انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخرا؛
اتفاقية فيينا المنظمة للمعاملات
الدبلوماسية لعام 1961، على خلفية مقتل خاشقجي، والتي تمنح حصانة للأفراد الدبلوماسيين وأراضي السفارات، وهي الحصانات التي استغلها الجناة للقيام بجريمتهم البشعة، سواء من ناحية الدخول والخروج السريع بحقائب دبلوماسية، وعدم استطاعة السلطات التركية تفتيش القنصلية أو بيت القنصل سوى بإذن الدولة صاحبة العَلم، الأمر الذي استغرق وقتا يمكن معه أن تضيع أدلة الجريمة. غير أن النقد لا ينبغي أن ينصب فقط على هذه الاتفاقية الدولية والحاجة لتعديلها، بل ينبغي أن يمتد أيضا للقانون الدولي الخاص الذي يعالج قضايا ومنازعات الأفراد متعددي الجنسيات، خاصة حين يكون هناك مجال لتنازع اختصاصات القوانين بسبب اختلاف القوانين المحلية في كل بلد، وهو بعكس القانون الدولي العام الذي يختص بمنازعات كيانات اعتبارية، مثل الدول والهيئات الدولية.
اختصاص القانون الدولي الخاص لم يبدأ مع طريقة قتل خاشقجي البشعة ووقع الجريمة داخل القنصلية، لكن قبل ذلك، حين اضطر للذهاب إلى هناك كي ينهي معاملة قانونية شخصية لا بد منها، وهو يشعر بالقلق من هذه الخطوة. فهذا القانون يربط المواطن بحبل سُري ببلد جنسيته من ناحية جواز السفر الذي يتحكم في تحركه عبر الدول، بالإضافة لحقوقه داخل كل دولة، وصولا لزواجه وطلاقه.
الثغرة الكبرى الموجودة في هذا القانون؛ أنه لا يرتب حلا حين يختلف المواطن مع سياسة بلده غير الديمقراطية. فليس أمامه سوى حل معقد، وهو التقديم على اللجوء وفقا لاتفاقية فيينا لعام 1951. فإذا تعذر هذا الحل، وهو وضع مئات الآلاف وربما ملايين العرب خارج أوطانهم اليوم، فإنه مضطر لأن يجدد جواز سفره من قنصلية بلاده التي لا تجد حرجا في ابتزازه بمنع التجديد أو مصادرة جواز السفر. كما أنه مضطر للجوء لسفارة أو قنصلية هذه الدولة إذا أراد الزواج أو الطلاق، أو عمل توكيل لشخص لإدارة أية أمور باسمه في موطنه؛ الذي لم يحترم حريته في التعبير عن رأيه، وعندها تملك هذه الدولة أن تعاقبه بمنع هذه المعاملات أو تقتله، كما حدث مع خاشقجي.
طبيعة القانون الدولي الخاص، أو حتى القانون الدولي العام، هو أنه يتكون من معاهدات واتفاقيات دولية. وبخلاف القوانين المحلية داخل دولة، ليس هناك قوة شرطة قادرة على تنفيذ بنود هذه القوانين على الصعيد الدولي؛ إلا إذا انعقد الاختصاص لقضاء إحدى الدول في حالات معينة فقط. وقد نشأت هذه المعاهدات والاتفاقيات في الأصل نتيجة مشاكل على الصعيد الدولي، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية. وبالتالي، فإن هناك حاجة ملحة اليوم لتجديد بنود القانون الدولي الخاص عبر معاهدات دولية جديدة تراعي الظرف السياسي والإنساني الراهن.
قبل نحو خمسين أو ستين سنة، لم تكن تشابك العلاقات الشخصية على المستوى الدولي كما هو الوضع الآن، كما لم تبلغ نسبة اللاجئين على مستوى العالم للحد الذي نراه اليوم، سواء أكانت دوافع اللجوء سياسية أو اقتصادية، أي أننا أمام ملايين من الأفراد حول العالم تتم معاقبتهم يوميا عن طريق دولهم بتعطيل حياتهم في الخارج لسبب واهٍ، وهو أنهم ولدوا على غير اختيار منهم في هذه الدولة أو تلك.
هذا الانتهاك واسع النطاق لحقوق هؤلاء الناس ينبغي أن يُنشئ وضعا قانونيا جديدا يعالجه ويتعامل معهم؛ من منطلق إنساني قبل منطق المواطنة الذي يرتب كثيرا من الالتزامات مع قليل من الحقوق في الدول التي لا تحترم الديمقراطية وحقوق الإنسان. وغالبا لن تقوم الدول بهذا الأمر؛ لأنه يغل يدها عن سلطة مطلقة تستخدمها ضد من تشاء من رعاياها، لكن قد تضطر للقيام بذلك تحت ضغوط الرأي العام والمنظمات الحقوقية. وقضية جمال خاشقجي فرصة لتحقيق هذا الأمر.