هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
مايزال الملف الاقتصادي يشكل الهاجس الأكبر للدولة الأردنية بحكوماتها المتعاقبة، وما تزال خطط الانعاش والاصلاح الاقتصادي عاجزة عن وقف عجلة المديونية التي باتت تأكل النصيب الأكبر من الناتج المحلي الإجمالي، وسط اعتماد شبه كلي على رئة المساعدات والمنح الخارجية التي باتت تشكل ركنا يصعب الاستغناء عنه في عجلة الاقتصاد والموازنات الأردنية السنوية.
ودعت الاحتجاجات التي عمت المملكة مؤخرا والتي دفعت صوب تداعي الدول الخيجية لتقديم المساعدات المالية "مشروطة كانت ام غير مشروطة"، لطرح تساؤل جوهري من لدن العديد من النخب والمحللين والمراقبين الاقتصاديين والسياسيين، عن إمكانية توفير بدائل مالية للأردن تنقذه من حرج السؤال ومد يد المساعدة من الدول القريبة والبعيدة؟ .
وبحسب ارقام وزارة المالية الأردنية بلغ دين المملكة 27 مليارا و443 مليون دينار أو ما نسبته 6ر95 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي المقدر لنهاية شهر كانون الثاني الماضي.
وشهد الأردن خلال الأسابيع الماضية تظاهرات هي الأوسع، بسبب السياسات الاقتصادية المتراكمة، إلى جانب ما أقدمت عليه حكومة هاني الملقي المستقيلة من تقديم مشروع معدل لقانون الضريبة يطال شرائح جديدة، وهو ما دفع لحالة غضب وسخط شعبي انتهى بإقالة الملقي وتشكيل حكومة جديدة.
واتهم محللون الحكومات الأردنية السابقة، بعدم اتخاذ اصلاحات اقتصادية جذرية، مطالبين بإعادة هيكلة الاقتصاد الأردني، بدلا من التعويل فقط على المساعدات والمنح الخارجية.
اقرأ أيضا: الرزاز: مشروع قانون الضريبة لم يدرس وسنعالج التهرب الضريبي
وبرزت تساؤلات حول ما إذا كان الأردن قادر على التخلي عن المساعدات الخارجية، والتغلب على أزمته الاقتصادية بعيدا عن الهبات والمساعدات والخيارات التي يملكها لنحقيق ذلك.
وعن ذلك يقول الخبير والمحلل الاقتصادي الأردني فهمي الكتوت، إنه " لا شك أن السياسات السائدة في الأردن فاقمت الأزمة بشكل خطير، فلم يعد سهلا انتشال الاقتصاد الأردني من أزماته، وخاصة في ظل تصاعد المديونية، وعجز مزمن في موازنة الدولة، وتراجع النمو الاقتصادي إلى أقل من 2 بالمئة، وتضخم الجهاز الحكومي الذي أصبح يمتص أكثر من نصف الموازنة وفساد مستشر".
وعن الإجراءات الواجب اتخاذها سياسيا واقتصاديا، أجاب الكتوت في حديثه لـ"عربي21"، أنه يجب توفير الإرادة السياسية لتحقيق اصلاحات دستورية وسياسية، لضمان الولاية العامة للحكومة الجديدة، وقانون انتخاب ديمقراطي وانتخابات نيابية حرة ونزيهة.
وشدد على، إعادة هيكلة موازنة الدولة بتقليص النفقات الحكومية بطريقة منهجية، وإخضاع موظفي الدولة كافة لقانون واحد "قانون الخدمة المدنية"، وإزالة امتيازات الوزراء والنواب والأعيان وكبار الموظفين والتخلص من منابع الفساد وإعادة الأموال المنهوبة".
اقرأ أيضا: هل تنجح مساعدات الخليج في حل أزمة الأردن الاقتصادية؟
وأضاف ، أنه يجب إعادة هيكلة الاقتصاد الأردني، وتوفير الحوافز لتشجيع المستثمرين العرب لدخول السوق الأردني، بإعفاء مدخلات الإنتاج والمواد الغذائية الأساسية من ضريبة المبيعات، وتوجيه النفقات الرأسمالية الحكومية للمشاريع الانمائية المولدة للدخل، واستثمار موارد البلاد الغنية "البوتاس والفوسفات والصخر الزيتي والنحاس..الخ" باعتبارها مدخلات إنتاج.
وأشار إلى أنه يجب تحويل الاقتصاد الأردني من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد انتاجي، وتوفير فرص عمل وخاصة في مجالات الصناعة والزراعة وتكنولوجيا المعلومات والسياحة، وتنظيم سوق العمل، واتباع سياسات ضريبية تصاعدية تسهم في إعادة توزيع الدخل، مطالبا بالابتعاد عن سياسة الجباية الداخلية.
وقال الكتوت إنه لا يجوز اعتبار المنح والمساعدات مصادر رئيسية للدولة أو لزيادة الانفاق الحكومي الممول بالقروض، بل توجيه المساعدات نحو الاستثمارات والمشاريع التنموية وتطوير الخدمات الصحية والتعليم والنقل العام، مشددا على أهمية تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدول الأخرى للنهوض بالاقتصاد الوطني وتطويره.
من جهته أجاب الخبير الاقتصادي زيان زوانة، في حديثه لـ"عربي21"، بأن الأردن "يملك خيارات كثيرة أخرى، ويجب أن تنتهج الحكومة الجديدة، النهج الإصلاحي، للنهوض بالاقتصاد الأردني وتحسينه، بدلا من الاعتماد على المساعدات والمنح، التي قد تسهم في تعزيز من النهج الاصلاحي الاقتصادي الأردني".
وأكد زوانة، أن خيارات الأردن تعتمد على سياسات إصلاحية داخلية من خلال بناء التنمية المستدامة، والمنظومة المالية العامة وإعادة هيكلتها، بالإضافة لخفض النفقات ووقف الهدر، وتنظيم وإصلاح قطاع الطاقة البديلة.
اقرأ أيضا: "قمّة مكة" تدعم الأردن بـ2.5 مليار دولار (تفاصيل)
وشدد على أن الإصلاح القائم يجب أن يشمل معالجة المؤسسات الحكومية المستقلة البالغ عددها 64 مؤسسة، وجميعها تقوم بذات الأعمال التي تقوم بها الوزارات.
وأكد زوانة، على أهمية إصلاح القطاع السياحي، الذي يشكل " ثروة سياحية كبيرة غير مستغلة.
التجارة الحرة مع تركيا
وحول إلغاء اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا، في ظل الأزمة الاقتصادية الأردنية، أجاب الكتوت، بأن قرار الحكومة الأردنية جاء في إطار مراجعة الاتفاقيات الثنائية، مشيرا إلى أن اتفاقية الشراكة الأردنية – التركية أسهمت في ارتفاع عجز الميزان التجاري لصالح الجانب التركي.
وأشار إلى أن القرار جاء استجابة لطلب غرفة صناعة الأردن، حيث بلغت قيمة المستوردات من تركيا 484 مليون دينار في عام 2017 بالمقابل بلغت الصادرات 66 مليون دينار.
واستدرك ، بأنه على الرغم من الملاحظات التي أوردتها غرفة الصناعة ، إلا أن غرفة التجارة الأردنية دافعت وطالبت ببقاء الاتفاقية، حيث كان من المفترض تخفيض الرسوم على الملابس التركية إلى الصفر بداية العام 2018.
ولفت ، إلى أن قرار إلغاء الاتفاقية على الرغم من المبررات الاقتصادية، لا يخلو من تأثيرات سياسية متصلة في استقطابات الإقليم.
واستبعد الكتوت، العودة للاتفاقية بنفس الشروط السابقة، مشيرا إلى الانتقادات الشديدة التي تعرضت لها السياسات الاقتصادية الأردنية، من مختلف الفعاليات السياسية والاقتصادية بسبب القرارات العشوائية التي أفضت لنتائج "كارثية" على الاقتصاد الأردني، حيث ارتفع العجز التجاري من 1.5 الى 7.5 مليار دينار أردني منذ توقيع الأردن على اتفاقية التجارة العالية.
اقرأ أيضا: الأردن يعلق آمالا على مساعدات خليجية بمليارات الدولارات
من جهته، قال الاقتصادي زوانة، إن "اتفاقية التجارة الحرة من ضمن البنود التي طالب الاقتصاديون، الحكومة السابقة التفاوض عليها مع تركيا، من أجل تحسينها، ولكن استغربنا من إلغاء الاتفاقية"، مضيفا أن "الحكومة السابقة لم توضح مجريات المفاوضات، وماذا حدث ليصلوا للإلغاء؟".
تخفيض نسبة الديون
وحول الديون الخارجية للأردن، وقدرة الأردن على تسديدها، رأى الاقتصادي الكتوت، أنه من غير المتوقع الخروج من الأزمة الاقتصادية في ظل النهج السياسي والاقتصادي السائد في الأردن.
وقال، "لا أحد يعتقد أن الأردن قادر على تسديد ديونه وأن أقصى ما يطمح إليه الأردنيون تخفيض نسبة الدين العام للناتج المحلي الإجمالي بمعنى زيادة النمو الاقتصادي مع وقف زيادة الدين العام"، مضيفا، إلى أن المديونية تقدر بنحو 40 مليار دولار وهي تشكل نحو 100% من الناتج المحلي الإجمالي، وتزداد سنويا بحوالي أربعة مليارات دولار سنويا.
سوريا بوابة الأردن
ورأى الكتوت، بأن سوريا تعد البوابة الرئيسية للأردن والرئة التي يتنفس منها، مشيرا إلى أن الصادرات الأردنية إلى سورية تراجعت من 142 مليون دينار عام 2014 إلى 31 مليون دينار 2017.
وأوضح، أن معظم صادرات الأردن ووارداته كانت تمر عبر الأراضي السورية، وتحتل الموانئ السورية أهمية خاصة للاقتصاد الأردني.
اقرأ أيضا: هكذا قرأ محللون الموقف المتوقع لدول الخليج حيال الأردن
ولفت الكتوت، إلى أن النقل عبر الميناء الأردني الوحيد في العقبة على البحر الأحمر أكثر كلفة من موانئ البحر الأبيض المتوسط في سوريا، وقد شكلت المنطقة الحرة في منطقة جابر على الحدود الأردنية السورية مصدر رئيسي لتوفير مدخلات الإنتاج والبضائع الضرورية للأردن.
من جهته قال الاقتصادي زوانة، إن الأزمة الاقتصادية التي يعيشها الأردن جزء من حالة حصار اقتصادي ، بسبب الأزمة السورية، التي أوقفت التجارة بين الأردن وسوريا، ودول أخرى عبرها، بإغلاق معبر" نصيب الحدودي" مع سوريا.