هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لا تزال ردود الفعل الدولية الرافضة لموقف السلطات الرسمية السعودية من قضية مقتل الكاتب الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده بإسطنبول تتصاعد، رغم إقرار الرياض المتأخر بعد قرابة ثلاثة أسابيع بوفاة خاشقجي إثر "شجار" مع الأشخاص الذين قابلوه في القنصلية.
وأمام توالي قرارات الانسحاب من المشاركة في مؤتمر (دافوس
الصحراء) بالسعودية، وتزايد الضغوط الدولية المطالبة بالكشف بشكل كامل عن حقيقة
ما حدث لخاشقجي؛ يتصدر تساؤل مهم حول الآلية التي ستواجه من خلالها سلطات الرياض
هذه الضغوط، وسبل إنقاذ نفسها من الأزمة التي نجحت تركيا من تدويلها عالميا، بحسب
مراقبين.
ويجيب الكاتب والمحلل السياسي نصير العمري على هذا
التساؤل بالقول إن "ردة فعل السلطات السعودية حتى الآن، هي التملص والإنكار
أمام الرأي العام العالمي، وجاءت ردود الفعل الدولية رافضة لمحاولة التهرب من كشف
الحقيقة كاملة"، مؤكدا أن "المجتمع الدولي يطالب بمحاسبة الفاعلين
والوصول بالتحقيقات إلى أعلى المستويات".
عجز عن المواجهة
ويشدد العمري في حديث خاص لـ"عربي21" على أن
"الدولة السعودية غير قادرة على مواجهة هذه الضغوط العالمية، لأن الخطأ كان
فادحا، ولا توجد حلول سهلة، والمجتمع الدولي سيتحدى رواية الرياض"، متوقعا أن
"تصل الأمور إلى قطع العلاقات وإلى أن يكون رد فعل دولي على المستوى الشعبي،
نظرا لأنها أصبحت قضية رأي عام، ولن تستطيع الرياض الخروج من ذلك".
ويضيف أنه "يجب أن يكون هناك تغيير في هيكلة
الحكم في السعودية بتغيير مثلا ولي العهد"، مستبعدا أن "يكون هناك بوارد
تفكير في هذا الموضوع"، مؤكدا في الوقت ذاته أنه "تحت الضغوط الدولية
إذا استمرت بهذا الشكل، فإنه لن يكون هناك خروج من الأزمة وقبول بولي العهد والدولة
السعودية في الاستثمارات والعلاقات الدولية".
اقرأ أيضا: دول أوروبية تواصل الضغط على الرياض في قضية خاشقجي
ويتوقع العمري أن "تتجه الأمور إلى تعقيد على
مستوى دولي أوسع"، موضحا أن "الشكوك العالمية أن القضية متورط فيها
شخصيات كبيرة بما في ذلك ولي العهد نفسه، والسعودية تريد لملمة الموضوع بتحقيقات
شكلية، وربما فصل بعض الأشخاص".
ويستدرك بقوله إن "المجتمع الدولي يطالب بكشف
الحقيقة كاملة، وهذا يعني وصول التحقيقات إلى ولي العهد، وهو ما لن تقبل به
السعودية"، مشيرا إلى أن "الاعتراف السعودي المتأخر ناتج عن الضغط
الدولي، إلى جانب السعي لتجنيب ولي العهد السعودي الإساءة والتحقيقات".
المسرح الدولي
ويرى الكاتب والمحلل السياسي أن "هذه نقطة
الخلاف بين السعودية والعالم، لأن الأولى تريد معاقبة شخصيات معينة بطريقة شكلية
على أساس أنهم ارتكبوا خطأ مهنيا، لكن العالم ينظر إلى أن هناك جريمة حصلت على
مستوى عالٍ"، معتقدا أن "الأمور تتجه إلى مواجهة على المسرح الدولي وفي
المحافل الدولية".
ويفسر العمري ذلك بالقول إن "الأوروبيين لا
يفهمون ثقافة حماية القيادة العليا وغير ذلك، لأنهم يرون الأمر بطريقة تحقيق العدل
بشكل مطلق، وهذا لا يحصل في دولة مثل السعودية"، بحسب تقديره.
وواصلت دول أوروبية الاثنين، الضغط على السعودية
لطلب توضيحات إضافية في قضية قتل خاشقجي، ودعت بريطانيا الرياض إلى "توضيح
عاجل لملابسات مقتل الصحفي السعودي"، إلى جانب طلب ألمانيا من السفير السعودي
الحضور لاجتماع بوزارة الخارجية لبحث تداعيات مقتل خاشقجي.
اقرأ أيضا: الاتحاد الأوروبي يطالب الرياض بتحقيق معمق بقضية خاشقجي
أما فرنسا فأعلنت من جهتها الاثنين أن الرئيس
إيمانويل ماكرون تحدث الأحد مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبحثا قضية مقتل
الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، وقال بيان صادر عن الإليزيه إن "المكالمة
تطرّقت إلى الظروف المحيطة بالموت المأسوي للصحفي خاشقجي".
وتواصلت "عربي21" مع مسؤولين وصحفيين
ومحللين سياسيين مقربين من العائلة الحاكمة بالسعودية، للتعرف على رؤية النظام
الحاكم في إنقاذ نفسه من المأزق الحالي المتعلق بقضية خاشقجي، في ظل زيادة الضغوط
الدولية؛ إلا أن جميعهم رفض التعليق على الموضوع.
لكن وزير الطاقة السعودي خالد الفالح شدد في مقابلة
مع وكالة "تاس" الروسية الاثنين، أن بلاده لن "تستخدم النفط كأداة
للضغط السياسي على غرار ما حدث في عام 1973، وستفصل النفط عن السياسة"، إثر مرور
الرياض بوضع سياسي مضطرب بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده
بإسطنبول.
تجربة سابقة
وأضاف الفالح أنه "ليس من صلاحيتي الحديث عن
هذا الموضوع، لكن السعودية بلد مسؤول للغاية، فقد استخدمنا سياستنا النفطية على
مدى عقود كأداة اقتصادية مسؤولة وعزلناها عن السياسة"، مؤكدا أنه "لا
نية لنا لتكرار حظر النفط الذي طبق في عام 1973".
يذكر أنه في عام 1973، قرر أعضاء منظمة الدول العربية المصدرة للبترول ومن بينها السعودية وقف إمدادات النفط إلى الولايات المتحدة ودول غربية، لدفعها لإجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة في حرب 1967.
وأشار الوزير السعودي إلى أن "زيادة قدرة
المملكة على إنتاج 13 مليون برميل من النفط الخام يوميا، يتطلب استثمارات إضافية
سنوية بقيمة تتراوح بين 20 مليار دولار إلى 30 مليار دولار"، معتبرا أن "بلاده
هي الوحيدة التي تستثمر بكثافة في القدرات الاحتياطية للنفط، وتستثمر عشرات
المليارات من الدولارات باستمرار لبناء احتياطات نفطية؛ لذلك يجب دعمها
عالميا"، على حد قوله.