هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا لكل من كولين بي كلارك وأريان أم طبطبائي، يقولان فيه إن آخر قرار يتعلق بالسياسة الخارجية لترامب عام 2018، أي سحب ألفي جندي من سوريا، كان الأكثر جدلا.
ويقول الكاتبان في مقالهما، الذي ترجمته "عربي21"، إن القرار كان تراجعا كاملا في السياسة الأمريكية، وأثار قلقا في دوائر الأمن القومي في واشنطن، ومخاوف من خسارة المقاتلين الأكراد الذين تعاونوا مع الولايات المتحدة في الحملة ضد تنظيم الدولة، فيما ستربح روسيا وتركيا ونظام بشار الأسد.
وتشير المجلة إلى أن مستشار الأمن القومي جون بولتون تحدث في زيارة له إلى إسرائيل، قائلا إن الانسحاب رهن بهزيمة تنظيم الدولة، وضمانات تركية بعدم ضرب الأكراد.
ويعتقد الكاتبان أن "اللاعب الوحيد المستفيد أكثر من غيره من غموض السياسة الأمريكية في سوريا هي إيران، فالانسحاب الأمريكي يعطي مساحة عملياتية للإيرانيين لتوسيع شبكتهم من المقاتلين الشيعة الأجانب، وتعبئتهم، وتحريكهم عبر الشرق الأوسط، ويعد الإعلان الأخير رسالة لإيران بأن واشنطن لن تكون عقبة أمام خططها".
ويلاحظ الكاتبان أن تصريحات بولتون لم تأت على ذكر المليشيات التي تدربها وتدعمها إيران في سوريا، بل إنها ركزت على الأكراد وتنظيم الدولة.
ويلفت الكاتبان إلى أن الثورة الإيرانية، التي ستحيي إيران ذكراها الأربعين الشهر المقبل، كانت منذ بدايتها تطمح إلى تصدير الثورة لدول الجوار، مشيرين إلى أنه مع أن تصدير الثورة لم يعد من الأهداف الثورة الرئيسية للجمهورية الإسلامية، إلا أن طهران أقامت علاقات مع الجماعات -الشيعية منها خاصة- تشترك معها في الأهداف، وفي بلدان مهمة للأمن الإيراني.
ويبين الكاتبان أن هذه الروابط موجودة في مناطق مثل العراق وسوريا واليمن وباكستان وأفغانستان ولبنان، لافتين إلى أن إيران بدأت عملية تنشئة القوى في حزب الله، الأمر الذي عاد عليها بمنافع ونفوذ ومقاتلين.
ويقول الكاتبان إن "عمل إيران مع زبائن من الجماعات غير الدول، يمنحها قدرة على ردع أعدائها، وعمقا استراتيجيا، ويعوض ضعفها في العسكرية التقليدية، ويعطيها قدرات أبعد مما تستطيع، والأهم من هذا تعطي هذه القوى إيران القدرة على توسيع تأثيرها في (المحاور الرمادية) بين السلام والحرب في بلدان مثل سوريا والعراق، وفي الوقت ذاته يعطيها الفرصة لنفي علاقاتها بالنزاعات وبأقل كلفة".
وينوه الكاتبان إلى أن إيران كانت مصممة عندما اندلعت الحرب السورية عام 2011، على دعم حليفها، إلا أن الانقسامات في دمشق وطهران منعت من تدخل عسكري واضح، فقد رأى الكثير من الإيرانيين أن دعم ديكتاتور متهم بجرائم واستخدام للسلاح الكيماوي، سيشوه سمعتهم، لافتين إلى أن نظام الأسد حاول إعطاء فكرة بأن الدفاع كان داخليا؛ ليتجنب الظهور بمظهر الحاكم الضعيف الذي أنقذته القوى الأجنبية.
ويفيد الكاتبان بأنه بدلا من الدعم المباشر، فإن طهران حركت الجماعات غير الدول من المقاتلين الأجانب الذين جلبتهم من العراق وأفغانستان وباكستان ولبنان، مستدركين بأنه مع أن تنمية إيران للمليشيات في العراق ولبنان معروف، إلا أن اعتمادها على مقاتلين من جنوب آسيا هو أمر جديد.
وتذكر المجلة أنه تم دمج الجماعات الفرعية من المقاتلين الأجانب في داخل الشبكة الأوسع، لكن بصورة خاصة، مثل "لواء الفاطميون" للمقاتلين الأفغان الشيعة، و"الزينبيون" للمقاتلين الباكستانيين الشيعة، مشيرة إلى أن الإيرانيين جندوا ودربوا حتى هذا الوقت الآلاف، بيننهم جنود أطفال.
ويجد الكاتبان أنه "مع أن وجود المليشيات الإيرانية في سوريا ليس جديدا، إلا أن الانسحاب الأمريكي يضيف إليها بعدا جديدا، فدون التزام أمريكي ستتوسع هذه القوى وتزدهر، مستفيدة من الفراغ لتوسيع التأثير الإيراني في الشرق الأوسط، الذي كان هدفا إيرانيا تم وقفه في الغزو الأمريكي للعراق عام 2003- 2011، ومن هنا فإن غياب التأثير الأمريكي سيؤدي إلى عمليات عسكرية إسرائيلية، خاصة أن تل أبيب لن تعتمد على القوة الأمريكية لردع الإيرانيين، وقد يدفع هذا إيران لاستخدام المقاتلين قوة ضاربة في الخارج".
ويشير الكاتبان إلى أن الدين ليس العامل المهم في تجنيد المقاتلين الشيعة، بل إن إيران وعدت العائدين وعائلاتهم بالإقامة والمساعدات المالية والتأمين الصحي والتعليم.
ويقول الكاتبان إنه "مع خفوت وتيرة الحرب الآن في سوريا، فإنه من المتوقع أن تبحث طهران عن مسارح جديدة، وستخفف من الكلفة من خلال استخدام القوات التي جندتها ودربتها وسلحتها، وتعززت قوتها من خلال المشاركة في ساحات القتال السورية".
ويستدرك الكاتبان بأنه "رغم غياب المعلومات عن المال الذي تنفقه إيران على المليشيات، إلا أنه وفي ظل سياسات شد الحزام التي تتبعها الدولة لمواجهة العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد، فإن رعاية إيران للمليشيات الشيعية وتنشئتها قد تكون الطريقة الأكثر فعالية لتحقيق أهدافها في المنطقة".
وتنقل المجلة عن الباحثة الإيرانية أفشون أوستوفار، قولها: "تنفق إيران قليلا على الدفاع، وربما أقل من نظرائها في المنطقة، وهذا يشمل وكلاءها في سوريا والعراق واليمن ولبنان".
ويرى الكاتبان أنه "في ظل الانسحاب الأمريكي من سوريا، وغياب الاستراتيجية المتماسكة للرد على تحركات قد تقود إلى ألنزاع، فإن إيران رعاية قد تواصل المليشيات الشيعية وإعادة توجيهها في المنطقة، وتم نقل بعض مقاتلي لواء (الفاطميون) إلى أفغانستان للمشاركة في العمليات ضد فرع تنظيم الدولة هناك، وهذا الالتزام يعطي الأفغان رؤية عن رغبة إيران في القيام بدور القوة الداعمة للاستقرار في وقت تخطط فيه الولايات المتحدة لخفض قواتها في بلادهم، وأفغانستان هي واحدة من أربعة مسارح حرب تشارك فيها إيران، بالإضافة إلى العراق وسوريا واليمن".
ويبين الكاتبان أن "قرار ترامب لسحب القوات الأمريكية من سوريا يهدف إلى إخراج أمريكا من مستنقع الشرق الأوسط، وليعطي واشنطن المرونة لمواجهة القوى الكبرى، مثل الصين وروسيا وإيران أيضا، إلا أنه بمنح التعهد إلى تركيا لمواجهة تنظيم الدولة، وترك الساحة لنظام الأسد وإيران وروسيا، فإن ترامب يعطي إشارة أن بلاده لا تستطيع المنافسة في النقاط الجيوسياسية الساخنة".
ويعتقد الكاتبان أن "رسالة كهذه ستدفع دول قوية، بمن فيها إيران، لتوسيع حضورها هناك، وستواصل في هذه الحالة بناء شبكاتها من المقاتلين الشيعة الأجانب، وتحريكهم حول المنطقة".
ويختم الكاتبان مقالهما بالقول: "لو اعتقد قادة إيران أن هذه استراتيجية جيدة تتفوق منافعها على كلفتها فإن التهديد الذي ستمثله سيتحول من إقليمي إلى عالمي، بشكل يخلق مشكلات للولايات المتحدة وحلفائها على المدى الطويل".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)