أعلن الرئيس
التونسي الباجي قائد السبسي عن
مبادرة تشريعية تقر
المساواة التامة في الميراث بين الجنسين كمشروع قانون جديد
سيحال على البرلمان التونسي للنظر فيه، وذلك في خطابه بقصر قرطاج بمناسبة عيد
المرأة في 13 آب/أغسطس 2018.
وشدد السبسي في خطابه، على أنه مطالب من منطلق
مسؤوليته كرئيس جمهورية على احترام ما نص عليه الدستور التونسي من مدنية الدولة
وحرية الضمير والمعتقد، لكنه أكد بالمقابل، على وجوب مراعاة الخلفية الدينية
للمجتمع التونسي المسلم، وعدم استفزازه في معتقداته.
ودعا إلى ضرورة تغيير فصول مجلة الأحوال
الشخصية، سيما المتعلقة بأحكام المواريث، بحيث يصبح المبدأ هو المساواة التامة في
الميراث بين المرأة والرجل في القانون، أما الاستثناء فهو الاحتكام للشرع في حال
أوصى المورث قبل مماته بتنفيذ ماجاء به النص القرآني.
وتابع :"نحن في دولة مدنية، والقول بأنها
ذات مرجعية دينية، هو قول خاطئ وخطأ فاحش".
وأشاد السبسي بعمل لجنة الحريات الفردية
والمساواة، التي أعلن عن تكوينها في13 آب/أغسطس2017، بالتزامن مع طرحه مبادرة
المساواة في الميراث، واصفا التقرير بالإيجابي والعميق، داعيا الأحزاب السياسية
لإجراء حوار معمق حول ماجاء به من مبادرات تشريعية.
ولفت إلى أن حركة النهضة قد قدمت ملاحظاتها على
فصول بعينها في تقرير الحريات الفردية، سيما المتعلق بالمساواة في الميراث، لكنه
في المقابل اعتبر موقفها أمرا طبيعيا بالنظر لمرجعيتها الدينية.
وكان رئيس الحركة راشد الغنوشي قد سلم السبسي
رسالة خطية تضمنت موقف النهضة من تقرير الحريات الفردية دون الكشف عن مضمونها
للعموم.
وأثار إعلان السبسي عرض مبادرته التشريعية حول
المساواة في الميراث ردود فعل متباينة، بين مشيد بالقرار باعتباره ثوريا وتاريخيا
في تكريس المساواة التامة بين المرأة والرجل وبين من وصفه بالمخجل والمتعدي على
نصوص قرآنية ثابته لا مكان فيها للإجتهاد.
ووصفت الكاتبة والناشطة النسوية ألفة يوسف،
مباردة السبسي التشريعية حول المساواة في الإرث بـ"الإنجاز التاريخي"
للمرأة التونسية والعربية.
وقالت في تصريح لـ"
عربي21" إن
المرأة التونسية "أصبحت أخيرا امرأة كاملة بعد أن كانت تعامل كنصف مواطنة بسبب
حرمانها من حقها في الميراث".
وتساءلت في السياق ذاته: "هل من المنطقي
أن تساوي الدولة بين المرأة والرجل في دفع الضرائب، لكنها في مسألة الميراث
تعتبرها نصف مواطنة".
وشددت على أن الحريات الفردية "تفتك
ولا يقع منحها، لافتة إلى أن السبسي سيخلد اسمه بهذه المبادرة التشريعية الخاصة
بالميراث، على غرار ما فعله الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، الذي أقر منع تعدد
الزوجات".
خطاب مخيب للآمال
مقابل ذلك، وصف القيادي وعضو مجلس شورى حركة
النهضة زبير الشهودي خطاب رئيس الجمهورية، بأنه "مخيب للآمال ولم يستمع لصوت
الشارع التونسي الرافض لمجمل ما جاء في تقرير لجنة الحريات الفردية وعلى رأسه
المساواة في الميراث".
وأضاف في حديثه لـ"
عربي21": "السبسي
مضى في خياره متجاهلا قوانين المواريث، وتجرأ على أحكام قرآنية قطعية لم يتجرأ
عليها لا ابن علي ولا حتى بورقيبة من قبله".
وشدد
على أن حركة النهضة ستتمسك بحكمها المبدئي بعدم مخالفة حكم ديني قطعي وثابت، في
انسجام مع مرجعيتها الإسلامية، لافتا إلى أن الفيصل سيكون البرلمان.
الشهودي دعا قيادات حركة النهضة إلى مقاطعة
التقرير، ورفضه في البرلمان برمته، واصفا بعض الآراء المتعاطفة مع تقرير لجنة الحريات
الفردية من داخل الحركة بـ"الشاذة وغير
الملزمة للقيادة في شيء وغير معبرة عن مرجعية الحركة الدينية ولا عن موقفها
الرسمي".
وفي سياق متصل، اعتبر الأمين العام لحزب التيار
الديمقراطي غازي الشواشي في حديثه لـ"
عربي21" أن السبسي يبحث عن صنع
مجد شخصي يخلد به اسمه على غرار ما فعله الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة
بإصداره مجلة الأحوال الشخصية.
وتابع: "السبسي يريد تحقيق ما فشل فيه
بورقيبة الذي واجه صدا عنيفا من شيوخ الزيتونة حين طرح فكرة المساواة في
الميراث".
وأكد الشواشي على أن موقف السبسي من مجمل الفصول
الواردة في لجنة الحريات الفردية والمساواة، كان انتقائيا اختار منه ما يرضي
مطامحه الشخصية ليحيله إلى البرلمان، وترك البقية للنقاش رغم ما فيها من مقترحات
تشريعية تكرس فعليا حقوق المواطنين وكرامتهم.