دع الأيام تلهو بالناس كما تشاء ببأسها وألمها ولأوائها، دع المرارة تعتصرنا، تدمع عيوننا من أجل الشام النازفة، وتصفعنا جراحات مصر، وآلام ليبيا، دع العيون تنهمر بمطرها وأنت تتعرف إلى ما مر به الأركانيون في محنة العصر البائسة، دع القلوب ترتجف من معاناة الباحثين عن أوطانهم على حدود فلسطين وفِي شرايينها المقطعة، وابكِ إذا تذكرت اليمن، وحوقل إذا سمعت كل يوم ما يسوؤك من حال زعامات الديمقراطية العربية، وبعد ذلك قل: لكن.
نعم؛ لكن هي السر وهي السحر، وهي الكلمة المفتاح للواقع.
مع كل ما تم ذكره، وأنتم تبصرون ملايين المهجرين من ديارهم؛ أليس الله عز وجل مطلعاً على صراخ الصغار من ألم الجوع والخَوف وفقد الآباء والأمهات؟!
أليس الله تعالى قد أبلغنا بأن ذلك كائن وأنه مطلع على ما كان ويكون؟
لذلك؛ لا بد بعد كل معاناة وألم من بسمة، ولا بد بعد كل محنة من منحة، هذا ليس كلام تخدير ودغدغة للمشاعر، بل هو بعض الحقيقة التي يختزلها الله تعالى لعباده الذين يحبهم ويريدهم أن يكونوا كما أراد ليعطيهم ما أرادوا.
ابتلي كل نبي بأزمات وفتن وصنوف من المعاناة، وعذب كل مؤمن حول كل نبي بلا استثناء، وسمعنا من صبر الصحابة الكرام على البلاء ما نشهده اليوم من فعل البلاطجة والشبيحة والبلطجية والزبانية وعبدة الشيطان ورهبان بوذا وجلاوزة الاستبداد، ولكنهم بعد الابتلاء والصبر عليه عاشوا النصر والبسمة، وهم هم، استضعفوا وتم تمكينهم لمّا آمنوا بفكرتهم وصبروا، فقد تدخل الملك جل جلاله.
يغرق الباحثون عن بلاد الاستقرار في بحار الهجرة نعم؛ ولكن صناعة الوعي العام يتطلب الهزات الكبيرة، والزلزلة العظيمة، حتى تتحرك قلوب الذين عليهم مسؤولية نصرة المستضعفين في الأرض، أولئك الرجال الذين لم يتحركوا بعد بأمر الملك، فهم لا يتحركون بغير أمره ووفق مشيئته ساعة يشاء ، فإذا تحركوا انقلبت كل موازين الأرض والعقول ، ويتحقق أمر الملك المهيمن وتسقط كل قرارات ملوك الإقطاع الدنيوي.
سنبتسم نعم، وستنقشع هذه الغمامة السوداء التي أرهقتنا وأتعبتنا وأرّقتنا ودفعنا ثمن العيش في ظلامها كثيراً، وسنطلع الشمس التي اشتقنا لها واشتاقت لنا أكثر من شوقنا لها، لتحتضن اليتيم والمهجّر، ولتمسح دمعة الثكلى والأرملة وزوجة الأسير والمفقود.
رأيت أناساً من العلماء والأطهار وأصحاب القلوب الملذوعة وهم يتألمون بصمتهم على الواقع المرّ القاسي، ولسان حالهم يقول: صبراً آل درعا، صبراً يا تعز، صبراً يا أهل بيت المقدس، صبراً يا أهل الرافدين، صبراً يا أراكان، فإن لله أمراً سيكون، وقد بدأت المرحلة ونحن بانتظار "كن" ليكون.
أنا لست واعظاً أحاول تغييب العقل بالعاطفة، ولست إعلامياً يحاول صفّ الكلمات وانتقاء العبارات لترضي هذا وذاك، بل هي سَنَن الكون، تحليلات كبار الساسة الغربيين تتنبأ بالخير كله لنا كمسلمين، ونخاف نحن كمسلمين والله ناصرنا!
كتساؤل فقط؛ من كان يضع الريح في حساباته وخططه عندما أحكمت قريش واليهود حصار المدينة، وخانت قريظة، وانعدم الأمن، وساد الخوف والرعب والخوف من القادم والمجهول، وعربد المطربون وفنانو وإعلاميو وقارعو طبول قريش وغطفان ويهود وكل القبائل التي خانت ونقضت العهود وتحالفت في ساعة الأزمة مع العدو لتضرب ضربة باطشة قاتلة؟ فهل كانت الريح في حساب مؤمن ومنافق وكافر حينها؟ ولكن؛ جاءت الريح فجأة، وقلب الموقف كله بلا مقدمات، وهزم الأحزاب وبدأت مرحلة التمكين التي لا ذُل بعدها.
تنبؤات الغربيين أن تسلم أوروبا طوعاً قبل 2050م تلقائياً بفضل حجم الإقبال على دين الله تعالى من الأوروبيين أنفسهم طوعاً لا كرهاً، وتنبؤاتهم بزوال دولة المسخ المسماة "إسرائيل" أسرع مما قد يحلل المحللون، وتنبؤاتهم تشير إلى حركة أمواج بحر تضرب الشواطئ العربية جميعاً فتغير كل واقعها ولا تردها أمواج مضادة ولا ثورات مضادة، وهم يعلمون ذلك، ويعملون على تأخير ذلك لعلمهم أنهم لن يتمكنوا من منعه، فأبشروا وبشّروا، فنحن بانتظار تدخّل الملك عز وجل وعز من والاه.