انتهت مسرحية التعديلات الدستورية في مصر، أو حسب ما أطلق عليها البعض: التعديات الدستورية، واختلفت قوى الثورة في التعامل مع التصويت على هذه التعديلات، بين مقاطع لها تماما، معتبرا أن السيسي وكل توابع حكمه انقلاب لا يجوز التعامل معه، وبين قوى أخرى رأت أنه انقلاب وباطل، لكن لا بد من زيادة كلفة كل إجراء يقوم به الانقلاب، فدعت للتصويت بلا.
اجتهادات سياسية
والأمر برمته يحتاج لوقفات مهمة، من جميع الاتجاهات وأفعالها وتعاملها مع هذه التعديلات، فأولا: التعامل مع التعديلات مقاطعة أو مشاركة بـ "لا"، هو اجتهاد سياسي يدخل في باب الصواب والأصوب، ولا يليق بطرف أن يتهم من شارك بالخيانة، أو من قاطع كذلك. وهذا هو الواجب من الجميع تجاه كل صاحب موقف.
ثانيا: انتهت التعديلات، وقد أظهرت مواقف وحراك الشباب، سواء في حملة (باطل) أو في المقاطعة، أو في التصويت بـ "لا"، كمية تشنج في التعامل، فكل من تبنى موقفا رأينا من يتعصب له، ويهاجم من تبنى الموقف المخالف، ولو أخذنا نموذجا بالبيان الذي أصدره المكتب العام للإخوان المسلمين بعنوان: (لتكن "لا" و"المقاطعة" و"باطل" خطوتنا الأولى نحو الاتحاد لإعلاء مصالح الوطن)، فرأينا القوى المدنية تشتم من كتبوا البيان، ظنا منهم أنه صادر عن جبهة القيادات التاريخية.
كان الموقف من التعامل مع التعديلات الدستورية، كاشفا عن ثقافة الإقصاء والتخوين التي تمارسها بعض القوى الثورية
وأتباع القيادات التاريخية هاجموا أصحابه، بأنهم لا يمثلون جماعة الإخوان، وأنهم منشقون عنها، وهاجموا من شارك بـ "لا" كذلك، رغم أن الأمانة التاريخية تبين أن أخطر مادة في التعديلات الدستورية التي قام بها السيسي، هي مادة وضع الجيش في الدستور، وهيمنته على الدولة، فالمادة بصيغة قريبة منها، كانت في مبادرة قدمتها قيادة تابعة للقيادات التاريخية للدكتور أيمن نور، ثم بعد ذلك هاجمه الأستاذ إبراهيم منير، وحدثت مساجلات بينهما، تبين أن المادة من قام بكتابتها وطلب من نور عرضها هم قيادات الإخوان، ومع ذلك رأينا أن موقفهم مقاطعة التصويت، ومهاجمة من شارك!!
ورأينا بعض المنتسبين للقوى المدنية، تهاجم بيان المكتب العام للإخوان، ظنا منهم أنهم يريدون ركوب فعل قام به الشعب عندما صوت منهم عدد مهم بـ "لا"، وغاب عنهم أن كثيرين من هؤلاء الشباب شاركوا في حملة (باطل)، وكانوا عناصر فاعلة. وذكرنا كلام المهاجمين لهم بنفس موقف بعض القيادات التاريخية التي اتهمتهم زورا بأنهم يتبنون العنف، والحقيقة غير ذلك تماما، إذ كيف لمجموعة تتبنى العنف أن تمارس العمل السياسي، كما في حملة كـ "باطل"، وتدعو للاستفادة من ذلك بالتوحد والاصطفاف، فجماعات العنف لا تمارس العمل السياسي بكافة مستوياته، فلا خيار عندها سوى حمل السلاح، وهو ما أثبت عدم دقة من شوهوهم.
لا يليق بطرف أن يتهم من شارك بالخيانة، أو من قاطع كذلك. وهذا هو الواجب من الجميع تجاه كل صاحب موقف.
ثالثا: لقد كان الموقف من التعامل مع التعديلات الدستورية، كاشفا عن ثقافة الإقصاء والتخوين التي تمارسها بعض القوى الثورية، والأخطر أنها تمارس بشكل غير عقلاني، ويكفي أن تنظر على صفحات كتاب ومثقفين وسياسيين ومتدينين، من معظم التوجهات ستجد شيوعا لثقافة الإقصاء، والتعالي على الناس، وكأن كل من له
رأي امتلك وحده الحقيقة المطلقة، فإن أخذت بها كل القوى فقد هديت إلى الفطرة والحق، وإذا رفضت، فقد خرجت عن جادة الصواب، وخرقت الإجماع الوطني، وهو كلام غير صحيح، فالسياسة في أبسط تعريفاتها هي: فن الممكن. وللوصول لهذا الممكن تختلف وجهات النظر، والرؤى والمواقف.
وأخيرا: بقي أمر مهم، وهو ما يجب علينا أن نفكر فيه، وهو: ماذا بعد؟ هل سنكون كالعربي الذي سألوه: ماذا فعلت مع اللصوص الذين ضربوك؟ فقال: أوجعوني ضربا، وأوجعتهم شتما وذما! أم أننا أمام فرصة مهمة للم شمل قوى الثورة، والالتفاف حول المشترك ونعظمه ونقويه، وننطلق من نقاط متفق عليها، هذا هو المأمول من الجميع، وبخاصة أن الهدف من بقاء نظام السيسي هذه المدة في الحكم، أن يكافأ على دوره في (صفقة القرن)، والتي بدأت رائحتها تفوح، ولنظام السيسي دور كبير فيها.
[email protected]