم، الذي يعمل من تركيا، وأصبح ضعف تنظيم الدولة واضحا عندما انخرط الجيش التركي مباشرة، وهزم التنظيم في جرابلس في شمال سوريا، بالإضافة إلى أن منع إعادة تجمع مقاتلي تنظيم الدولة يتم من خلال عمل دؤوب لتحالف يضم تركيا، التي أنشأت أكبر قائمة لمنع دخول المقاتلين الإرهابيين الأجانب، وتدير أكبر عملية أمنية مدنية ضد تنظيم الدولة".
ويرى أوغلو أن "جاذبية فكر تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة والتنظيمات التي تتبعها لن تذهب بسهولة، ووقعت العمليات الإرهابية في شوارعنا قبل تنظيم الدولة، وستستمر بغض النظر عن عملياته العسكرية في الشرق الأوسط، ويجب أن تستمر مكافحة الإرهاب بزخم كامل، لكن مع المزيد من التركيز على جمع المعلومات في وقتها، واتخاذ الإجراءات المالية وإجراءات مكافحة التطرف ومكافحة التجنيد".
ويلفت المسؤول التركي إلى أن "نقطة الخلاف مع أمريكا تتعلق بسياستها بتسليح حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب، للقيام بالأعمال العسكرية المطلوبة منهما، بالرغم من تاريخهما الإرهابي، وهذه سياسية مشكوك فيها من ناحية قانونية ومن ناحية أخلاقية، وتم اتخاذها في الأيام الأخيرة من إدارة أوباما، ووصلت بشكل أو بآخر إلى إدارة ترامب، وقد وقعت الولايات المتحدة في شراك منتقديها ومعارضيها، عندما قررت أن تتحالف مع الإرهابيين، بالرغم من قيمها، وبالرغم من تحالفها على مدى 66 عاما مع أحد أهدافها الرئيسية، تركيا".
ويقول أوغلو: "أسعدني أن أرى حلفاءنا في الناتو ينأون بأنفسهم عن هذه السياسة الأمريكية، التي تتعارض مع قيم التحالف، كما أنها تتعارض مع مصالحنا المشتركة في المنطقة وخارجها، آمل أن يرى نظيري المعينين، رئيس الخارجية القادم مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون أهمية تصحيح المسار".
وبنوه الوزير التركي إلى أن "العراق وسوريا واليمن وليبيا وغيرها من بلدان الشرق الأوسط تواجه ضغطا مدمرا من القوى العابرة للحدود الوطنية يهدد بقاءها، بالإضافة إلى أن مصاعبها توفر الحجة والفرصة لأنواع التدخل كله من الأطراف الفاعلة كلها، من دول وغير دول، والنتيجة ليست مذابح فقط، بل هي أيضا هجرة كبيرة وضغط إرهابي على تركيا وبقية أوروبا التي تقع على أعتابها، كما أن الفوضى فيها ستشكل حاضنة للكراهية والتهديد ضد أمريكا، ويجب أن تكون الدولة القومية هي الأساس لأي نظام واستقرار في الشرق الأوسط، ورؤية بشار الأسد ستخسر في النهاية، لكن سوريا الموحدة هي التي ستنتصر في الحرب الطويلة".
ويؤكد أوغلو أن "عملية غصن الزيتون التركية، التي تضمنت دخولا عسكريا إلى سوريا، هي بالدرجة الأولى عملية دفاع عن النفس ضد تزايد عدد الإرهابيين، الذين أثبتوا عدوانيتهم ضد مراكزنا السكانية، وكوننا دولة مستضيفة لثلاثة ملايين ونصف المليون لاجئ سوري، فإن تركيا تهدف أيضا من عملية غصن الزيتون لإزالة الحواجز نحو السلام في سوريا، التي يمثلها أعداء الوحدة السورية، وكانت معسكرات حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية الكبيرة تخدم هدفين؛ واحد منهما هو فتح جبهة إضافية لحزب العمال الكردستاني، بالإضافة لتلك الموجودة في شمال العراق، وتوحيدها لتشكل حزاما إرهابيا واحدا، ويثبت هذا التقدير الأسلحة والبنية العسكرية التحتية التي استولينا عليها في عفرين".
ويفيد الوزير بأن "الهدف الثاني من المعسكرات الإرهابية كان تشكيل مواقع متقدمة، ترسم حدود الدويلة التي يريدون إقامتها على أنقاض سوريا والعراق بعد هزيمة تنظيم الدولة، ولذلك فإن عملية غصن الزيتون تمنع الانحدار في حرب أوسع وازدياد الإرهاب، الذي سيؤثر على أوروبا وأمريكا، وبدلا من ذلك تفتح الطريق نحو السلام".
ويقول أوغلو: "أنا أعلم أنه في عصر ما بعد الحقيقة هناك حملة واسعة للتشكيك في عملية غصن الزيتون، ولا يمر يوم لا نواجه فيه افتراءات، والحقيقة هي أننا بذلنا جهدنا كله لتجنب وقوع ضحايا مدنيين، وأصبحت هذه واحدة من أكثر العمليات نجاحا، يراها العالم في أي مكان وأي زمان من هذا الجانب".
ويضيف المسؤول التركي: "لقد قيل إن عمليتنا تعطل القتال ضد تنظيم الدولة؛ لأن إرهابيي وحدات حماية الشعب يركزون الآن على مقاومة التقدم العسكري التركي، وأعتقد أن هذا الخيار لوحدات حماية الشعب يثبت عبثية أي استراتيجية تتضمن الاعتماد على هذه المجموعة في المكان الأول، لكن كونوا مطمئنين، لن تسمح تركيا لتنظيم الدولة أن يتجمع ثانية بطريقة أو بأخرى، وستعمل مع أمريكا لتحقيق هذا الهدف".
ويتابع أوغلو قائلا إن "علينا مقاومة أي تأطير لـ(غصن الزيتون) كقتال بين الأكراد والأتراك، ويجب أن يكون واضحا أن إرهابيي حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب لا يمثلون الأكراد، وكانت وحدات حماية الشعب قد طردت حوالي 400 ألف كردي من المناطق التي سيطرت عليها في سوريا، وتريد تركيا أن يعيش الأكراد جميعهم بسلام وازدهار في البلدان التي يعيشون فيها كلها، فقومية حزب العمال الكردستاني وإرهابه لا يخدمان أحدا، ولا حتى الأكراد أنفسهم".
ويبين الوزير أن "هناك نقطة مهمة أخرى، وهي إيجاد طريقة لوضع الشرق الأوسط على طريق التطور، وأساس هذه الرؤية عراق آمن ومستقر ومزدهر في ظل نظام دستوري، وبدأ المجتمع الدولي من خلال مؤتمر المانحين في الكويت في شهر شباط/ فبراير، حيث وعدوا بتقديم 30 مليار دولار للعراق، وقدمت تركيا سدس المبلغ، لكن العراق يحتاج أكثر بكثير من المساعدات، فأدعو نظرائي، اعترافا بفائدة عراق صديق وصحي، لتمويل إعادة بناء العراق، فلن تكون أهمية ذلك أقل من أهمية خطة مارشال لأوروبا".
ويختم أوغلو مقاله بالقول: "يجب إبقاء الشرق الأوسط آمنا من تهديد الطائفية ومناطق النفوذ والإمبريالية الجديدة وصراعات العائلات المالكة والتطرف بأشكاله كلها، دينيا وغيره، حيث عانت الدول والناس في المنطقة بما فيه الكفاية، وقد تكون خارطة طريق لمستقبل ناجح بدأت بالظهور مع قيادة تركيا المصممة، آمل أن تستغل أمريكا الفرصة وتؤيد تلك الرؤية للسلام".