هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يكثر الحديث مؤخرا عن إمكانية الإعلان عن ما سمي صفقة القرن أو العصر، تلك التي وعد بها الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" دولة الاحتلال بشكل أو بآخر حتى قبل أن يشغل منصب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية؛ وهي ذاتها الخطوة التي يتخوّف الفلسطينيون منها، على اعتبار أنها ستتضمن محو حلمهم الأزلي بالحصول على دولة مستقلة عاصمتها القدس.
وفي ظل الحديث عن إمكانية الإعلان عن تنفيذ مراحل الصفقة في يونيو المقبل، أي بعد احتفال الاحتلال بما يسميه "عيد الاستقلال"، الذي يعني نكبة الشعب الفلسطيني، وإعادة استذكار جرح التهجير القسري من أراضيه التي احتلت عام 1948، يتساءل الكثيرون عن السيناريوهات المحتملة بعد إعلان الصفقة، وكيف يمكن أن يعيش الفلسطينيون -خاصة في الضفة الغربية- واقعا جديدا تفرضها عليهم قوى غريبة تساند الاحتلال.
تفريغ القدس
ولعل أبرز ما تتمحور حوله الصفقة هو الوجود الفلسطيني في مدينة القدس التي احتلت على مرحلتين؛ الأولى عام 1948، والثانية عام 1967، وما زال يسعى فيها المحتل إلى إجبار الفلسطينيين على الرحيل من جزئها الشرقي بعد أن طردهم من جزئها الغربي، وذلك باستخدام كافة أساليب التهويد.
ويعتبر وزير شؤون القدس الأسبق خالد أبو عرفة أن صفقة القرن هي تنفيذ لتوجهات "صهيونية" بالدرجة الأولى، وكان صاغ منها الكثير رئيس حكومة الاحتلال "بنيامين نتنياهو" في كتابه الشهير "السلام الدائم"، ثم أعجب ترامب وفريقه بتنفيذ هذه التوجهات الصهيونية البحتة، على حد وصفه.
ويقول في حديث لـ"عربي21" بأن هذه التوجهات تشير إلى أنه لا وجود للعرب الفلسطينيين في مدينة القدس مطلقا، وأن ما يمن به الاحتلال عليهم هو فقط تواجد من باب الضيافة؛ حتى تستطيع الحركة الصهيونية إكمال مسرحيتها أمام العالم بأن سيادة الاحتلال على القدس ترعى من ضمن ما ترعى الأقليات والعرب والمسيحيين.
ويضيف: "قناعتي أن الاحتلال لن يسمح بوجود عربي واحد بعز وكرامة في المدينة المقدسة، وأن الاحتلال لن يقبل ولن يرضى إلا أن تعود سيادة بيت المقدس والبلدة القديمة والمسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية تحت السيادة اليهودية بشبه المطلق، وغير ذلك يبقى فقط للشكل الديكوري الذي يمثل به الاحتلال أمام الرأي العالمي والأوروبي بأنه يعزز الديمقراطية، وأنه يرعى القوميات والأقليات المختلفة".
ويعيد أبو عرفة فكرة تنفيذ هذا المخطط إلى ما شعر به الاحتلال من خطأ حين اقترح الرئيس الأمريكي الأسبق "بيل كلينتون" أن تكون الأحياء العربية الفلسطينية الصرفة في القدس المحتلة تحت سيادة الفلسطينيين، وما دون ذلك تحت سيادة الاحتلال، مبينا أنه منذ ذلك الوقت بادر الاحتلال لإلغاء الصفة الصرفة العربية عن الأحياء في القدس عبر عدة ممارسات.
ويتابع: "جاء الاحتلال إلى سلوان، وصنع فيها بؤرا استيطانية نستطيع أن نتحدث من خلال وجودها عن اكتمال حلقات المخطط بوجود مخافر شرطة وأجهزة أمن إسرائيلية تحرس هذه البؤر، وكذلك الأمر في رأس العامود وواد الجوز والمكبر والصوانة والطور، فنستطيع القول إنه لم يعد هناك أي حي فلسطيني صرف في المدينة، وإن كان هناك حي بهذا الشكل فهم يسعون إلى عزله وبناء الجدار العازل؛ لإبعاده عن مدينة القدس، كما مخيم شعفاط مثلا والبلدات التي أزيحت خارج حدود المدينة بفعل الجدار".
هل تمرّ؟
ويكثر الحديث عن سيناريوهات أخرى، مثل توطين الفلسطينيين في الأردن، وضم الضفة الغربية للسيادة "الإسرائيلية" الكاملة في حال أعلن عن تنفيذ صفقة القرن، ووأد أي مشروع لإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 أو ما يسمى حل الدولتين، ولكن يرى مراقبون أن الإعلان عن موعد لهذه الصفقة لا يعني السماح بتطبيقها على الأرض.
ويعرب المحلل السياسي الفلسطيني، عبد العليم دعنا، عن اعتقاده بأن صفقة القرن هي صفقة تتم وفق رغبة وإرادة واستراتيجية السياسة الإسرائيلية وتخدمها، خاصة أن النظام والإدارة الأمريكية هي إدارة رجعية من رأسها حتى أخمص قدميها، على حد تعبيره.
اقرأ أيضا: كوشنر يتحدث مجددا عن صفقة القرن: سنفعل شيئا مختلفا
ويقول دعنا، في تصريح لـ"عربي21"، إن الولايات المتحدة تعيش الآن مشاكل عدة يواجهها رئيسها داخل بلاده تتعلق بالإدارة والسياسة والقوانين، بينما تفتح الولايات المتحدة جبهات أخرى مثل جبهة فنزويلا وكوريا الشمالية وغيرها، معتبرا أنه لو تم الإعلان عن صفقة القرن فلن يكون باستطاعة ترامب أن يقف أمام العالم بهذه السياسة؛ لأن الأوروبيين غير معنيين بتصعيد حربي على أي جهة، وهم بموقفهم هذا يسببون "صداعا" للولايات المتحدة، ولا تريد ألمانيا ولا فرنسا ولا إيطاليا أن تواجه روسيا أو الصين؛ بسبب العلاقات الاقتصادية والتجارية الضخمة جدا بينها، وعدم الرغبة في دخول مواجهة معها.
ويشير إلى أن عناصر صفقة القرن تم الإعلان عن بعضها سابقا، مثل أنه سيتم إعطاء الفلسطينيين أراض في سيناء، لكن الولايات المتحدة نفت ذلك، ومصر كذلك، وكثير من الأمور التي أعلنوا أنها أدوات لصفقة العصر تواجه الانهزام، حيث إن الصفقة ستؤثر في موازين القوى الدولية في المنطقة، ولا يعني وضع سقف زمني لإعلانها أنها سوف تتم بالفعل.
ويتابع: "الولايات المتحدة أعلنت عام 1958 عن حلف بغداد، ولكن لم يتم تطبيقه؛ لأن جماهير حاشدة نزلت إلى الشوارع، والقوى الديمقراطية والقومية وقفت ضد هذا المشروع وحلف شمال الأطلسي، فلا يعني أن يتم الإعلان عنها أن الأمريكان سينتصرون في هذه المعركة، وهم كذلك لن يجدوا قيادة سياسية تقبل في ما تفرضه الولايات المتحدة، كما أن شعوب الأمة العربية لن يقبلوا بتنفيذ مثل هذه الصفقة على أرض الواقع، ولا نتحدث هنا عن الحكام والأمراء الذي يعتبرون جزءا ووكلاء للسياسة الأمريكية بالشرق الأوسط".