هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في مفارقة غير مسبوقة بأروقة القضاء المصري، من المقرر أن يقدم الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي أطاحت به ثورة يناير 2011، شهادته بقضية متهم فيها الرئيس محمد مرسي، ما أثار التساؤل حول أسباب تحول نظام مبارك من الإدانة بجرائم الفساد على مدار 30 عاما والقتل للمتظاهرين أثناء الثورة؛ لشاهد بمحاكمات الثوار وضد أول رئيس مصري منتخب ديمقراطيا أتت به الثورة.
وأمس الأحد، استمعت محكمة جنايات القاهرة لشهادة وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، في إعادة المحاكمة بالقضية المعروفة إعلاميا بـ"اقتحام السجون" والمتهم فيها الرئيس مرسي وعدد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين وحركة "حماس" و"حزب الله" اللبناني (130 شخصا).
العادلي، في شهادته الثانية بالقضية بعد استدعائه في 9 أيلول/سبتمبر الماضي، زعم أن الثورة كانت مؤامرة على مصر من جهات خارجية واستغلتها جماعة الإخوان المسلمين للوصول للحكم، وأن مبارك تنازل عن الحكم لـ"حقن دماء المواطنين.
وقبل أن تؤجل المحكمة القضية اتخذت أشد قراراتها إثارة للجدل؛ بتحديدها الثاني من كانون الأول/ديسمبر المقبل، موعدا لشهادة المخلوع مبارك بالقضية ليعود للمحكمة شاهدا وليس مدانا بعد محاكمته لمدة 6 سنوات وإخلاء سبيله قبل 17 شهرا، ما أثار غضب بعض النشطاء وأنصار جماعة الإخوان المسلمين.
وحكم الرئيس مرسي بأحكام نهائية، بالحبس 48 عاما بقضايا "الاتحادية"، و"التخابر مع قطر"، و"إهانة القضاء" ولازال يحاكم بقضيتي "التخابر مع حماس"، و"اقتحام السجون".
والأخيرة، وقعت أثناء الثورة، وكان مرسي وقيادات الإخوان رهن الاعتقال آن ذاك بقرار من حبيب العادلي، ورفضوا مغادرة السجون وقت اقتحامها، فيما تعاد المحاكمة بالقضية بعد إلغاء حكم بإعدام مرسي و5 من قيادات الإخوان في حزيران/يونيو 2015.
قرار استدعاء مبارك للشهادة، دفع المذيع عمرو أديب، لوصفه بأنه مواجهة "تراجيدية" بين مبارك ومرسي، وقال ببرنامج "الحكاية"، بفضائية "إم بي سي مصر"، مساء الأحد: "لأول مرة في التاريخ سيقف رئيس مخلوع أمام رئيس معزول في محكمة"، متوقعا أن يشاهد العالم كله تلك المواجهة، مضيفا: "هيبقى عندنا سيرك قومي".
الأسباب داخلية وخارجية
وفي تعليقه على قرار المحكمة، يرى الباحث والمحلل السياسي، عزت النمر، أن "المشهد برمته يوم أسود من أيام الثورة المضادة؛ حيث تقف فيه الذئاب تتحدث عن البراءة"، مؤكدا أنها "شهادة فساد اللحظة التاريخية التي نعيشها حيث يُخِرج الطغاة ألسنتهم للشعوب وإرادتها وحقها في تقرير مصيرها".
ويعتقد النمر في حديثه لـ"عربي21"، أن المواجهة تعتبر في نفس الوقت إقرار بانتهاء صلاحية منظومة العدالة وسقوط مؤسسة القضاء ليستخدمها العسكر كعاهرة تتحدث عن الفضيلة والشرف"، واصفا الأمر بأنه "انقلاب طبيعي لكل الموازين واحتراف لتزوير الواقع بما يتناسب تماما مع ما حدث في انقلاب 3 يوليو".
اقرأ أيضا: هل يشهد مبارك لصالح مرسي أم ضد ثورة يناير.. خبراء يجيبون؟
وتابع، بقوله: "حينما يحكم الخونة والمستبدين الأوطان، وحين تكون الكلمة والسلطة للعملاء والساقطين طبيعى أن يكون السجون نُزلا للأحرار ورموز الشعوب والقادة الأشراف".
وقال الناشط بمجال حقوق الإنسان، إن "أسباب ما وصلنا إليه كثيرة ومتعددة؛ منها ما هو خارجي مثل الدعم الدولي اللامحدود للثورة المضادة، وتآمر القوى الكبرى والمؤسسات الدولية على إرادة الشعب المصري وتخوفهم من استقلال مصر"، موضحا أن "كل ذلك تم بدعم وانفاق إقليمي سخي".
وأضاف: "أما على المستوى الداخلي فهناك ضعف وعي النخبة المصرية، والأنانية السياسية، وتعجل المكاسب، وتقديم التنافس السياسي والمصالح الضيقة على الأهداف الاستراتيجية للوطن والثورة، فضلا عن طابور من الخونة والعملاء من الأفراد والكيانات ارتدى رداء الثورة وطالب بمطالبها؛ لكنه في حقيقة ساهم في انكسار مسارها وتآمر عليها من الداخل".
النظام لم يتغير
وفي تعليقه على تلك المفارقة، قال السياسي المصري حسن حسين، إن "نظام مبارك لم يتغير، بل استعاد عافيته بسرعة عقب محاكمات شكلية أزاخت رموزا وأتت بغيرها؛ تمارس نفس أدوارها بل أسوأ".
القيادي بحركة كفاية، أضاف لـ"عربي21"، أن "ثورة يناير كانت علامة خطر شديد على كافة الأوضاع بالمنطقة العربية، ومثلت تهديدا حقيقيا على المصالح الغربية للدرجة التي استدعت تدخلا سريعا من أجهزة مخابرات أكبر وأقوى الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا لإجهاض الثورة ثم الإجهاز على ما تبقى منها".
وأكد الكاتب الصحفي، أن تلك المخابرات وهذه الدول "جاءت بنظام لا يختلف عن نظام مبارك في انتماءاته وتوجهاته السياسية والاجتماعية، بل يفوقه سوءا، سواء بممارساته القمعية الاستبدادية، أو إذلاله للطبقة الوسطى المصرية وللفقراء، وتصفيته لكل إنجازات المرحلة الناصرية".
اقرأ أيضا: مبارك ومرسي سيتواجهان في قضية "اقتحام السجون"
وأشار إلى أن النظام الحالي قام بـ"دفع دول المنطقة نحو مستنقع التطبيع مع العدو الصهيوني، وتحالفه مع الأنظمة الرجعية في المنطقة، دويلات الخليج والسعودية، وإغراق مصر بالديون"، مضيفا: "نظام السيسي هو نظام مبارك في صورته الأكثر سوءا".