فتح التقرير الذي أعدته "لجنة الحريات
الفردية والمساواة" وقدمته للرئيس
التونسي الباجي قائد السبسي مطلع الشهر
الماضي، باب الجدل على مصراعية في تونس، بين علماء الدين والأئمة من جهة والنخب الليبرالية والأحزاب اليسارية من
جهة أخرى، وسط تراشق الاتهامات وحرب البيانات بين من وصف التقرير بالثوري والخطوة
المهمة نحو تدعيم الحقوق والحريات الفردية، وبين من اعتبره اعتداء سافرا على
المقدسات الدينية وتهديدا للسلم الاجتماعي عبر نشر "الفاحشة والإباحية".
ويتضمن التقرير المتكون من 230 صفحة توصيات ومشاريع قوانين وصفت بكونها مثيرة للجدل؛ على غرار المساواة في الإرث وإلغاء المهر والعدة، وإلغاء عقوبة الإعدام وإلغاء
تجريم المثلية الجنسية، وينتظر أن يحسم فيه رئيس الجمهورية في 13 آب/ أغسطس القادم
بالتزامن مع عيد المرأة، ليقع على إثر ذلك عرضه للتصويت أمام
البرلمان.
تحريض
وتقول رئيسة لجنة الحريات الفردية
والمساواة بشرى بلحاج حميدة لـ"
عربي21"، إن ما تضمنه التقرير يبقى مجرد
تصورات واجتهادات من أعضاء اللجنة تحتمل الصواب والخطأ، مستنكرة في الآن ذاته حملة
التحريض التي تشنها من وصفتهم بـ"أشباه رجال الدين" على أعضاء اللجنة، التي وصلت حد التكفير والدعوة للقتل.
وأضافت: "اجتهدنا في وضع تصورات تنسجم
ودستور تونس لما بعد الثورة، وللاتفاقات
الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها الدولة التونسية، ولكن فوجئنا بهجوم غير
مسبوق وبشكل همجي لمن يدعون أنهم يدافعون عن قيم الإسلام، والحال أن الإسلام براء
منهم".
بلحاج حميدة، اعتبرت أن ما تضمنه التقرير
ليست مشاريع قوانين بقدر ماهي مقترحات واجتهادات، يقع النقاش فيها من أطياف
المجتمع التونسي كافة،"عبر مقارعة الفكرة بالفكرة ومن دون اللجوء إلى منطق العنف
والتعصب الديني".
وتابعت: "أحمل المسؤولية الكاملة
للأئمة في حال تعرض أحد من أعضاء اللجنة للاعتداء أو للقتل، في ظل حملة منظمة وصلت
لتكفيرنا ".
مقابل ذلك، لم تخف رئيسة اللجنة تعمد أعضائها
رفع سقف المقترحات الواردة في التقرير بشكل غير مسبوق، مشددة أن ذلك من شأنه أن
يدفع نحو مزيد من النقاش، في إطار تأويل متقدم لما جاء به دستور ما بعد الثورة، وللمواثيق
الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها تونس.
وحول الانتقادات التي طالت اللجنة بتغييب
علماء الدين في نقاش قضايا تخص الشأن الديني وعدم أهلية بعضهم للخوض في مسائل
شرعية، اعتبرت بلحاج حميدة أن رئيس الجمهورية كان صاحب القرار في اختيار أعضاء
اللجنة، وبأن التقرير أشمل من مجرد رؤية دينية إلى رؤية اجتماعية واقتصادية
وحقوقية.
نشر الإباحية وتهديد
السلم الأهلي
وكانت بيانات لرابطات قرآنية وجمعيات دينية
وعلماء زيتونيين، قد انتقدت بشكل غير مسبوق ما جاء في تقرير لجنة الحريات الفردية، متهمة
أعضاءها بالتعدي على المقدسات الدينية
والقرآن وتقويض ركائز المجتمع.
حيث أعلنت "التنسيقية الوطنية
للدفاع عن القرآن والدستور والتنمية العادلة" في بيان، عن رفضها القاطع لما جاء
في تقرير لجنة الحريات الفردية، داعية إلى سحبه وإلغائه، وشددت التنسيقية على مناقضة
مضمونه لصريح القرآن والسنة ومخالفته لأحكام الأسرة القطعية في الإسلام، متهمة
إياه بالتعدي على المقدسات الدينية للشعب التونسي وتهديد السلم الاجتماعي، من خلال نشر
الإباحية وإشاعة الفاحشة وتغذية الإرهاب.
وفي السياق ذاته، اعتبر مفتي الديار التونسي
السابق حمدة سعيد في حديثه لـ"
عربي21"، أن ما تضمنه تقرير لجنة الحريات
الفردية من مقترحات وتصورات، يعد "مسخا وطمسا واعتداء على حق الله ومقدساته، وعلى أحكام ونصوص قطعية في القرآن لا تقبل لا التأويل ولا الاجتهاد؛ على غرار مسألة
المواريث والعدة والمهر واللواط"، مستنكرا في الآن ذاته عدم دعوة متخصصين من
رجال الدين وعلوم الشريعة في نقاش اللجنة، ووضع تصورات تتماشى وعقيدة المجتمع
التونسي.
بدورها، استنكرت "الجمعية التونسية للعلوم
الشرعية" في بيان تلقت "
عربي21 "نسخة منه "كل ما يمسّ الضوابط الشرعية، ويتعارض
مع ما هو معلوم من الدين بالضرورة؛ سواء في ما له علاقة بمسألة المواريث أو العدّة أو الحضانة
أو الولاية أو المهر أو تجريم الزنا أو المساحقة أو اللواط أو النسب، وسائر الأحكام الشرعية
قطعيّة الدلالة"، داعية رئيس الجمهورية إلى التراجع عن هذه المبادرة بسبب
تعارضها مع مقاصد الدين ومبادئ الدستور.
وفي سياق متصل،
عبرت "الجمعية التونسية لأئمة المساجد" في عريضة وطنية، رفضها القطعي
لما جاء في تقرير لجنة الحريات الفردية، مشددة على أن "المقترحات المقدمة من قبل
لجنة الحريات والمساواة، تحمل مغالطات شرعية وقانونية وحضارية، وهي لا تعبر عن حاجة
مجتمعية متأكدة للشعب التونسي، بقدر ما تعبر عن رغبة إيديولوجية لفئة قليلة منفصلة ثقافيا
ومجتمعيا عن اهتمامات الرأي العام التونسي ومشاغله، فضلا عن إملاءات أجنبية". بحسب
نص العريضة.
مقابل ذلك، أعلنت أحزاب يسارية وليبرالية
عن دعمها الكامل لما تضمنه تقرير اللجنة الرئاسية، حيث استنكر كل من حزب الوطنيين
الديمقراطيين الموحد –وطد- وحزب حركة مشروع تونس ما وصفوه بـ"حملة التكفير
والتشويه"، التي طالت لجنة الحريات الفردية والمساواة
فيما دعت "الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات"في بيان اطلعت "
عربي21"، على نسخة منه السلطات لاتخاذ التدابير القانونية للتصدي لدعوات القتل والتكفير
التي طالت بالخصوص رئيسة اللجنة، مثمنة عملها ومجهوداتها في "إرساء مبدأ المساواة وضمان الحريات الفردية
والعامة، وإلغاء التمييز بكل أنواعه".