تزامنت زيادة حالات
الانتحار في
مصر بين مستخدمي تطبيق لعبة "
الحوت الأزرق" على أجهزة
المحمول مع نشر الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان لأكبر
دراسة نفسية على
طلاب المدارس بعد توقف استمر لسبع سنوات؛ والتي كشفت عن أرقام مثيرة للقلق بشأن
الأزمات النفسية التي يعاني منها الطلاب.
وحذر خبراء ومختصون
نفسيون تحدثوا لـ"
عربي21" من عواقب تردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية من
ناحية، وغياب الرقابة، وحالة الفراغ التي يعيشها الأطفال والشباب وانفتاحهم على
عالم الإنترنت دون ضابط أو رابط.
وكشفت الدراسة، التي
نشرت قبل أيام، التي شملت مراهقين تتراوح أعمارهم بين 14 و17 سنة، أن نحو 29% من
الطلبة والطالبات يعانون من مشكلات نفسية، تراوحت ما بين أعراض القلق والتوتر،
والتلعثم في الكلام والاكتئاب، وأن 19.5% يرغبون في إيذاء الذات، وأن 21.5% يفكرون
في الانتحار.
وفي مصر، التي تعتبر
من أكثر الدول العربية التي تسجل فيها حوادث الانتحار، أوضحت دراسة صادرة عن مركز
المعلومات، التابع لمجلس الوزراء بمصر، في عام 2010 أن محاولات الانتحار بلغت فى
العام 2009 نحو 104 ألف حالة انتحار نُفذ منها 5 آلاف، في حين كانت 3700 حالة
انتحار في 2007 و2355 حالة انتحار في 2006 و1160 حالة في 2005.
عوامل مشتركة
استشاري الطب النفسي
والأعصاب، زكريا عبدالحكم ، لم يستثن تردي الأوضاع الاقتصادية وما تلاها من آثار
سلبية على المجتمع والأسرة من تحمل القسط الكبر من المسؤولية عن عمليات الانتحار، وقال:
"الظروف الاقتصادية، وارتفاع الأسعار، وسوء سوق العمل، وعدم وجود دخول تتناسب
مع ظروف المعيشة كل ذلك له دور كبير في حالة الإحباط السائدة".
ولكنه أشار في تصريحات
لـ"
عربي21" إلى دور الأسرة الذي تراجع في الآونة الأخيرة و"أسلوب
التربية للأجيال الجديدة الذي قل فيه ارتباط الأباء بالأبناء نتيجة الانشغال
المستمر، وترك الحرية لهم في كل شيء دون تدخل بالنصيحة والتوجيه، كما كان سابقا،
ساهم بلاشك في زيادة المشكلات النفسية؛ لإن الإنسان دائما في هذا السن بحاجه إلى
توجيه".
وأضاف: "هناك مثل
شائع يقول "من ليس له كبير يشتري له كبير فالشباب هذه الأيام فقد القدوة
والأمل، وأصيب باحباطات كثيرة؛ لذلك تجده يبحث عن شيء يجبره على السير في اتجاه
يشعره بأن هناك قوة تسيره وتوجهه"، لافتا إلى أنه "ليس صحيح أن الحرية
المطلقة تساعد على تلمس الطريق الصحيح، فالأبناء بدون توجيه مباشر يضلون الطريق
لإن الأباء تنازلوا عن هذا الدور لمثل تلك الألعاب (في إشارة للعبة الحوت
الأزرق)".
واختتم حديثه بالقول
:"ما كنا نحسبه أنه حرية للأولاد بعدم فرض أراء أو إرشادات معينة، دفعهم
للبحث عنه في عالم الإنترنت سواء في الحوت الأزرق أو في غيره من التطبيقات التي
تلبي لهم مثل تلك الحاجة، أو المخدرات التي هي بمثابة قوة خارجية تسيطر على
المخ".
من يتحمل المسؤولية
في حين رأى استشاري
الطب النفسي، إبراهيم مجدي حسين، أن ما تم ذكره من نسب في دراسة الأمانة العامة
للصحة النفسية وعلاج الإدمان، ليست مفزعة، ناهيك عن عدد سكان مصر الكبير، ولا تعد
مؤشرا على وجود طفرة في نسب حالات الانتحار".
وأضاف
لـ"
عربي21": "إلا أننا بحاجة إلى توعية الناس بأهمية الصحة
النفسية، ولا ننتظر الأمراض بل نتبع سياسة الوقاية خير من العلاج"، مشيرا إلى
أن "عدد مستشفيات الصحة النفسية زادت في الفترة الأخيرة لاستيعاب الزيادة في
أعداد المرضى النفسيين، وقد ارتفع عددها إلى 22 مستشفى نفسي، وهناك مسشتفى كبير
تحت الإنشاء بمدينة بدر (ضواحي القاهرة) يستوعب آلاف المرضى ليصبح الأكبر من نوعه
في مصر والقارة والشرق الأوسط".
وأوضح أنه "لا
نريد أن نلقي باللوم كله على الأزمة الاقتصادية، فجزء كبير تتحمله الجينات التي
تتحكم في الأمراض النفسية، وتغير في كيمياء المخ، مع الإشارة إلى أن العامل
الاقتصادي يوفر لها بيئة للنمو أو الزيادة؛ لإن هناك بيئات غنية جدا بها انتحار
وحالات اكتئاب وغيرها من الأمراض".
الفراغ والرقابة
وفيما يتعلق بانتشار
حالات الانتحار بسبب "لعبة الحوت الأزرق"، وصف الاختصاصي في الإرشاد
النفسي، عمر النمر، اللعبة "بالظاهرة المقلقة بعد أن حصدت أرواح عشرات
الأطفال والشباب في جميع أنحاء العالم".
وأضاف لـ"
عربي21"
أن "اللعبة تعتمد على استهواء المراهقين والشباب من خلال إعطائهم إرشادات
وتكليفات بمهام بها تحدي تصاعدي في صعوبتها ما يخلق لديهم روح التحدي يصعب معها
التراجع بعد الإفشاء للعبة بكثير من الأسرار المتعلقة به وبأسرته".
وأوضح أن "خطورة هذه اللعبة تكمن في أنها تسلب عقل الطفل، وتسيطر
عليه لتنفيذ أوامر بدون تفكير أو تردد، والمستهدف ليس الطفل القوي الواعي المشمول
برعاية الأسرة، إنما الطفل الذي لديه فراغ عاطفي، وضعف بالشخصية، وينطوي على
نفسه"، داعيا "الأهل إلى عدم ترك أطفالهم بمفردهم على الإنترنت لساعات
طويلة وفرض رقابة ذكية عليهم".
محذرا من أن
"الاستخدام الخاطئ للإنترنت ينذر بكارثة كبيرة؛ فالطفل في تلك الحالة يصبح
مستقبل وليس مرسل، ما يؤدي إلى حدوث خلل نفسي في النطق والتفكير والإبداع، ويؤثر
على الصحة الجسدية نتيجة المكوث الطويل ويجب عدم ترك الأطفال للفراغ".