هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تناغمت مخرجات ندوة المعارضة، اليوم السبت في الجزائر، مع المبادرة التي سبق وأن طرحها رئيس الدولة المؤقت، عبد القادر بن صالح، في فكرة الذهاب إلى حوار تقوده شخصيات وطنية مستقلة.
وعرضت المعارضة خلال الندوة التي سُمّيت بـ"المنتدى الوطني للحوار" رؤيتها لتحقيق مطالب الشعب، والتي تتلخص في "التوافق على فترة قصيرة مدتها 6 أشهر تفضي إلى انتخابات حرة وتعددية تمكن الشعب من ممارسة سيادته الكاملة".
وتتضمن خطة هذا التكتل المعارض المشكل من أحزاب التيار الوطني والإسلامي ومنظمات ونقابات، التوافق أيضا على لجنة وطنية من ذوي الأهلية القانونية والخبرة الانتخابية لوضع قانون الهيئة الوطنية المستقلة لتنظيم الانتخابات، وتعديل قانون الانتخابات وقانون الإعلام في بنده المتعلق بالانتخابات.
اقرأ أيضا: انطلاق مؤتمر الحوار الوطني للمعارضة الجزائرية لتجاوز الأزمة
وتدعو ندوة المعارضة في الوثيقة التي اطلعت عليها "عربي 21"، إلى إبعاد كل الرموز التي كانت طرفا في الفساد خلال حكم النظام السابق، وكل الذين دفعوا لفرض العهدة الخامسة من المشاركة في تسيير هذه المرحلة.
شخصيات تقود الحوار
ولإنجاز هذه المطالب، شددّت المعارضة على ضرورة "تشكيل هيئة لتسيير الحوار، تتكون من شخصيات وطنية مشهود لها بالنزاهة والمصداقية والأهلية العلمية، وتتمتع بقبول شعبي واسع يُعيّن أعضاؤها في إطار توافقي بين أطراف الحوار"، ثم تنظيم ندوة وطنية جامعة لترسيم مخرجات الحوار الوطني الذي لا ينبغي أن تتجاوز مدته الشهر.
وتتلاقى هذه الفكرة مع ما طرحه رئيس الدولة المؤقت، عبد القادر بن صالح في خطابه يوم 3 تموز/ يوليو الجاري، عندما دعا إلى حوار تقوده شخصيات وطنية مستقلة لا يكون هو طرفا فيه ولا حتى المؤسسة العسكرية، بحيث ستكتفي الدولة، حسبه، بوضع الوسائل المادية واللوجستية تحت تصرف الفريق المسير للحوار.
ويُتوقع في ظل هذا التوافق الضمني، أن تشارك مكونات واسعة في الساحة السياسية في هذا الحوار الذي ستقوده شخصيات لم يُكشف عن أسمائها لحد الآن، لكن الحديث يدور عن أحمد طالب الإبراهيمي وزير الخارجية سابقا، ومولود حمروش رئيس الحكومة سابقا، وحتى عن الرئيس السابق اليامين زروال.
لكن اتجاها آخر في المعارضة، يسمى "قوى البديل الديمقراطي"، يضم أحزاب التيار الديمقراطي واليساري، يرفض تماما مقاربة ندوة اليوم التي يراها متماهية مع ما تريده السلطة.
إجراءات تهدئة
أشار رئيس حزب "جيل جديد" الحاضر في الندوة، سفيان جيلالي، إلى أن أغلبية من حضروا الندوة اليوم متفقون على الحوار وعلى الذهاب إلى انتخابات رئاسية ولكن بشروط.
وأوضح جيلالي في حديثه مع "عربي 21"، بأن الحوار لابد أن تسبقه تهيئة الظروف الملائمة وفي مقدمتها إطلاق سراح السجناء السياسيين، وسجناء الرأي وفي مقدمتهم المجاهد المعتقل لخضر بورقعة.
وأبرز جيلالي في تصوره للحل أن الحوار ينبغي أن يتضمن في جدول أعماله ضرورة تغيير الحكومة، كون الوزير الأول الحالي هو جزء من النظام السابق وأحد رموزه.
وفي اعتقاد رئيس حزب جيل جديد، فإن ذهاب الرئيس المؤقت ليس أولوية، إذا كان دوره سيقتصر فقط على التوقيع على مراسيم استدعاء الهيئة الناخبة، والإمضاء على القوانين التي يتم الاتفاق عليها في الحوار، ما دام قد أعلن بأنه لن يكون طرفا في الحوار.
خلاف حول بن صالح
وتعتبر مسألة ذهاب بن صالح خلافية، إذ عدّلت بعض الأحزاب من مواقفها بخصوصه بعد أن كانت تشدد على رحيله انسجاما مع مطالب الحراك الشعبي، في حين لا يزال آخرون على نفس موقفهم منه.
وقال رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، إن حزبه في موقفه الخاص يرى أن الاطمئنان الكامل لا يتحقق إلا بوجود شخصية قوية ذات مصداقية مؤمنة بالديمقراطية على رأس الدولة أثناء إجراء الانتخابات الرئاسية.
اقرأ أيضا: ابن صالح يحيّد نفسه عن الحوار.. والمعارضة تقبل بشروط
وأوضح مقري في حديثه مع "عربي 21"، أن هذا الموقف الذي يتبناه حزبه ولا يفرضه على الآخرين، يعود لتجربة حركة مجتمع السلم المريرة مع تزوير الانتخابات، إذ غالبا ما يكون لرأس السلطة التنفيذية تأثير قوي على الولاة لتوجيه النتائج.
وأشار مقري، الذي يقود أكبر حزب إسلامي في الجزائر، إلى أن إنشاء هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات أمر مطلوب وواجب لضمان نزاهة الانتخابات، لكن التزوير ينبغي أن تتوفر لمنعه إرادة سياسية قوية.
ويرى رئيس حركة مجتمع السلم، المشارك في الندوة، أن هناك تقاربا بين ما طرحته المعارضة اليوم ومبادرة بن صالح، لكن في اعتقاده لا تزال هناك نقاط عالقة، أبرزها مسألة ذهاب رموز النظام السابق، وكيفية اختيار الشخصيات التي ستدير الحوار، وقبول السلطة بإجراءات التهدئة المتعلقة بسجناء الرأي، واحترام الحقوق والحريات.
مخاوف على الحراك
ومن منظور أكاديمي، يتوقع رابح لونيسي أستاذ العلوم السياسية بجامعة وهران، عدم نجاح مبادرة المعارضة، كون الحراك "منذ بدايته كان موجها ضد النظام والأحزاب التي يراها الشعب أنها نتاج هذا النظام الفاسد"، ناهيك عن أن "الكثير من الشخصيات المشاركة كانت قد دعمت النظام في الماضي أو لعبت في مسرحية المعارضة له".
وأوضح لونيسي في تصريحه لـ "عربي 21"، أن ثمة انطباعا بأن "الندوة عقدت بالتوافق مع السلطة الفعلية التي حددت شروط الحوار المتلخصة في الذهاب إلى الرئاسيات، في حين تم استبعاد شخصيات طرحها راديكالي في عملية التغيير، ما يوحي بأنها جاءت في إطار طبخة بين السلطة وهذه المعارضة لإنقاذ النظام الذي يطالب الشعب بتغييره جذريا".
وانتقد أستاذ العلوم السياسية وثيقة المعارضة في مسألة أنها تحصر الحوار فقط في "عملية انتخاب رئيس جديد للدولة كما تريد السلطة مع إعطاء ضمانات أكثر للعملية، وهي بذلك لا تختلف عن ما طرحه الرئيس المؤقت بن صالح مؤخرا"، وهو ما يؤكد، وفق منظوره، "أن بعض الشخصيات المعارضة اليوم لا يهمها سوى تعويض الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة دون الحديث عن تغيير جذري للنظام الذي وضعت آلياته منذ استقلال الجزائر سنة 1962".
ويخشى لونيسي من أن يكون للندوة "تأثير سلبي على الحراك بإدخاله في شقاقات بسبب هذه الوثيقة، ما سيؤدي إلى إضعافه، وهو عين ما تريده السلطة".