كان يجلس كالطاووس نافشاً ريشه، وهو يحذر
إيران ويهددها بأن أي ضربة موجهة للمملكة العربية السعودية تعني دمارها، فلدى المملكة ترسانة سلاح ضخمة ورجال أشاوس يردون على أي اعتداء بقوة ويجعلونها أثراً بعد عين!
إنه الأمير المغرور الأخرق مراهق آل سلمان، ولي العهد السعودي الذي استغاث مؤخراً بالمجتمع الدولي، بعد أن تعرضت محطتا ضخ خط الأنابيب الذي ينقل النفط لميناء ينبع على ساحل البحر الأحمر، لهجوم من سبع طائرات مسيرة تابعة لجماعة الحوثي، الموالية أيديولوجيا لإيران وإحدى أذرعها في المنطقة، مما أدى لاحتراقها وتوقف ضخ النفط فيها. وهذا يعني أن تلك الطائرات المسيرة، قد حلقت فوق عمق الأراضي السعودية وقطعت مسافة 900 كيلومتر داخلها، دون أن تعترضها منظومة صواريخ باتريوت الأمريكية الصنع، ولا حتى الردارات الأمريكية، ولا أي من الأنظمة الدفاعية المكتظة بها مخازن الجيش السعودي، فلم يخرج أي سلاح من الترسانة الضخمة للسلاح الذي يتباهى بها ولي العهد. لم يجبنا أحد أين ذهبت الطائرات الشبح التي تساوي إحداها 1000 طائرة موجهة!
لقد أنفقت السعودية مئات مليارات الدولارات على ترسانتها المسلحة، فحسب معهد "استكهولم" المتخصص في رصد النفقات العسكرية في ميزانيات الدول، تعد السعودية أكبر منفق للسلاح في الشرق الأوسط، والرابع على مستوى العالم. فأين ذهبت هذه الترسانة؟ ولماذا لم تتصد لهجوم الحوثي؟ فلم نر إلا القنابل المُحرمة دولياً التي يقتلون بها آلاف الأطفال اليمنيين الأبرياء.
لم نر أي رد عسكري على الهجوم، بل وجدنا النظام السعودي يصرخ ويندب ويشكو إيران لمجلس الأمن!! وها هو الآن بعد أن تخلى عنه الجميع، وبدا عارياً ومكشوفاً يدعو لقمتين، إحداهما خليجية وأخرى عربية في 30 أيار/ مايو، ويستغل مشاعر المسلمين في شهر رمضان الكريم وتقديسهم لرب الكعبة المشرفة، فيجعلهما في مكة المكرمة!
هذا الأمير #المنشار أطاح بوقار وصورة بلاد الحرمين الشريفين التي كانت في أذهان العالم أجمع، وجعلها مدعاة للتهكم والسخرية، والرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" يهين ملكها كل حين؛ بأن أمريكا تحميهم وعليهم أن يدفعوا.. إنه يحلبهم (بتعبيره) على مرأى ومسمع من العالم كله! ترامب الذي دائماً لا يتردد عن كشف مضامين مكالماته الهاتفية مع الملك السعودي ومطالبته بالدفع نظير الحماية، تردد هذه المرة في أن يرفع السماعة ويكلم الملك بعد هجوم جماعة الحوثي على المنشآت النفطية، ليعلن دعمه له، بل ترك رقم هاتفه مع الجانب السويسري ليتصل به الإيرانيون ويدعوهم للحوار معه. فهو يريد أن يصل مع الإيرانيين لاتفاق نووي جديد، ولم يتردد وزير خارجيته "بومبيو" في أن يعلن صراحة أن أمريكا لا تريد الحرب ضد إيران، ولكنها تنشر فقط قطعها العسكرية للدفاع عن مصالحها المباشرة إذا هاجمتها إيران كما هددت!!
واعتقادي أن اختيار إيران لتوقيت ذلك الهجوم على المنشآت البترولية السعودية؛ جاء بحنكة لا تخفى على أحد، إذ جاء بعد العقوبات الاقتصادية الأمريكية ضد إيران والتضييق عليها، وهذا بمثابة حرب اقتصادية ضدها، وبعد التحشيد العسكري والإعلامي الأمريكي ضدها، فهل هي رسالة من إيران لمن يهمهم الأمر؟
نعم، هي رسالة إيرانية لدول الخليج لا تخطئها العين، مفادها أن أمريكا لن تستطيع حمايتكم إذا نشبت الحرب، وأن صواريخنا لن تكون بعيدة عن العمق السعودي..
لكن لا يعني ذلك أن هناك بوادر حرب بين الطرفين في رأيي، بل هي مجرد مناواشات موسمية. وحرب عض الأصابع تعودنا عليها منذ سقوط الشاه ونجاح ثورة الخميني عام 1979، وإن كانت الفرقعات الإعلامية أشد صراخاً وأكثر تهويلاً هذه المرة..
الحرب بين إيران وأمريكا غير واردة على الإطلاق، كما قال وزير الخارجية الأمريكي "بومبيو"، وهي لعبة أمريكية تلعبها لابتزاز دول الخليج. ولها مآرب أخرى؛ منها التغطية على موقف إيران؛ التي تقدم دعماً مباشراً للخطط الأمريكية في المنطقة منذ غزو أفغانستان، إلى غزو العراق، إلى محاربة الثورة السورية ودعم السفاح بشار الأسد.. وكلها تخدم المصالح الأمريكية في المنطقة.
إيران تعتبر ذخراً استراتيجياً ثميناً بالنسبة لأمريكا وإسرائيل، ولا يمكن التضحية بها بأي شكل من الأشكال. فهي الفزاعة التي تستغلها أمريكا لتخويف دول الخليج وابتزازها بصفقات أسلحة تُعد بمليارات الدولارات، فضلاً على أنها بعبع مذهبي يدق الأسافين بين الشيعة والسنة ويحرف البوصلة عن الصراع العربي الصهيوني، الصراع التاريخي للأمة، لذلك مكنوها من السيطرة على أربع عواصم عربية العراق ولبنان وسوريا واليمن..
لقد أعلنها "كسينجر"، وزير خارجية أمريكا الأسبق، صراحة بعد حرب أكتوبر 1973: انتهى الصراع العربي الإسرائيلي، ودخلت المنطقة في حرب المئة عام بين السنة والشيعة.
لا أمريكا ولا إيران تريدان الحرب لأنهما تعرفان أن تكاليفها المادية والبشرية والسياسية باهظة، وإذا نشبت الحرب فلا أحد يضمن كيف ستسير، ولا أين ستتمدد، ولا كيف ستنتهي، وعلى أي وجه ستكون، وخاصة أن إيران أصبحت قوة إقليمية كبرى في المنطقة لا يستهان بها، ولها أذرعها العسكرية في خمس عواصم عربية مهمة. وفي المقابل، لم تعد أمريكا اللاعب الوحيد في المنطقة. فهناك دراسات غربية تتحدث عن أفول القوة الأمريكية، وانخفاض التأثير الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط لصالح قوتين دولية وإقليمية، هما روسيا وإيران. فلقد عادت روسيا إلى الشرق الأوسط وأصبح لها موطئ قدم، بعد أن أحتلت سوريا، كما أن هناك الصين التي ستقف بالفيتو في مجلس الأمن ضد أي قرار أمريكي بالحرب ضد إيران..
أضف إلى ذلك، أن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" أثناء حملته الانتخابية، قد وعد ناخبيه بأنه لن يدخل أي حرب قادمة، ولن يرسل أي جندي أمريكي خارج البلاد، ولن يكرر ما فعله "جورج دبليو بوش" في العراق، وأن على دول الخليج أن تدفع تكاليف الحرب العراقية، وكأنها لم تدفعها حتى الآن أضعاف مضاعفة..
ولكن في المقابل، هناك مَن يرى أن الدور الإيراني في المنطقة قد انتهى، وأن الدجاجة التي كانت تبيض ذهباً للأمريكان آن الآوان لذبحها والتخلص منها، وجني الثمار وتحصيل المكاسب التي حققتها إيران في الشرق الأوسط. فلم يعد خافياً على أحد أن هناك مشروعين يتصارعان في الشرق الأوسط، أحدهما المشروع الأمريكي الصهيوني والآخر المشروع الإيراني المضاد له، ولكن أمريكا تستخدم المشروع الإيراني في خدمة مصالحها، وعندما تصل إلى مآربها سوف تقضي عليها وتُنهي مشروعها.
ولكن أين العرب من هذين المشروعين؟
العرب في تيه بين المشروعين، ولم يعد لهم مكان في لعبة الكبار، ولم يعد أحد يقيم لهم وزناً أو يعمل لهم حساباً. فقد باتوا لا محل لهم من الإعراب على مستوى العالم، وذلك يرجع لحكامهم الأغبياء الأذلاء، الذين لا يتعلمون من دروس التاريخ، وأقربها درس صدام القريب، البعبع الذي صنعته أمريكا وأخافتهم به واستنزفت أموالهم لمحاربته، ثم غزو العراق والقضاء عليه، وبدلاً من أن تسلمهم العراق، سلمته لعدوتهم إيران. وها هم يقعون في نفس الخطأ؛ بإصرارهم أن يظلوا الكرة التي في أرجل اللاعبين، يتقاذفونهم يميناً ويساراً حسب اتجاه الرياح، وما عليهم إلا دفع أثمان اللعبة فقط!! متى يفهم الحكام العرب أنهم أصبحوا خارج اللعبة وإن كانوا أصحاب الملعب؟!