كان المشهد السياسي العربي قبل أيام فضائحيا بالمعنى الحرفي للكلمة، حيث تداعت عدد من الدول العربية لحضور مؤتمر "وارسو" الذي خصص بشكل أساسي لنقاش الخطر الإيراني على الإقليم، بمشاركة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.
شهد المؤتمر الذي رعته واشنطن حضورا "نادرا" لدول عربية تعيش صراعا محتدما منذ بداية الأزمة الخليجية وحصار قطر عام 2017، و"تسامت" هذه الدول على خلافاتها المشتعلة، فيما كانت قد فشلت منذ أكثر من سنة ونصف بمجرد الاتفاق على تهدئة للحرب الإعلامية والسياسية وحرب "جماعات الضغط" الأمريكية والغربية التي تمول ميزانياتها الضخمة على تلك الخلافات العربية!
كانت المشاركة العربية مدفوعة بأسباب عدة تختلف من دولة إلى أخرى. بعض هذه الدول شاركت نكاية بإيران بسبب توتر العلاقات معها، وبعضها شارك استجابة للرغبة الأمريكية وتجنبا للصدام معها، والبعض الآخر شارك بضغط واضح من دول عربية "كبيرة" ترعاه سياسيا وماليا، فيما وجد البعض في "المولد" فرصة للخروج ببعض "الحمص" المتمثل بكسب الود الأمريكي عبر التودد لدولة الاحتلال، ربما تحضيرا لضمان مستقبله السياسي!
المشاركة العربية مدفوعة بأسباب عدة تختلف من دولة إلى أخرى. بعض هذه الدول شاركت نكاية بإيران بسبب توتر العلاقات معها، وبعضها شارك استجابة للرغبة الأمريكية وتجنبا للصدام معها، والبعض الآخر شارك بضغط واضح من دول عربية "كبيرة"
وأحسنت بعض الدول العربية بعدم المشاركة "كشهود زور" في هذا المؤتمر، وخصوصا السلطة الفلسطينية التي رأت في أجندة "وارسو" تجاوزا للصراع الأخطر في الشرق الأوسط وهو الصراع العربي-
الإسرائيلي "هل لا يزال أحد من الأنظمة العربية يعتبره صراعا عربيا؟!".
وإضافة للعار المتمثل بالمشاركة في
مؤتمر مفصّل على مقاس دولة الاحتلال والبرنامج الانتخابي لنتنياهو، فقد شهد المؤتمر بعض مشاهد "الخفة" السياسية، مثل
جلوس وزير عربي إلى جانب نتنياهو وإعطائه المايكروفون عندما تعطل مايكروفون الأخير، ومثل
"تسلل" وزير عربي آخر للقاء نتنياهو وتسيبي ليفني على هامش المؤتمر مع أن بلاده لا ترتبط بمعاهدات سلام مع دولة الاحتلال.
إلا أن الأخطر من كل هذه المصائب على صعيد "الشكل" هو تلك التصريحات التي لا يمكن التعامل معها بعفوية لوزراء خارجية عرب، التي ركزت على الترويج لفكرة
تقديم الصراع مع طهران على الصراع مع تل أبيب،
ومبدأ حق "إسرائيل" بالدفاع عن نفسها دون الإشارة لاعتدائها على فلسطين ولبنان وسوريا، واعتبار دعم إيران لفصائل مقاومة للاحتلال مبررا لإدانتها.
التصريحات التي لا يمكن التعامل معها بعفوية لوزراء خارجية عرب، التي ركزت على الترويج لفكرة تقديم الصراع مع طهران على الصراع مع تل أبيب، ومبدأ حق "إسرائيل" بالدفاع عن نفسها
هذه التصريحات لا يمكن أن تفهم إلا في إطار محاولة كي الوعي العربي وحرفه تجاه فلسطين، وهو منحى يزداد تصاعدا منذ تقدم "الثورة المضادة" التي أصابت ثورات التغيير الشعبية في مقتل، ولكنه كان أشد وضوحا في مؤتمر "وارسو" كما لم يكن من قبل.
بالطبع لا يمكن إنكار أن إيران تلعب دورا خطيرا وسلبيا في عدد من الدول العربية، ولكن الرد على هذا الدور لا يكون بالتحالف مع الاحتلال، ولا بمحاولة تجاوز الصراع العربي- الإسرائيلي، ولا بإدانة مقاومة الاحتلال بشكل غير مباشر لحساب "مقاومة النفوذ الإيراني"، ولا يكون كذلك بإعطاء طهران المبرر والدليل العملي على "روايتها" الأيدولوجية القائمة على أنها تقاوم الاحتلال والإمبريالية فيما يقف العرب في المعسكر الآخر المتحالف مع تل أبيب وواشنطن.
لا يمكن إنكار أن إيران تلعب دورا خطيرا وسلبيا في عدد من الدول العربية، ولكن الرد على هذا الدور لا يكون بالتحالف مع الاحتلال، ولا بمحاولة تجاوز الصراع العربي- الإسرائيلي
وفيما رأى الكثيرون في المؤتمر خطوة على طريق تنفيذ "
صفقة القرن"، إلا أن ما يبدو هو أن "وارسو" تدشين لنسخة محدثة "مسخ" من هذه الصفقة. فقد كانت النسخة الأصلية من صفقة القرن تقوم على شقين رئيسين -بغض النظر عن تفاصيلهما غير الواضحة- الأول هو توقيع اتفاقات نهائية لحل القضية الفلسطينية تقود إلى الشق الثاني من الصفقة وهو إقامة علاقات سلام شاملة مع الدول العربية، فيما جاء هذا المؤتمر ليطلق تنفيذا جزئيا للشق الثاني من خلال جمع عدد من الدول العربية مع الاحتلال دون تحقيق الشق الأول الذي تعطل بسبب رفض حكومات عربية له وخصوصا السلطة الفلسطينية والأردن.
لقد كان المؤتمر بلا شك طعنة في ظهر فلسطين، وخطوة في رفع قضيتها عن الأجندة الدولية مقابل تقديم أجندة "الخطر الإيراني"، ولهذا أجاب نتنياهو عندما سئل عن ما ستنجزه حكومته من المؤتمر بالقول إن الإنجاز هو "أن القمة ستحدث"، ولهذا بالذات فإن غالبية الشعوب العربية يرون أن خطورة هذا المؤتمر هو مجرد انعقاده!