كثرة وتعدد المبادرات الداعية للحلول السياسية للأزمة
المصرية شيء إيجابي يبعث على الأمل، ولا يبعث أبدا على الإحباط أو القلق. فمصر تعيش حالة غير صحية منذ 3 تموز/ يوليو 2013 تستوجب استنفار الأفكار وتكثيف الجهود لإيجاد الحلول اللازمة لاسترداد الدولة لعافيتها وقوتها.
وعلى الأقل، تثير هذه المبادرات المياه الراكدة وتنبه الأحزاب والنخب والقوى الضامنة لأمن واستقرار مصر بخطورة الأوضاع الحالية، في ظل تصاعد حدة الاستقطاب والانقسام، وهو ما يستوجب ضرورة البحث عن مساحات مشتركة بين الأطراف المتصارعة لترسيخ التعايش والتوافق فيما بينها، من أجل الحفاظ على الدولة المصرية ووقف نزيف الطاقات والمقدرات، خاصة وأن مصر تعيش أزمات عاتية، أولها الأزمة الاقتصادية الطاحنة بعد تدهور سعر الجنيه والارتفاع غير المسبوق في الأسعار والخدمات، وثانيها كارثة سد النهضة والتي تهدد مصر بالعطش المائي، وثالثها تصاعد الإرهاب في سيناء والذي يهدد ثلث مساحة مصر.
كلها أسباب تدفع كل وطني للاصطفاف والتحرك لإنقاذ الدولة المصرية، والتي تعمل كل التيارات السياسية، وفي القلب منها التيار الإسلامي لنهضتها وتماسكها، فانفرط الدول المصرية وتفككها يصب في صالح أعداء الوطن، لذلك يجب ألا يخيفنا ولا ترهبنا تلك الأصوات الرافضة للحوار أو التفاعل مع المبادرات، فهي أصوات ضد طبيعة البشر. فالحروب والصراعات تستمر سنوات وعقود تزهق فيها الأرواح وتسيل فيها الدماء، وتنتهى بحلول سياسية وجلوس على مائدة الحوار والتعايش.
لذلك، يجب على السياسي الذي يصنع السلام والأمن لمجتمعه وبلاده ألا ترهبه الأصوات الداعية للانقسام أو الرافضة للحوار، بل يجب عليه التمسك بقيم الحوار والحل السياسي للأزمات؛ لأنها آلية من آليات الديمقراطية، فضلا عن أن الأوطان تبنى بالحوار والتعايش والتسامح والعفو، وتنهار بالانقسام والاستقطاب والعنف.
والمصلحون والدعاة لا بد أن يتحلوا بالصبر والشجاعة في دعوتهم وطريقهم لنهضة أوطانهم وبناء مجتمعاتهم؛ فالله أمر نبيه وحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم بعد تكليفه مباشرة بالدعوة في مكة بقوله: "ولربك فاصبر".
وقد سعدت كثيرا بمبادرة الأستاذ كمال الهلباوي، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، والقيادي السابق في جماعة
الإخوان المسلمين، والتي شهدت تباينا كبيرا في ردود الفعل، إلا أن أبرز ما فيها هو تشكيل مجلس حكماء يضم شخصيات عربية ودولية مشهود لها بالنزاهة، لقيادة وساطة تاريخية في مصر، تنهي حالة الصراع القائمة بين نظام الحكم والمعارضة، وفي مقدمتهم الإخوان، وتأسس لمصالحة وطنية شاملة لا تستثني أحدا إلا أهل العنف والإرهاب.
وقد جاء قبل أيام بيان وزارة الخارجية عقب استقبال الوزير سامح شكري؛ نظيره اليمني عبد الملك المخلافي أثناء زيارته للقاهرة. قال شكري إنه "لا يوجد حل عسكري للأزمة اليمنية"، لافتا إلى "استعداد مصر الدائم لتقديم الدعم السياسي لجهود تحقيق السلام والحل السياسي للأزمة اليمنية، بالإضافة إلى دعمها بطبيعة الحال لجهود الأمم المتحدة للوساطة"، وهو مؤشر جيد في ترسيخ الحلول السياسية لأزمات وطننا العربي الذي يشتعل بالصراعات والحروب.
وأظن أن الحلول السياسية ودعمها أولى بمصر وأبنائها، خاصة في ظل أزمة اقتصادية طاحنة وانسداد في الأفق السياسي والأمر ينذر بخطورة. فنحن دولة كبيرة العدد (100 مليون نسمة)، وهناك نصف المجتمع يعيش تحت خط الفقر. فمع أي أزمة عاتية أو انفلات؛ مصر مهددة بالفوضى، وهو ما يستوجب التحرك الجاد لمصالحة شاملة بين كل أبناء الوطن، وحلول سياسية تجنب البلاد تلك المخاطر.
وأظن أن حل الأزمة في مصر لا يكون بالتفاهم والحوار بين السلطة والإخوان المسلمين فقط، فهذا تسطيح للأزمة، بل يجب أن يكون الحوار بين جميع القوى الضامنة لأمن واستقرار المجتمع. فمصر وهي بلد وادي النيل الذي تتعايش فيه الأفكار والاجناس والأعراق؛ تعيش يعيش أزمة حقيقة في التعايش والتوافق.
وأعني بالقوى الضامنة لأمن واستقرار مصر موسسات الدولة، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية والدولة العميقة والشرطة والقضاء، ورجال المال والأعمال، والأقباط والكنيسة، والأزهر، والنخب السياسية والثقافية، والحزب الوطني، والحركات والأحزاب الإسلامية وفي القلب منها الإخوان المسلمون، وشباب الثورة بمختلف اتجاهاتهم. كل هؤلاء يجلسون على مائدة الحوار لإيجاد القواسم المشتركة فيما بينهم لترسيخ التعايش والتوافق بين أبناء الوطن.
والحوار لن يكون فيه غالب ولا مغلوب، إنما المستفيد الأول والأخير هي الدولة المصرية التي سيعمل الجميع على استرداد قوتها وعافيتها ورايادتها في المنطقة. قطعا، تهيئة وترطيب الأجواء من الأهمية بمكان لإتمام ونجاح تلك الحوارات.
ولعل وقف خطاب الكراهية والعداء في وسائل الإعلام، والذي يزيد من حدة الاستقطاب والانقسام، أول خطوة في تهيئة تلك الأجواء؛ ثانيها رفع المعاناة عن المعتقلين والمظلومين في السجون والمعتقلات. وأعتقد أن السلطة هي الطرف الأقوى في المعادلة، ويجب أن تتخذ من الإجراءات الكثير لترطيب الأجواء، منها الإفراج عن كبار السن والمرضى والنساء والأطفال والإعلاميين والصحفيين، فضلا عن أن مفاتيح الترطيب وتهيئة الأجواء مسؤوليتنا جميعا، لنخرج من قاموسنا السياسي التخوين والتكفير، فكلنا أبناء مصر يعمل من أجلها.
ويجب ألا يتسرب الإحباط أو اليأس إلى قلوبنا، فما زال في الوقت متسع للإصلاح، وأن يعم الخير بلادنا ويرفع عنها البلاء والغلاء، فالله ولي ذلك والقادر عليه.
وتحية لكل وطني يعمل من أجل وقف نزيف الدماء وحفظ الأرواح. تحية لكل من يبادر لمصالحة شاملة ينعم فيها الجميع بالأمن والاستقرار. تحية لمن يسعى لرفع المعاناة عن المعتقلين وأسرهم. تحية لمن يرسخ العفو والتسامح في بلاده.. اللهم احفظ مصر وأهلها من كل مكروه سوء يارب العالمين.