هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في الوقت الذي تحرص فيه "إسرائيل" على إظهار ديمقراطيتها في المنطقة، وتصف نفسها بالدولة الأكثر "أخلاقية" في التعامل مع مواطنيها؛ تخرج مظارهرات اليهود الإثيوبيين "الفلاشا" لتفضح تمييزها العنصري.
شرارة الحراك الذي أعلنه الإثيوبيون الأسبوع الماضي بدأ حينما قام شرطي "إسرائيلي" بقتل أحدهم بشكل مباشر ومتعمد، وهو ما اعتبروه استهتارا بأرواحهم امتدادا لحالة التمييز العنصري التي يعيشونها، ورغم انحسار المظاهرات حاليا إلا أن الواقع المرير لهم ينبئ باستمرار الاحتجاجات على شكل هبّات متقطعة مستقبلاً كما يتوقع المراقبون.
ثورة ضد العنصرية
بدأت "إسرائيل" بتهجير اليهود من إثيوبيا منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي لملء المستوطنات وبسبب الحاجة لزيادة الكثافة السكانية في مواجهة الفلسطينيين، ولم تكن النظرة إليهم في ذلك الوقت سوى مستوطنين جدد يسدّون الفراغ السكاني، ولكن النظرة تحولت مع مرور الأعوام ليعتبر المستوطنون المستجلبون من روسيا وأوروبا والقارة الأمريكية بأن اليهود الإثيوبيين هم أقل منهم مكانة، وبقيت هذه النظرة إلى الآن مع اعتبارهم أقلية والانتقاص من حقوقهم.
الخبير في الشؤون الإسرائيلية عصمت منصور، يقول إن هذه ليست المرة الأولى التي تحدث فيها موجات احتجاج واسعة لقطاعات أخرى داخل "إسرائيل"، حيث كانت هناك احتجاجات من قبل اليهود الشرقيين في سبعينيات القرن الماضي نتيجة التمييز العنصري ضدهم، كما أن اليهود الإثيوبيين كانت لهم موجات احتجاج سابقة ضد التمييز في الوظائف والسكن والتعليم وكافة المجالات.
ويوضح لـ "عربي21" بأن هبّة "الفلاشا" الأخيرة قبل أيام كانت الأعنف والأوسع والتي إن دلت على شيء فإنها تدل على أن الأمور وصلت حد الانفجار، مبينا بأن السبب الرئيسي كان في قتل الشاب الإثيوبي ولكن ذلك كان مجرد شرارة لانطلاقة هذه الهبة ضد التمييز بشكل عام، والذي بدأ منذ انتقائية هجرتهم من إثيوبيا ورفض إحضار جزء من عائلاتهم لأسباب عنصرية أيضاً.
اقرأ أيضا: يديعوت: بعد تظاهرات الفلاشا.. إسرائيل دخلت مرحلة التفكك
ويؤكد منصور بأن الاحتلال يحاول العمل على حل هذه المشكلة ليس عن طريق إعطائهم حقوقهم بل عن طريق تشكيل لجان وتحديد معايير للتعامل معهم، حيث أن هذه الاحتجاجات فتحت أعين المجتمع الإسرائيلي على خطورة هذه الظاهرة والتي من الممكن أن تخلق قضايا واضطرابات ومشاكل تصعب السيطرة عليها والتي سيلجأون لمعالجتها على الأقل باحتوائهم.
ويضيف: "يد عناصر شرطة الاحتلال خفيفة على الزناد فيما يتعلق بمواجهة الأقليات، كما أن نسبة المعتقلين من الإثيوبيين أكثر من أي قطاع آخر، وهناك التعذيب الذي يتعرضون له في مراكز الشرطة والتمييز ضدهم في المطاعم والملاهي الليلية؛ وحتى أنه كان هناك عضو كنيست واحد فقط من أصل إثيوبي، كما أن الاحتلال لا يسمح مثلا لبقية أفراد العائلات الإثيوبية التي تعيش في "إسرائيل" بالهجرة إليها بزعم أنهم ليسوا يهودا، كما أنها تحتجزهم في مناطق مهمشة في ظروف سيئة من حيث البنية التحتية والخدمات وصولا إلى القتل".
ويشير إلى أن الإعلام العبري مهتم بالقضية ويعتبرها رقم واحد في برامج الأخبار والحوارات والبث المباشر لأنها فرضت نفسها، فالمتظاهرون أغلقوا شوارع رئيسية وسط "تل أبيب" ما أدى إلى ازدحامات مرورية وتعطيل حركة السير لساعات مما أدى إلى تعطل مئات الآلاف عن أعمالهم، وإضافة إلى ذلك لا توجد أي حركات دعم لهم من قبل اليساريين مثلا أو البيض لأنهم يعتبرون بأن هذه قضيتهم وحدهم.
"أقليّة"
ويشكل الإثيوبيون ما لا يزيد عن 2 بالمئة، من مجموع المستوطنين في فلسطين بواقع 140 ألف نسمة وفقا لجهاز الإحصاء في "إسرائيل" عام 2017، كما أظهرت إحصائيات أخرى انخفاض الدخل الشهري للفرد الإثيوبي بنسبة تزيد عن 30 بالمئة، عن أي فرد آخر في المجتمع الإسرائيلي.
ويرى الخبير في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت، في حديث لـ "عربي21" بأن المظاهرات الحالية في طريقها للهدوء خاصة بعد أن أصبحت تحت السيطرة؛ والتوجه من عائلة الشاب القتيل بتعليق كل الاحتجاجات بعد انتهاء أيام الحداد لتصبح احتجاجات منظمة بعيدا عن العنف، كما أن الاحتلال قام بخطوات لاحتواء الغضب؛ منها أن وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي قام بزيارة عائلة الشاب القتيل وقال إن هناك حاجة لإجراء إصلاحات في وحدة التحقيق مع الشرطة.
ولكن شلحت، أكد في الوقت ذاته بأن الحل الذي طُرح ليس حلا جذريا، وأن هذه ليست المرة الأولى التي يقوم فيها الإثيوبيون بثورة مماثلة بل قبل سنوات انتفضوا على الخلفية ذاتها بأن شرطيا إسرائيليا قتل إثيوبيا بدم بارد.
وبيّن أن "إسرائيل" تتعامل مع هذه الفئات بأنها أقليات وأنهم أعداء لها وهذا ما جاء في جلسة التحقيق عام 2000 بعد قيام شرطة الاحتلال بقتل 13 فلسطينيا خلال مظاهرات أعقبت اقتحام رئيس الوزراء الأسبق أرئيل شارون للمسجد الأقصى المبارك، حيث تبين بأن الشرطة تعاملت معهم كأعداء وهو ما ينسحب على الإثيوبيين.
اقرأ أيضا: تعرف على تركيبة مجتمع الاحتلال ويهود "الفلاشا" (إنفوغراف)
ويلفت الخبير النظر إلى أن الإثيوبيين يقعون في مرتبة أعلى من الفلسطينيين داخل كيان الاحتلال من ناحية سياسية واجتماعية، ولكنهم في المراتب الدنيا في السلم التراتبي بالنسبة لليهود الآخرين.
وفي رده على سؤال إن كانت "إسرائيل" تخشى على صورتها بعد هذه الاحتجاجات التي تظهر عنصريتها تجاه الإثيوبيين، قال إنها لا تخشى لأنه مرتبط بالسياق الإقليمي والدولي وهي تعتبر أن صورتها مشرقة في العالم؛ رغم أن الاحتجاجات من وجهة نظرنا جوهرية وتعكس ماهية المشروع الصهيوني، ولكنها بالنسبة للعالم لا تؤثر على صورة "إسرائيل".
العنصرية ضد يهود "الفلاشا" وصلت حد السخرية من قبل اليهود الآخرين عبر المسرحيات والمقاطع المصورة، ووصلت كذلك إلى عدم اكتراث الاحتلال حتى بذكر اسم أحد الإثيوبيين الجنود الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وهو "أبراهام منغستو"، ووسط إجراءاتها التعسفية بحق الفلسطينيين تثار الكثير من التساؤلات حول تعريف "إسرائيل" للديمقراطية.