في مواجهة تهديد اللواء حافظ البرديسي، مدير أمن القاهرة، بترك المتظاهرين يهاجمون السفارة الأمريكية ضدا على استبعاد الأمن
المصري من حسم عملية احتجاز الرهائن، في فيلم "
طلق صناعي" (2018) للمخرج خالد دياب، يواجه السفير الأمريكي الأمر بـ"عيون أمريكية".
السفير الأمريكي: انت متقدرش. فيه قانون ولا إيه يا رئيس الوزراء؟
رئيس الوزراء: طبعا طبعا.
اللواء حافظ: طبعا يا افندم. كله بالقانون. احنا مقدرناش نمنع المتظاهرين لاحتمال وقوع ضحايا. وزي ما حضرتك عارف عندنا في مصر أهم حاجة حقوق الإنسان.
السفير الأمريكي: مفيش دولة تعمل كده.
اللواء حافظ: أم الدنيا مختلفة عن كل الدنيا. افتح يا ابني الكردون واحد.. خليها تسييييح..
بنفس منطق اللواء، ومن ورائه العقلية الأمنية والعسكرية التي تحكم قبضتها على حكم مصر منذ انقلابات الماضي والحاضر، رد الانقلابي عبد الفتاح
السيسي على الانتقادات العلنية الصادرة من الرئيس الفرنسي بخصوص وضع حقوق الإنسان في البلاد؛ بأن "أم الدنيا مختلفة عن كل الدنيا"، وترجمتها عند السيسي "مصر لا تستخدم المدرعات لقمع المتظاهرين، والدستور يكفل للمواطنين حرية التعبير والتظاهر أيضا". والأهم عند السيسي أننا "لا نراكم بعيوننا المصرية. نحن نراكم بعيونكم الأوربية ويجب أن ترونا بعيونكم المصرية". وباسم الوضع المختلف في منطقتنا، يحق للسلط القائمة على رقاب شعوبها أن تعتقل السياسيين والمرشحين للانتخابات، وتسجن الناشطات وتصدر أحكام الإعدام على الدعاة تعزيرا، وتغتال الصحفيين وتقطعهم أوصالا في الشوارع وفي داخل السفارات، وتقتل خارج القانون من تشاء من أبناء البلد ومن الأجانب على حد سواء، أو تسومهم سوء العذاب بدعوى التخابر أو تشجيع منتخبات الأعداء، وتقصف بيوت الآمنين من الشيوخ والأطفال وتحاصر الجيران.
لأجل ذلك، لم يتوان وزير الدولة الإماراتي في رده على التحقيق الاستقصائي، الذي كشف عن تجنيد الإمارات لعملاء سابقين في المخابرات المركزية الأمريكية، للتجسس على سياسيين وإعلاميين ونشطاء، بالتأكيد أننا "نعيش في جزء صعب جدا من العالم وعلينا حماية أنفسنا"، مع التأكيد أن التجسس لا يشمل الأمريكان. أبناء المنطقة أقل من أن يقارنوا بالأمريكان ومواطني الدول الصديقة من حيث الحقوق، فالاستثناء هو القاعدة بأمر ولاة الأمر المطاع. في السعودية، تقدم نفس الدفوعات والتبرير مواجهة الفكر الديني المنغلق الذي طالما شكل البضاعة التي روجتها المملكة وأذرعها في مختلف البقاع والأنحاء. وعندما تجرأت السفارة الكندية على التعبير عن "استنكارها" لاعتقال ناشطات محددات دونا عن غيرهن من المظلومين في أرض الحجاز، أشهرت المملكة ورقة الخصوصية واحترام سيادة الدول في "تأديب مواطنيها"، بالطريقة التي تراها الأمثل دون تدخل أجنبي.
في إطار مساعي السفير الأمريكي، في فيلم طلق صناعي، للتفاوض هاتفيا مع خاطف الرهائن حسين عبد السلام، الذي طالب بإدخال طبيب لتوليد زوجته الحامل داخل السفارة، يقترح عليه اللواء حافظ البرديسي تولي المهمة، فهو الأقدر على مفاوضة المصريين.
اللواء حافظ: أنا خبير استراتيجي في التفاوض.. حسين عبد السلام معايا؟ دكتور مين يا واد يا ابن المرا ايلي انت عايز ندخلهولك.. ايه يا روح أمك؟ فاكر نفسك في الشيراتون حتطلب واحنا ننفذ؟
السفير الأمريكي: اديني التلفون.
اللواء حافظ: اهدأ يا افندم.. الموضوع مش محتاج تهور.. احنا عارفين المصريين كويس ونعرف نتعامل معاهم. اديني خمس دقائق سعادتك.. خمس دقائق وكل شيء حيبقى تمام. أوعدك حتتفاجأ.
السفير الأمريكي: دقيقة.. بس بهدوء.
اللواء حافظ: (بهدوء) اتفضل.. يا ابن الكلب لو ما طلعت دلوقت على رجلك حأدخل أطلعك على ظهرك يا روح أمك.. لأ ومش لوحدك.. ده انت وأمك وأبوك واخواتك وعيالك حتتبهدلوا.
وعندما همّ السفير الأمريكي بالاعتذار من الخاطف كجزء من خطة سرية تسعى لربح الوقت في انتظار تنفيذ الخطة الأمريكية لإجلاء الرهائن.
السفير الأمريكي: أنا باعتذر لك على الطريقة ايلي كلمك بها الأمن المصري. طلباتك ايه وتسيب السفارة؟
اللواء حافظ: بتعتذر له.. والله حتبوظوا الشعب.
نحن لسنا أوروبا ولا أمريكا، وكل من يتحدث بغير الرواية الرسمية بعيد عن الواقع، كما هو حال "الدكاكين الحقوقية" الممولة من الخارج والمدونين وغيرهم من الأصوات النشاز عن نشيد الإنجازات، يقول لسان حال عبد الفتاح السيسي وأبواق دعايته الإعلامية، التي تجاوزت مرحلة تصريف هذا الخطاب في قنوات الداخل إلى التباهي به في مواجهة الشياطين الخرس الساكتين عن الحق ذاتهم في المؤتمرات الصحفية واللقاءات. فالغرب "الحر" الذي صار في عهد دونالد ترامب وكثير من الرؤساء، المنسلخين فعليا عن تراث وقيم حقوق الإنسان التي بنتها الحضارة الغربية على مدار عقود، غير متحرج من مقايضة المبادئ بالمصالح التجارية والنفوذ السياسي و"الرشاوي" الانتخابية الموصلة لمقاعد الحكم في مواجهة الخصوم. في اللقاءات المغلقة تحاك الاتفاقات وتتبادل المصالح والتنازلات، والبقية تتكفل به البيانات والتصريحات التي لا تعدو أن تكون مجرد حبر على ورق، وكلام للاستهلاك ورفع الحرج أمام الرأي العام الغربي دونا عن غيره من العالمين.
يدخل اللواء حافظ إلى سيارة السفير الأمريكي.
السفير الأمريكي: جات لنا أوامر أن الطفل ده مينفعش يتولد جوا السفارة مهما كان الثمن.
اللواء حافظ: مهما كان الثمن؟ والأمريكان ايلي جوا؟
السفير الأمريكي: لو حسين ده نجح حيتقلد وحياة الآلاف من الأمريكان حتتعرض للخطر.
اللواء حافظ: آه.. لأ ألف سلامة على حياة الأمريكان. وطبعا الكلام ده حيبقى سر بيني وبينك بعيدا عن الإعلام علشان تفضلو قدام العالم بتخافو على كل واحد أمريكي. ثلاث دقايق والموضوع حيكون خلصان.
السفير الأمريكي: مش ده ايلي محتاجينه. محتاج أنكم تفضوا الشارع عشر دقايق بس للمارينز.
اللواء حافظ: مارينز في مصر؟ سعادتك فاكر نفسك في العراق ولا ايه؟
النظم الحاكمة التي تقبل التخلي عن السيادة على الأرض ومقايضتها مقابل "شرعية" إقليمية ودولية زائفة، لن يضيرها إدخال المارينز واحتضان القواعد العسكرية في البر والبحر مقابل حماية العروش أو إطلاق أيدي الأنظمة في قمع الشعوب والاستئساد على المستضعفين. اقتران القهر السلطوي بالنفاق الغربي هو الذي يولد الإحساس بالدونية ويدفع سعيد، في فيلم "طلق صناعي"، للاعتراف أمام موظف السفارة الأمريكية، طمعا في التأشيرة وضدا على الحقيقة، قائلا "احنا أعوذ بالله من غضب الله شمال.."، ويشجع "صديقه" عطية لشرح الأمر بالقول: "احنا مثليين من زمان يا باشا. أنا وسعيد بنحب بعض ونفسنا نتجوز بس انت عارف يعني أن المجتمع هنا في مصر مجتمع راديكالي وأنا وسعيد منفتحين:. أما محمد عبد التواب، المسلم، فلم يجد غير ادعاء الاضطهاد الديني سبيلا للحصول على تأشيرة دخول أمريكا.
محمد عبد الوهاب: أنا مش عايز أخبي ده تاني (مشهرا الصليب).
موظفة السفارة: عندي هنا الورق بيقول إنك مسلم.
محمد عبد الوهاب: الدين والإيمان في القلب مش بالورق، وأنا قلبي فيه يسوع.
وعندما اقتضى الأمر أن يحلف بعد ذلك لتأكيد مسيحيته المزعومة، أشهر الصليب المعلق في رقبته مرة أخرى وهو يحلف "والمصحف أنا مسيحي".
قبل أسابيع، لم تهدأ عواصم العالم وقنوات التلفزيون ومعها المفوضية السامية للاجئين حتى وفرت للسعودية رهف القنون ملجأ آمنا بكندا لحمايتها من "الاضطهاد الأسري والديني". في تايلاند، حيث وجدت رهف الرعاية والحماية، يواجه البحريني حكيم العريبي خطر تسليمه لسلطات بلاده، حيث ينتظره حكم غيابي بالسجن عشر سنوات. لم يعلن العريبي تخليه عن ديانته أو "مثليته" حتى يشمله التعريف الغربي لحقوق الإنسان. رهف والعريبي نموذجان صارخان لقيمة من كُتب له أن يرى النور في هذا "الجزء الصعب جدا من العالم"، حيث الإنسان في وضع ما دون البشر في رأي سلطته الحاكمة وكفلائها الغربيين المهتمين، كما في فرنسا، بتخصيص يوم لإحياء ذكرى "الإبادة الجماعية للأرمن على يد العثمانيين".
في بلدان حلفاء فرنسا وغيرها تستمر "إبادة" الشعوب تحت مرأى الحكومات والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان. سلطات الردة العربية تطلب في المقابل من "مواطنيها" التسليم بقدرها وتحمل أشكال
القمع والتعذيب دون ألم أو صراخ.
في "طلق صناعي" دائما، تعرض المحامي عبد الفتاح، عديل الخاطف، لتعذيب شديد لم يكن بالإمكان مداراته حين احتاجوه لإقناع حسين بترك السفارة وإنهاء عملية احتجاز الرهائن، لتجرئه على تحدي أجهزة الأمن التي اقتحمت بيت العائلة ومواجهتها بفصول القانون والدستور.
رئيس الوزراء: انتم عملتو فيه ايه يا حافظ؟
اللواء حافظ: المصريين خلاص يا افندم ما بقوش يستحملوا. فين المصري الأصيل بتاع زمان؟
وفي مشهد آخر، يواصل اللواء تحسره على أيام زمان.
اللواء حافظ: كل واحد ياخد له قلمين على وشه يتنفخ لي ونقعد احنا ننظف له في خلقته.
المحامي عبد الفتاح: سيادتك.. هو انتو حلقتو لي ليه؟
اللواء حافظ: عاوزين حسين مايشكش في ايلي في وشك.
المحامي عبد الفتاح: يعني حسين حيسيب كل ايلي في وشي ويشك في شعري؟
اللواء حافظ: مرة تانية توقع بين ايدينا تنضرب تِوْرَمْ مش حيحصل لك كويس.
المحامي عبد الفتاح: جربني تاني. متحكمش عليا من أول مرة وأنا أوعدك العلقة ايلي جاية حأشرفك.
تلك حكاية مستمرة في الزمان والمكان لحكام يعتبرون أنهم خلقوا ليكونوا آلهة يحكمون شعوبا ما دون البشر. والدونية تلك ما دفعت مخرج الفيلم لتأريخ شريطه بفترة حكم محمد مرسي، الرئيس المنتخب، مغازلة منه للحكم الانقلابي لعله يسمح بعرضه في القاعات وفي مهرجانات بعض من عواصم الردة العربية، وكذلك كان.