نشرت صحيفة
واشنطن بوست تقريرا سلطت من خلاله
الضوء على قضية مقتل الصحفي السعودي جمال
خاشقجي التي لا زالت تثير الجدل إلى حد الآن. ونتيجة لذلك، رفض مجلس
الشيوخ بقيادة الحزبين الجمهوري والديمقراطي سياسة ترامب تجاه المملكة العربية
السعودية لأنه شعر بالاشمئزاز من الطريقة الوحشية التي قتل بها الصحفي المعارض.
لكن رفض ترامب الاعتراف بأن المسؤولية تقع على عاتق ولي العهد السعودي الأمير محمد
بن سلمان.
وأفادت الصحيفة بأن التصويت قد كشف أيضا عن بعض الاستنتاجات التي
توصل إليها أعضاء مجلس الشيوخ فيما يتعلق بقضية خاشقجي، التي تتجاوز رفض قبول
القتل المتعمد والتنكيل بجثة واحد من أبرز الصحفيين. في الواقع، لقد غيرت هذه
القضية مفهوم العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية كما شددت
على التهديد المتزايد الذي تشكله الأنظمة التي تلاحق منتقديها خارج نطاق حدودها.
والأهم أن التصويت كان بمثابة رفض للنهج الذي
تبناه ترامب، والذي تتسامح بموجبه الولايات المتحدة مع جرائم مثل جريمة قتل
خاشقجي، طالما أن الأنظمة المسؤولة تقوم بشراء أسلحة أمريكية وتقدم لها خدمات
تجارية أخرى.
وذكرت الصحيفة أن ترامب الذي كان منتقدا قاسيا للمملكة
العربية السعودية لعقود طويلة، بات الآن يدافع عنها كحليف يرغب في تقديم المساعدة
من أجل ضمان استقرار الشرق الأوسط وسوق النفط العالمية بينما يساعد على احتواء
إيران. لقد صرح ترامب مرارا وتكرار أن القرارات المتعلقة بقضية خاشقجي لا يجب أن
تعرض الصفقات والاتفاقيات السابقة بين البلدين، التي قيمتها 450 مليار دولار فضلا
عن مبيعات الأسلحة التي قيمتها 110 مليارات دولار، للخطر.
وبينت الصحيفة أن أرقام الصفقات والمبيعات التي صرح بها دونالد ترامب
مبالغ فيها للغاية ومن غير المحتمل أن تتحقق. كما أشارت إلى أن اهتمامه بالصفقات
يجعلنا نتساءل عما إذا كان يقوم بتضمين أعماله الخاصة مع أعماله كرئيس خاصة وأنه
منذ انتخابه كان السعوديون رعاة رئيسيين لسلسلة فنادقه. وفي ظل تحول
محمد بن سلمان
إلى الحاكم الفعلي في بلاده، باتت المملكة العربية السعودية حليفة للولايات
المتحدة.
وأوردت الصحيفة أن ولي العهد تسبب في زعزعة استقرار المنطقة بتصرفاته
المتهورة، بما في ذلك اختطاف رئيس الوزراء اللبناني الموالي للولايات المتحدة
ومقاطعة قطر. وأدى تدخله الكارثي في اليمن إلى زيادة نفوذ إيران، في الوقت الذي
صرحت فيه الأمم المتحدة أن اليمن يعاني من أسوأ أزمة إنسانية في العالم. كما تبين
أن كل ما قاله بن سلمان لمستشار البيت الأبيض جاريد كوشنر بشأن تقديم المساعدة لحل
النزاع الإسرائيلي الفلسطيني من خلال تشكيل "حلف ناتو عربي" لا أساس له
من الصحة.
في الحقيقة، تخالف محاولة الحكومة السعودية رفع
أسعار النفط خلال هذا الشهر مساعي وجهودات ترامب الداعية إلى عكس ذلك؛ وهو ما كان
بمثابة تذكير بأن السعودية ستهتم بمصالحها الخاصة في إنتاج النفط وتسويقه، وليس
بمصالح أي رئيس أمريكي.
وأوردت الصحيفة أن وجهة نظر ترامب الكلاسيكية،
والتي تعود إلى زمن الثمانينات، تتعارض مع واقع 2018؛ الذي يقر بأن الولايات
المتحدة الأمريكية، باعتبارها أكبر منتج للنفط الخام في العالم، تعد الآن أقل
اعتمادا على الشرق الأوسط كمصدر للطاقة. وقد تواصل فشل السعودية في تحريك أسعار
النفط وبالتالي لا تشكل أي تهديد على إمدادات الولايات المتحدة.
ونوهت الصحيفة بأن مقتل خاشقجي سلط الضوء على
التهديد الذي تشكله الأنظمة المستبدة حول العالم، على غرار الأوتوقراطيات الروسية
والصينية، التي لطالما لعبت دورا رائدا في ممارسة عمليات الاختطاف والقتل في حق
خصومها. ووفقا للصحفي الأمريكي، ديفيد إغناتيوس، فإن محمد بن سلمان يسعى إلى تبني
هذه الأساليب الخطيرة من خلال فرض سيطرته على المعارضين خارج المملكة وإرسالهم إلى
سجون سرية.
وأوضحت الصحيفة أن الغرب الديمقراطي لا زال
يظهر ردة فعل ضعيفة أمام مثل هذه الأعمال العدوانية. وفي حال استمرت هذه الممارسات
في الإفلات من العقاب، فلن ينعم أي معارض بالأمن ولن تحظى رؤوس الأموال الغربية
بالحصانة ضد جماعات الاغتيال الأجنبية. في سياق متصل، لن تكون الولايات المتحدة
والأنظمة الديمقراطية الأخرى في منأى عن تداعيات عالم خارج عن القانون، كالذي يسعى
بن سلمان لخلقه.
وأكدت الصحيفة أن تغاضي ترامب عن وقائع مماثلة،
يعد بمثابة المخاطرة.
وقد اعترف ترامب فيما مضى بأن الولايات المتحدة
الأمريكية مذنبة بقدر روسيا في الاعتداءات وأعمال العنف، على غرار اغتيال
الصحفيين، الأمر الذي دفع أعضاء مجلس الشيوخ الى الاستنكار وتكذيب هذا الاعتراف.
وفي الحقيقة، لطالما عمل الرؤساء الذي سبقوا ترامب على تعزيز سيادة القانون.
وفي الختام، أشارت الصحيفة إلى أن الرئيس ترامب
يقود الولايات المتحدة الأمريكية نحو واقع لا يولي أي أهمية للقيم الأمريكية. في
الأثناء، كان مجلس الشيوخ على صواب حين ندد بهذه العقيدة المؤذية. ويتعين على
ترامب في الوقت الحالي التأكيد على إعادة تشكيل العلاقة مع السعودية، حيث لا تحتاج
الولايات المتحدة، إلى أن تحافظ على روابط مع نظام مستبد، ولا يجب عليها فعل ذلك.