قضايا وآراء

غياب القوى الحية في المجتمع المصري

خالد الشريف
1300x600
1300x600

عائلات وأسر كاملة العدد يتم التنكيل بها في السجون والمعتقلات، بل ويتم الانتقام منها دون سند من قانون أو تهم محددة. وكل يوم نودع عزيزا غاليا من السجون إلى القبور، وقد أصبح الإهمال الطبي أداة نظام السيسي لتصفية المعارضين داخل السجون.

ومنذ أيام تم دفن جثمان الدكتور عمر عبد الغني الذي توفي في السجن نتيجة للإهمال الطبي ومن قبله توفي شقيقه الدكتور محمد عبد الغني داخل سجنه أيضا عام 2018، هذا غير شقيقهم المهندس أيمن عبد الغني المطارد من قبل نظام الانقلاب الذي ندعو الله القدير أن يرزقه الصبر والثبات على فراق أخويه، وأن يرحمهما رحمة واسعة ويسكنهما فسيح جناته ويرزقنا جميعا الصبر؛ فقد أصبحت مصر موطنا للظلم والطغيان، وعنوانا لانهيار منظومة العدالة، فكما قلت أن عائلات بالكامل في السجون هناك آل الشاطر وآل البلتاجي، بل أن الانتقام الأعمى وصل للنساء والبنات والأحفاد، وهذا أمر يورث في النفوس مرارة لا تمحي حتى مع السنين والأيام.

أذكر أن أستاذنا الفاضل فهمي هويدي أطال الله في عمره سئل يوما عن أصعب موقف في حياته فتساقط الدمع من عينه، وهو يقول: "في السجن الحربي، وقد تم اعتقالي عام 1954 وعمري 10 سنوات رأيت الجنود يلتفون حول أبي في فناء السجن ويضربونه، وهذا الحادث لم تمحه الأيام من ذاكرتي".


الظلم المركب والطغيان المتوحش حينما ينال من الآباء والأبناء والإخوة والعشيرة دون جريرة أو ذنب لا يمكن أن يغادر العقول ولا القلوب، وقد تعرضت عائلتي بالكامل للاعتقال والتنكيل في عهد مبارك عام 1990 والجريمة أني الصديق المقرب للدكتور علاء محي الدين رحمه الله الذي تم اغتياله وتصفيته جسديا في الطالبية إحدى ضواحي الجيزة.

لكن رغم فداحة الظلم الواقع على شخصي وعائلتي، إلا أنني شعرت أن مصر كلها هبت لنجدتي والوقوف بجانب من محامين وصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان ومنظمات دولية وحقوقية، وكان صديقي منتصر الزيات يرابط بين السجن والنيابة يزورني يوميا ويقدم البلاغات والاحتجاجات على تعذيبي واعتقال عائلتي والحقوقي هشام مبارك رحمه الله كان مثالا للشهامة والمروءة تفرغ لخاطبة منظمات حقوق الإنسان، وأصدر البيانات.

وكذلك الأستاذ بهي الدين حسن الذي كان يومها مديرا لمنظمة حقوق الإنسان، حيث كان له دور بالغ في الدفاع عن قضيتي وجيش من المحامين والصحفيين، وعلى رأسهم صديقي محمد عبد القدوس، بل أن الأستاذ محمد عامر رئيس تحرير جريدة الحقيقة التي كنت أعمل بها ذهب إلى مكتب وزير الداخلية عبد الحليم موسى بلاظوغلي يعاتبه وتطور الأمر لمشاجرة وخناقة مع الوزير بسبب الظلم الواقع لي وعلى عائلتي.

 

مصيبة مصر الآن غياب القوى الحية عن المجتمع وغياب العقل الاستراتيجي والرؤية الناضجة في صفوف المعارضة المصرية التي أصابها الوهن والضعف وأصبحت عاجزة عن لم الشمل وجمع الكلمة بفعل المزايدات الرخيصة وتخويف كل صاحب فكرة أو رأي

 



وعندما استدعى الأستاذ مكرم محمد أحمد، وكان نقيبا للصحفيين وزير الداخلية في ندوة نقاشية بدار الهلال حول الأحداث الأمنية الدامية فوجئ بالزميل الصحفي مجدي سبلة في بداية الندوة يسأل عبد الحليم موسى: لماذا اعتقلت خالد الشريف؟ مما سبّب حرجا كبيرا للوزير الذي لم يجد جوابا سوى القول: اعتقلناه حفاظا على حياته، حتى وإن كان الجواب غير منطقي! لكن الشاهد أن المجتمع والأوساط الثقافية والمهنية كانت تتمتع بقوة وحيوية كبيرة رغم دكتاتورية مبارك وتفاعلت ضد ظلم وطغيان نظام مبارك وجبروته وقاومت بكل قوة الاعتقال والتصفية الجسدية واصطف المجتمع من أقصى اليمين إلى اليسار ضد انتهاك حقوق الإنسان، بل وصل التفاعل مع قضيتي أن أصدرت لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة والعفو الدولية ولجنة حقوق الإنسان بالكونجرس الأمريكي بيانات تطالب بالتحقيق في واقعة تعذيب واعتقال عائلتي، مما دفع النائب العام لفتح قضية تحقيق مع رئيس قطاع أمن الدولة اللواء مصطفى كامل ومأمور سجن الاستقبال المقدم محمد عوض. 

صحيح أن القضية حفظت ضدهما بعد سنوات لكن يبقى حيوية المجتمع ومناهضته للظلم والقمع الذي مارسته السلطة ضد المعارضين.

اليوم الظلم ملأ البر والبحر في مصر، والناس تئن وتصرخ من ظلم السيسي الذي خرّب الحياة وهدم المنازل، وأصبحت المحروسة أكثر فقرا وأقل عدلا، ولا أحد يتحرك وكأن قوى المجتمع ماتت وأصيبت بالكساح.

المعتقلون 60 ألفا تعج بهم السجون والإهمال الطبي أداة لقتل الجميع ولا أحد يتكلم. طيب إن عجزنا عن الكلام ولا نعجز عن الصراخ في وجه الظالم المستبد، حتى بعد ضياع النيل وخراب سيناء لا يزال بنو قومي من السياسيين والمعارضين مكتوفي الأيدي متحجري التفكير لا يقدمون ولا يؤخرون حتى الأفكار أصبحت عقيمة سلبية.

هذه مصيبة مصر الآن غياب القوى الحية عن المجتمع وغياب العقل الاستراتيجي والرؤية الناضجة في صفوف المعارضة المصرية التي أصابها الوهن والضعف وأصبحت عاجزة عن لم الشمل وجمع الكلمة بفعل المزايدات الرخيصة وتخويف كل صاحب فكرة أو رأي.. والله تعالى يقول ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾.. والأخذ بالأسباب من أهم وسائل تحقيق النصر فلنبدأ..  اللهم ألّف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا واهدنا سبل السلام ونجنا من الظلمات إلى النور وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن.. وتب علينا وارحمنا وأنت خير الراحمين.. وكل عام أنتم بخير تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.

التعليقات (0)