ألقت هيئة تحرير الشام، الجمعة، القبض على القيادي السابق في التيار السلفي الجهادي بالأردن، والمنشق مؤخرا عن
تنظيم الدولة سعد الحنيطي.
وتتهم هيئة تحرير الشام الحنيطي بأنه أحد رؤوس الخلايا التابعة لتنظيم الدولة في إدلب، وانه يدير جانبا من عمليات التفجير والاغتيال في المحافظة، لا سيما العمليات التي تتعرض لها كوادر هيئة تحرير الشام.
وذكرت وكالة "إباء" التابعة لهيئة تحرير الشام أن الجهاز الأمني ألقى القبض على "سعد الحنيطي" في مدينة الدانا. وعمل "الحنيطي" منذ دخوله
سوريا في 2014 بعد خروجه من السجون الأردنية على التواصل بين "جبهة النصرة" وتنظيم الدولة ثم اختفى بعدها.
ويجد المتتبع للخط الزمني بين تحول الأردني سعد الحنيطي من سلفي حراكي؛ إلى جهادي، ثم قاض في صفوف جبهة النصرة، فتنظيم الدولة؛ أن محطات مهمة شكلت انعطافة في تفكير الرجل، الذي برز نجمه في التيار السلفي الجهادي الأردني عقب الربيع العربي بسبب محاولاته "عقلنة التيار" و"الانخراط في الحراك الشعبي والمسيرات".
خط زمني
درس الحنيطي التاريخ في ثمانينيات القرن الماضي بجامعة اليرموك شمال الممكلة، وفُصل خلال دراسته لفصل أو فصلين بسبب "مواقفه السياسية"، وتأثر في تلك الفترة بسيد قطب وفكرة "الحاكمية"، ودخل في فترة التسعينات في تيار سلفي صاعد، عندما كانت الممكلة "تعج" بالتيارات الإسلامية ذات الطابع الراديكالي، والتي عززتها أسباب كالخصخصة، وسياسات صندوق النقد الدولي، وتخلي الدولة الأردنية عن دورها الاجتماعي، كما يقول الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، محمد أبو رمان.
وبحسب محللين سياسيين؛ فإنه مع توقيع معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية عام 1994؛ تراجع المسار الديمقراطي في البلاد، وتمثل ذلك في إقرار قانون الانتخاب "الصوت الواحد"، مما رسّخ قناعة "الخط الراديكالي" بعدم نجاعة منهجية جماعات الإسلام السياسي في التغيير، ليبرز الحنيطي كأحد أبناء هذه المرحلة.
وأوضح أبو رمان في حديث لـ"عربي21" أن "الفكر الراديكالي للحنيطي بدأ بالظهور متاثرا بسيد قطب، ليتجه فيما بعد إلى كتابة رسالة الماجستير في التاريخ الاسلامي من جامعة آل البيت، والتي نشرت بعنوان (علاقة الفقيه بالسلطان في العصر العباسي) وخلال تلك الفترة؛ بدأ يتأثر بالفكر السلفي الحركي، الذي كان له في تلك الفترة شيوخه المعروفون؛ أمثال سفر الحوالي، وسلمان العودة".
وأضاف أن ذلك تزامن مع بروز نجم أحمد فضيل الخلايلة، المعروف بـ"أبو مصعب الزرقاوي" والذي قاد فيما بعد تنظيم القاعدة في العراق، بالإضافة إلى المنظر الأهم للتيار السلفي الجهادي، عاصم البرقاوي، المعروف بـ"أبو محمد المقدسي"، وذلك في الفترة من عام 1995 إلى 2000، مشيرا أن الحنيطي "لم يكن على علاقة بهاتين الشخصيتين، ولا عضوا بالتيار السلفي الجهادي، فما زال حينها أقرب للتيار السلفي القطبي الذي لا يتبنى العمل المسلح".
وقال أبو رمان إن الحنيطي بقي ضمن حلقات الظل، أو المجموعات التي تشكل تيارا سلفيا بصريا، وأنهى الماجستير على هذا الأساس، إلا أن نقطة التحول "الغامضة" التي حصلت في شخصية الحنيطي؛ كانت عندما سافر لإكمال دراسة الدكتوراه في أوكرانيا من 2000 إلى 2004 .
وتابع: "بعد عودته من أوكرانيا؛ بدأ الحنيطي يتقرب من التيار السلفي الجهادي في الأردن، وأصبح موضع شك عند عدد كبير من أتباع التيار، الذين اعتقدوا أنه قد يكون مخترِقا؛ بسبب شخصيته الغامضة، وانتمائه إلى عشيرة أردنية كبيرة".
وأكمل: "بقي الحنيطي قريبا من هذا التيار، واستطاع أن يشبك علاقة مع المقدسي بعد خروج الأخير من السجن، وأصبح من النخبة المقربة منه".
وبحسب أبو رمان؛ فإن الإندماج الحقيقي لسعد الحنيطي في التيار السلفي الجهادي؛ بدأ بين عامي 2008 و2011، وفي هذه الفترة تحديدا أصبح الحنيطي عضوا في التيار السلفي الجهادي، وعضوا قياديا، ليتعزز اندماجه بعد إبعاد المنظر الجهادي عمر محمود المعروف بـ"أبو قتادة الفلسطيني" عام 2013 من بريطانيا إلى الأردن.
ووصف أبو رمان الحنيطي بـ"الصقر القيادي الأكاديمي الجديد" في التيار السلفي الجهادي، ليشارك الحنيطي مع التيار بتأسيس مجلس شورى في فترة تنامي ثورات الربيع العربي عامي 2012 و2013، ويلعب دورا مهما في المظاهرات التي أطلقها التيار للمطالبة بـ"تحكيم الشريعة، والإفراج عن الأسرى"، ويصبح ناطقا اعلاميا باسم التيار في الأردن.
وبيّن أن "خطاب الحنيطي أثناء المسيرات؛ لم يكن خطابا تقليديا، وإنما كان مسيسا؛ يتحدث عن قضايا الفساد والحكم والدولة، في وقت كان فيه خطاب التيار أقرب إلى الخطاب الديني العقائدي"، مؤكدا أن "الحنيطي كان من دعاة عقلنة التيار السلفي الجهادي، واتهمه أعضاء في التيار بمحاولة شرعنة المظاهرات السلمية".
الذهاب إلى سوريا في رحلة يكتنفها الغموض
وأوضح أبو رمان أن "نقطة تحول مفصلية" طرأت على حياة الحنيطي أثناء فترة اعتقاله على يد الأجهزة الأمنية الأردنية في 2011 بعد مظاهرات الزرقاء الشهيرة، حيث إنه تحدث عن تعذيبه بصورة كبيرة، وإهانته بأساليب غير أخلاقية، وربما كان ذلك سببا رئيسا في شعوره بالغضب الشديد، ليقرر على إثرها الذهاب الى سوريا".
وفي نيسان/ أبريل 2014 توجه الحنيطي مع أسرته بشكل مفاجئ إلى سوريا، حاملا مبادرة إصلاح بين "جبهة النصرة" و"تنظيم الدولة". ووصف أبو رمان هذه الرحلة بأنها "حملت غموضا ما زال يسبغ مصيره إلى الآن في سوريا، سواء غموض المهمة غير المنطقية، أو غموض ما حصل معه بعد إعلانه الانضمام إلى تنظيم الدولة".
صديق الحنيطي يكشف بعض التفاصيل
وقال الناشط في التيار السلفي الجهادي الأردني، بسام النعيمي المعروف بـ"أبو بندر" إن الحنيطي تلقى بعد فشل مبادرته للإصلاح، عرضا من زعيم جبهة النصرة "أبو محمد الجولاني" بأن يصبح قاضيا شرعيا، ورئيسا لـ"دار القضاء" في الشمال السوري، "وهذا ما كان".
وأوضح النعيمي، الصديق المقرب من الحنيطي، أن خلافا وقع بين هذا الأخير، وبين اللجنة الشرعية لجبهة النصرة "عندما عين الحنيطي قاضيا عاما للجبهة، وكان حينها يطالب باستقلال القضاء، وعدم تسييسه، ومنع تدخل الجناح العسكري"، مؤكدا أن "التنظيم رفض ذلك، وعلى إثره قام الجولاني بعزل الحنيطي من القضاء، مما دفعه إلى الاعتزال في منزله".
لكن قياديا في التيار السلفي الجهادي فضل عدم ذكر اسمه، قال " إن "خلاف الحنيطي كان مع الجولاني مباشرة، حيث كان يطلب منه الأخير الالتزام بعدم إصدار أية بيانات حول الأحداث والنزاعات الواقعة بين الفصائل، إلا أن الحنيطي خالف أمره أكثر من مرة، ليُصار إلى فصله عن دار القضاء، مما دفعه إلى ترك جبهة النصرة".
وقال النعيمي إن الحنيطي "اختفى بعد ذلك بفترة، ولم تجد له جبهة النصرة أثرا، والذي حصل أنه ذهب إلى مناطق تنظيم الدولة، وأصبح عضوا في القضاء الشرعي له، مؤكدا أنه "لا صحة لدخوله معسكرات الاستتابة كما أشاع البعض".
أما الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، مروان شحادة، فأشار إلى أن تنظيم الدولة "لم يكن يثق بالحنيطي كثقته بالأردني عمر مهدي زيدان، الذي وصل إلى مناصب قيادية"، مستشهدا بأن الحنيطي "شغل منصب قاض شرعي في التنظيم، ضمن مئات القضاة، ولم يشغل مناصب قيادية".
وكانت مصادر افادت مؤخرا أن الحنيطي، انشق عن تنظيم الدولة، واتجه إلى مكان غير معلوم.
وقالت المصادر إن الحنيطي الذي بايع "البغدادي" في تشرين الأول 2014، أصدر رسالة انتقد فيها التنظيم بشكل غير مسبوق.
وكشف الحنيطي في رسالته المسربة تفاصيل مثيرة عن التنظيم من الداخل، قائلا إن القيادي "أبو محمد فرقان" (قتل في 2016)، نشر مسألة تكفير "العلماء" حتى من يقبع في السجون، وأزاح شرعيي التنظيم واستبدلهم بشرعيين "بعضهم بالكاد يحفظ سورة الفاتحة"، وفق قوله.
وتابع أن "القضاة" في التنظيم، يخضعون لسطوة ما يعرف بـ"الأمنيين"، وبالتالي "لا يحكمون بشرع الله".
وبحسب الحنيطي، فإن العراقيين هم من يتحكمون في مفاصل التنظيم، واصفا الحال بـ"القبلية المقيتة"، ومضيفا أن العراقيين يستخدمون أشخاصا من جنسيات أخرى كواجهة لهم.
ووصف الحنيطي في رسالته عملة التنظيم التي أحدثت جدلا واسعا بأنها "تخاريف"، في إشارة إلى فشل مشروعها بالكامل.