هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أظهر النظام السوري مؤخرا، انحيازا متناميا لإيران أكثر من روسيا، في ظل تنافسهما في سوريا، وسط تصاعد ضغوط روسية على بشار الأسد، ما يثير تساؤلات بشأن تفضيل النظام الانحياز إلى طهران، وأسباب ذلك.
وظهرت مؤشرات مؤخرا، على ذلك، بدءا من زيارة الأسد لطهران في 25 شباط/ فبراير الماضي، وانتهاء بالمشاركة في لقاء ثلاثي، جمع قادة أركان إيران، والعراق، والنظام السوري، الأمر الذي دفع موسكو لإرسال وزير الدفاع سيرغي شويغو وإبلاغ الأسد بالعديد من الرسائل، وفق ما نقلته وكالات روسية.
وسربت تقارير أن روسيا عبرت للأسد عن انزعاجها بسبب انحيازه لطهران على حسابها، وأن بوتين بعث بوزير الدفاع للقاء الأسد بشكل مستعجل، من أجل إيصال رسائل مهمة متعلقة بإيران.
من جهته، رأى المنسق العام بين فصائل الثورة السورية، الدكتور عبد المنعم زين الدين، أن هناك أسبابا عدة، لانحياز النظام السوري لإيران أكثر من روسيا.
وأوضح لـ"عربي21"، أن أول هذه الأسباب أن "النظام بدأ يشعر بأن روسيا ستبيعه بصفقة"، مشيرا إلى أن "موسكو مصالحها قد تكون محدودة في إحراز بعض النفوذ في سوريا في الساحل وغيره،
أما إيران فأشد تمسكا بالأسد".
وأضاف أن طهران تعتبر النظام السوري "جسر عبور لها يربط بين مشاريعها من العراق إلى لبنان إلى غيرها".
رسائل للروس
أما السبب الآخر، فعزاه إلى أن "النظام المجرم قد يكون أراد أن يوصل رسالة إلى الروس، بأنه ليس بإمكانكم بيعي بصفقة أو التخلي عني، لأنكم لستم الوحيدين الداعمين لي، بل إن هناك جهة أخرى موجودة ومصرة على بقائي، وهي إيران".
وقال إن الرسالة لعلها أتت في هذا الإطار خلال زيارة الأسد الأخيرة إلى إيران.
إذلال الأسد
أما السبب الآخر المحتمل أيضا، فهو أن انحياز الأسد لإيران، "رد على الإذلال الذي تعرض له بعد تسريب الصور التي أوضحت تعرضه للإهانة في قاعدة حميميم وغيرها، التي تنذر بقيمته الحقيقية عند الروس، بالإضافة إلى الجولة الروسية في دول الخليج الأخيرة، التي قد تفسر بأنها عرض جديد لبيع النظام، والتخلي عنه مقابل صفقات معينة".
وشدد على أن ذلك قد يكون مفسرا لماذا ينحاز الأسد إلى إيران، فهو يريد أن يوصل أكثر من رسالة إلى روسيا، في مقدمتها أنكم لستم الحلفاء الوحيدين لي.
تغلغل إيراني
وقال زين الدين: "الأمر الأخير، أن الفارق ما بين السيادة الروسية والإيرانية على النظام، أن الروس سيطرتهم سياسية على قرارات نظام الأسد، وعسكرية من بعيد، من خلال تغطيته بالطيران وتقديم دعم عسكري من خلال مطار حميميم، وغيرها، أما السيادة الإيرانية على النظام فأكثر تغلغلا في مفاصل مؤسساته جميعها".
وأوضح أن التغلغل الإيراني داخل النظام السوري يجعله "لا يستطيع أن يغضب إيران، لا سيما أن هناك مليشيات موجودة معه داخل نظامه وقواته ومؤسساته، لذلك فهو لا يقدر على أن يعاملها مثل الروس".
اقرأ أيضا: "عربي21" ترصد عمائم نفوذ إيران بسوريا ومؤسساتها (ملف)
ولفت إلى أن النظام السوري قام بتجنيس المليشيات الإيرانية التي استوطنت في أماكن كثيرة تم تهجير أهاليها منها، لذلك فإنه لا يزال النظام يظهر أنه ينحاز إلى إيران، التي بات يعتبرها "الشريك القريب المتغلغل أكثر في مفاصله" مقارنة بروسيا.
"استنجاد بإيران"
بدوره، اعتبر تقرير لـ"المرصد الاستراتيجي" (Strategy Watch) أن الأسد من خلال انحيازه لإيران، يستنجد بها لأن "الدائرة تضيق على الأسد بسبب الروس"، ومن أجل "إنقاذه من الأزمات الداخلية".
وأشار التقرير الذي اطلعت عليه "عربي21"، إلى أن الأسد بذهابه إلى طهران نهاية شباط/ فبراير الماضي، كان مدفوعا بالحاجة القصوى إلى جهود إيران لإنقاذه من الأزمات الداخلية التي يعانيها.
وزار الأسد إيران في وقت لا يوجد فيه لدى النظام المخزون الاستراتيجي الكافي، إلا لمدة أربعة أسابيع، ويعاني نقصا حادا من المواد الأساسية كالطحين والسكر، والوقود والمازوت والغاز، ما دفع الأسد للتعبير عن قلقه على مستقبل النظام، نتيجة إحكام الحصار عليه، وتنامي السخط الشعبي الذي كاد أن يصل في بعض المحافظات إلى مستوى المظاهرات الشعبية عام 2011، وفقا للتقرير.
استغلال إيراني
وبحسب التقرير، فإن المرشد الإيراني خامنئي الذي استقبل الأسد، أراد استغلال حاجته، فاشترط عليه الالتزام بتعهداته في منح الشركات الإيرانية الأفضلية في مشاريع إعادة الإعمار، خاصة منها ما يتعلق ببناء ضاحية جنوبية في دمشق تتضمن 200 ألف وحدة سكنية، ومنح نحو 5000 عنصر أفغاني وباكستاني من مليشيات "فاطميون" و"زينبيون"، الجنسية السورية ودفع رواتبهم من ميزانية الجيش السوري، وتوطين عوائلهم في تلك المشاريع الإسكانية المزمع بناؤها في دمشق.
اقرأ أيضا: تنافس روسي إيراني متصاعد في سوريا.. أيهما يفضل النظام؟
وكان لـ"حزب الله" نصيب أيضا من الشروط، إذ طلب خامنئي وفقا لتقرير المرصد، توطين آلاف من المنتسبين لـ"حزب الله" في قرى تنوي إيران إعمارها في المناطق الحدودية بين سوريا ولبنان، ومنح الجيش الإيراني تعاقدات إعادة تسليح وتجهيز جيش النظام وتفضيلها على المناقصات الروسية.
انزعاج روسي
إلا أن تقرير المرصد لفت إلى أن المعضلة الأكبر أمام تنفيذ تلك التفاهمات تمثلت في غياب التنسيق مع روسيا، التي أرسل رئيسها فلاديمير بوتين وزير دفاعه شويغو يوم 19 آذار/ مارس الجاري إلى دمشق، في مهمة عاجلة وأبلغ بشار الأسد رسالة شديدة اللهجة، في أربع نقاط.
وأوضح التقرير أن النقاط الأربع هي:
1- ضرورة الاستفادة من الفرصة التي وفرتها العمليات الروسية في غضون السنوات الماضية للتغلب على "الإرهاب الدولي"، والمحافظة على الدولة السورية، وضرورة "تفويت الفرصة على الذين لا يرغبون في رؤية سوريا دولة مستقرة"، وذلك في إشارة إلى إيران التي ترغب في تنفيذ سياسة انتشار يذكي المزيد من الصراعات الإقليمية مع دول الجوار، وعلى رأسها "إسرائيل".
2- مطالبة الأسد بإطلاع شويغو على تفاصيل ما دار في لقائه مع خامنئي بطهران، وفي اجتماع الجنرالات الثلاثة، وتذكيره بضرورة إطلاع ضابط التنسيق الروسي في دمشق، وعدم تجاهل ما يمكن أن تشكله أية التزامات مع أية دول أخرى من مخاطر على القوات العسكرية الروسية المرابطة في تدمر وحمص، والتي يبلغ قوامها نحو ثلاثة آلاف عنصر.
3- تذكير الأسد بالعواقب الوخيمة المترتبة على تبني أجندات سياسية أو عسكرية مستقلة في معزل عن الأدوار العسكرية والالتزامات الأمنية التي تلتزم بها روسيا إزاء القوى الإقليمية في ما يتعلق بأمن سوريا، وما يمكن أن يعود على ذلك من أضرار على سالمة أفرادها وعلى منشآتها الحيوية في البلاد.
4- تحذير بشار الأسد من المضي في خطة تسليم ميناء اللاذقية لإدارة إيرانية، وإبلاغه بأن موسكو قد بدأت بأعمال تنقيب بحري عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية، الأمر الذي مثل مفاجأة غير متوقعة لمضيفي شويغو في دمشق.
انحياز متوقع
من جانبه، قال الباحث السوري في مركز عمران للدراسات، معن طلاع، إن "علينا إدراك طبيعة تحالفات نظام الأسد سواء مع روسيا أو مع إيران؛ فمن حيث المبدأ الناظم لتلك العلاقة، لم يكن فيهما الأسد طرفا مؤثرا بقدر ما كان مضطرا لتك التحالفات لإنقاذ نظامه، وتحسين شروط التفاوض الخاصة به، وبهذا المعنى، فإن العلاقة التحالفية هذه أقرب منها لحالة التبعية أو على أقل تقدير الاستجابة لكافة ضغوطات الحلفاء".
وأوضح في تصريحه لـ"عربي21": "إلا أن هذا لا يعني أن نظام الأسد فقد هوامش تحركه ومناورته ما بين الحلفاء، فهو لا يزال يعتمد على التباين الحاصل ما بينهما، لتعزيز قدرته على امتلاك أوراق قوة، مستغلا تحكمه بمؤسسات الدولة القانونية والتشريعية".
ولفت إلى أنه "في حين أن روسيا انتظرت قرابة ثلاث سنوات وللحظات الأكثر حسما في الصراع السوري (لحظات انهيار متدحرجة للنظام) حتى تدخلت وحسنت من شروطه وفق معادلة من المصالح تتشابك فيها مع مصالح النظام حينا، وتتباين حينا آخر، بما يتعلق بحسابات موسكو الجيوسياسية والأمنية في المنطقة؛ انخرطت طهران في الصراع منذ لحظاته الأولى، حيث شكل مشهد التخلي عن النظام السوري من معظم حلفائه السابقين (كدول الخليج وتركيا وأوروبا قبل الثورة) فرصة مهمة لطهران للاستحواذ على دائرتي التفاوض المنبثقة بحكم الصراع؛ الدائرة المحلية والدائرة الخارجية".
وقال إن الأمر "أتاح لها القدرة على التغلغل البنيوي والعضوي في بنية النظام ومؤسساته ومراكز القوة والتأثير فيه؛ بالتالي مصادرة قرار دمشق وجعله أسير خيارات طهران، حيث تدلل الحركية السياسية والعسكرية والاقتصادية الإيرانية على استمرارها بالقيام بثلاث وظائف رئيسة:
الأولى الاستحواذ الأفقي على المؤسسة العسكرية والأمنية وكافة تفاعلاتها بحيث تضمن امتلاك مداخل صنع القرار فيهما، بالتالي تحكمها بأحد أهم أركان الدولة العميقة، وهو أمر له تقاطعاته مع الغاية السياسية لطهران والمتمثلة في ضمان مراعاة شروطها الجيوسياسية والجيبولتيكية.
والوظيفة الثانية، تتمثل في الاستحواذ على أهم الطرق البرية في سوريا، لتحقيق الوصول للمياه الدافئة من جهة، وللاستمرار بإرسال الأسلحة لحزب الله من جهة ثانية.
أما الوظيفة الثالثة، فهي الاستثمار في تحالفاتها الراهنة باتجاه تضمين مصالحها في أي تسوية محتملة في سوريا.
وأكد أنه "ضمن هذه المعادلة الجيوسياسية، لا يعد انحياز الأسد لطهران أمرا مفاجئا؛ بل متوقعا، ولا يزال يمتلك عوامل ديمومته؛ فالتموضع النوعي لطهران وامتلاكها أكبر قدر ممكن من مجالات التأثير على الدولة السورية وشبكات النظام الآخذة بإعادة التشكل؛ بات النظام جزءا رئيسيا من منظومات التحكم الإيرانية في المنطقة، لا سيما أن هذا النظام جعل البلاد مسرحا للاستثمار المفتوح دون أي شروط في سبيل تحكمه وأحكامه على سوريا، ما جعل الدولة تعيش حالات من الشبكات المتحكمة متعددة الولاءات والأجندة، وهو المناخ الذي دفعت باتجاه طهران منذ اليوم الأول لتدخلها في سوريا".