هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تحدثنا في مقالنا السابق عن أولى تجارب كتابة الإخوان تاريخهم، وذلك بكتابة الأستاذ حسن البنا رحمه الله مذكراته، وإن كانت غير مكتملة، وما لهذه المذكرات من ميزات، وما عليها من ملاحظات، وبدت رغبة الإخوان في كتابة تاريخهم تلوح لكثير منهم، وكلها – في الغالب – مبادرات فردية، سواء في حياة البنا، على صورة كتب عن جوانب في جماعة الإخوان، أو محاولة كتابة تاريخ الجماعة بشكل متكامل، فكانت أولى هذه المحاولات بعد وفاة البنا من بعض الإخوان لكتابة تاريخهم، بدأ هذه المحاولة في الخمسينيات: الدكتور محمد فتحي عثمان رحمه الله، وهو باحث ومفكر إسلامي كبير، وله باع في البحث التاريخي، وقد أعد عدته لذلك، غير أن الأمن المصري اقتحم بيته فصادر كل ما لديه من دوريات الإخوان وغيرها من الوثائق التاريخية، وحملوا جوالات من هذا الأرشيف، والوثائق التي لديه، كما حدثني عن هذه التجربة شيخنا القرضاوي حفظه الله.
ثم أتت أول محاولة للإخوان المسلمين في بيروت لتسجيل تاريخ الإخوان صوتيا، وذلك مع الأستاذ عبد الحكيم عابدين (شاعر الإخوان المعروف، وصهر حسن البنا) فسجلوا معه ذكرياته عن دعوة الإخوان وتاريخها، وقد استفاد من هذه التسجيلات المجموعة التي قامت بكتابة (أوراق من تاريخ الإخوان) بإشراف الأستاذ جمعة أمين رحمه الله، وهي تسجيلات مفيدة جدا، فهي تمثل مصدرا لمعلومات لم يطلع عليها سوى عبد الحكيم عابدين رحمه الله.
وظل حلم أن يكتب الإخوان تاريخهم كتابة علمية أملا يداعب خيال الكثيرين منهم، وكان مع الأمل بعض المحاولات، منها محاولة جدية في بداية السبعينيات من القرن العشرين، مع الدكتور يوسف القرضاوي، غير أنه تردد في خوض هذه التجربة، وقد كانت بإلحاح من الدكتور محمود أبو السعود، وعدد من الإخوان المقيمين في أوروبا، ممن كانوا قائمين على إدارة أمور الجماعة، وقد اطلعت على الخطاب الخاص من أبي السعود بهذا الخصوص، وعلى رد القرضاوي عليه، وقد نشر جزءا كبيرا من الخطاب في مذكراته، دون الجزء الخاص بكتابة تاريخ الإخوان، وبخاصة أني وجدت في أرشيف القرضاوي أوراقا وملفات من الأهمية بمكان، تخص إعادة تكوين الجماعة بعد سجن معظم أفراد الجماعة في سنة 1954م، وهي تمثل مرحلة الستينيات وبداية السبعينيات، وبخاصة جلسات التنظيم الدولي للإخوان، وأوراق العمل، والاقتراحات التي كانت تقدم لهذه الجلسات، وقد أعطاني شيخنا القرضاوي نسخة من هذا الملف، ولا أدري هل هذا الملف كان من إعداده ـ كعادته في إعداد كتبه في ملفات أولا ـ للقيام بهذا العبء ثم عزف عنه؟ المهم أنه عزف عن الفكرة، ورفضها تماما، لأنه حسب أسباب رفضه في رسالته للتنظيم الدولي للإخوان: ليس مؤهلا لذلك، وعقليته وتكوينه ليس تكوين مؤرخ، بل هو تكوين عالم مختص بالشريعة. كما رفض الطلب الآخر، وهو تولي منصب مرشد الإخوان المسلمين، في تفاصيل ليس هنا مقام التفصيل فيه.
إلى أن قام الأستاذ محمود عبد الحليم ـ في نهاية السبعينيات ـ بكتابة كتابه القيم (الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ... رؤية من الداخل) في ثلاثة أجزاء كبار، ثم تبعه بعد ذلك عدد من الإخوان بكتابة شهادتهم على الأحداث، فكتب اللواء صلاح شادي (صفحات العمر)، والأستاذ عباس السيسي (في قافلة الإخوان المسلمين)، وهناك من كتب عن مذكراته في جانب واحد من تاريخ الجماعة، وهو الجانب التنظيمي الذي مارسه، مثل: الأستاذ أحمد عادل كمال (النقط فوق الحروف... التنظيم الخاص) والأستاذ محمود الصباغ (حقيقة التنظيم الخاص). ومن المذكرات التي تناولت جزءا من تاريخ الإخوان: مذكرات الدكتور عبد العزيز كامل (في نهر الحياة)، ومذكرات الشيخ أحمد حسن الباقوري (بقايا ذكريات)، ومذكرات الشيخ محمد الغزالي (قصة حياة)، والداعية زينب الغزالي في (أيام من حياتي) والأستاذ حسن العشماوي في (مذكرات هارب).. وغيرها من المذكرات التي تحمل جانبا شخصيا في مراحلها، وتمثل تاريخ الجماعة في فصول كثيرة منها.
وكل هذه التجارب والكتابات لها وعليها من الملاحظات ما يفيد كل مهتم بتاريخ جماعة الإخوان المسلمين، وبخاصة التجربة المهمة الأولى، كتاب (الإخوان المسلمون.. أحداث صنعت التاريخ)، فهي جديرة بالتناول والتأمل، لما للكتاب من أهمية ومكانة لدى الإخوان، وهو ما أجمل الحديث فيه في مقالنا القادم إن شاء الله.