نحن نعيش في غابة من الأكاذيب، ويحتاج المرء الذي يشتغل بالكتابة أن يعرّف "للناس" المعرّف، وأن يوضح لهم الواضح، وأن يفاجئهم دوما بالبديهيات، لينتقل بهم ومعهم من حالة تصديق الكذب إلى محاولة تغييره، أو التعايش معه بعد أن تفشل كل محاولات تغييره، كما يحدث في الغالب الأعم، والله الموفق!
حالة من الدهشة، والتندر، لا تخلو من المكايدة وشغل الضرائر، على مواقع التواصل، وفي بعض القنوات المحسوبة على الربيع العربي، بعد
انتشار فيديو تركي آل الشيخ مع عمرو أديب أثناء الاتفاق مع الأخير لتقديم برنامج أسبوعي على شاشة إم بي سي، بمبلغ ضخم يحوله إلى الأغلى سعرا (مبارك طبعا). تركي آل الشيخ بعد أن أتم الصفقة "رزع"
عمرو أديب على كتفه مهنئا، ورحب به باللغة الإنجليزية في
السعودية، مضيفا: اللي بعده...
المشهد لم يخل من حالة "مسكنة" لم يتعود عليها جمهور عمرو، وأدب لم يره من قبل أي أحد يعرفه، و"تبعل" للسلطان صاحب القرشنات، لزوم تثبيت السبوبة، وتسليكها، والرزق يحب الـ"أي حاجة" يعوزها الزبون.. عادي، والله العظيم عادي.. غير العادي أن نندهش ونتعجب و"نذبهل" ونشرئب، ونوحي للناس بأن ما يحدث "مهين" ومبالغ فيه، وغير مسبوق، و"ما يصحش كده"..!
باختصار: هل عمرو أديب إعلامي؟ لا طبعا.. صحفي؟ بكل تأكيد لا.. مذيع؟ عيب يا أستاذ، الناس صايمة، إذن ما "عمرو أديب"؟.. س: عرف عمرو أديب، موضحا مواطن الجمال والشقاوة؟ ج: أديب موظف بروباجندا شاطر، بالعربي الفصيح: نائحة مستأجرة، بوضوح ودون مواربة، عمرو رجل يفهم الشعب
المصري جيدا، يفهم لغته، ذوقه، مزاجه، يساهم عن عمد في الاستثمار في جهله، وفي تجهيله، وهو الأنجح في ذلك على الإطلاق.. من يريده لهذه المهمة يستأجره، ويمكنك أن تستأجره للشيء وضده.. جاهز لإقناع المصريين بالثورة، "ماشي"، بالانقلاب، "ماشي"، بالكنافة بالمانجو، لا يضر، بأي شيء، حتى لو كان هيكتور كوبر، "لاموري في زوري"، هذه سلعة، ماكينة، لها سوقها، ولها مستوى أداء وكفاءة، وفاعلية، وكله بثمنه!
يبقى أن أخبرك بما يعلمه الجميع، وهو أن "كل" من "يركبون الهوا" دون انقطاع هم عمرو أديب، قولا واحدا، وإن كان الأخير أشطرهم طبعا، كلهم ينطبق عليهم التعريف نفسه، كلهم بلا استثناء، كلهم، في كل المعسكرات، في كل التيارات، في كل الأحزاب، في كل الجماعات، كلهم، الاستثناءات معدومة، والتعميم مقصود، وغير مخل، والأرزاق على الله!
ما معنى هذا؟ الجميع زمار، الجميع مرتزق، الجميع بلا قضية، الجميع يبيع لمن يدفع؟ لا طبعا، راجع ما قلته جيدا، "كل" من "يركب" "دون انقطاع".. عشرون عاما على الشاشة أو يزيد، هذا هو عمرو، وأي عمرو، من إعلام "وقعنا 90 طيارة" إلى إعلام "وقعنا البلد بحالها"، لا أحد يدفع لك ويساندك ويحميك ويفرضك على المشاهدين فرضا، إلى أن تتعلم "فيهم"، وتصبح نجمهم رغما عن بؤبؤ عينهم، لا أحد يفعل معك كل ذلك لتقول رأيك في النهاية، بل لتقول رأيه هو طبعا، ملعون أبو رأيك "على أبو اللي جابك"...
وماذا عن الشرفاء؟ موجودون، أهلا وسهلا، ولكن وفق ظروف خاصة، وملابسات معقدة، واتفاقات مرهقة، وتوازنات وقلق وحرق دم وأعصاب وتعثرات أكثر واستقرار أقل، وطبعا "فلوس" أقل بكثير، فالشرفاء هم الأغلى، ولكن ليس عند تركي آل الشيخ!
الشرفاء موجودون بكفاءتهم، وقدرتهم على فرض أنفسهم واحتياج "المهنة" لهم - أحيانا - واضطرار الظرف السياسي لوجودهم - المؤقت - أحيانا أخرى، تقاطعات بين المصلحة والقيمة يفرضها الواقع، وتساهيل ربك، ليجد المخنوقين مجالا للتنفس، والاستمرار، وتسريب "سرسوب" من الضوء، في غفلة من العسس، أو كما قال عمك أمل دنقل: ربما ننفق العمر كله كي تثقب ثغرة / ليمر النور للأجيال مرة!
لا تندهش يا صديقي، ولا تسلم لحيتك أو "مقاصيصك" لمن يبيعون لك الوهم ويوهمونك بأنهم "صوتك"، هنا أو هناك، في السلطة أو المعارضة، في الإسلاميين أو العلمانيين، في البر أو في البحر أو في "الجو.. الشرفاء لا يحتاجون إلى كل هذه "الحنجلة"، لا للترويج لأنفسهم، ولا للانتصار لقضاياهم، حسبك أنك لن ترى أحدا منهم يوما تحت ذراع أي "آل الشيخ"!