نشرت صحيفة "
لوموند" الفرنسية تقريرا
تحدثت فيه عن تدهور
الاقتصاد العالمي على الرغم من محافظة سوق الأسهم على نشاطها،
الأمر الذي يثير قلق المحللين والخبراء الاقتصاديين.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته
"
عربي21"، إن الدراسات الاستقصائية الشهرية المتعلقة بالأعمال التجارية
للمؤسسات في الولايات المتحدة تشهد تراجعا وفقا لما توصل إليه المحللون. كما أن
الشركات الأمريكية، التي استثمرت بكثافة خلال سنة 2018، بدأت في الحد من نفقاتها
على خلفية الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، لذلك من المتوقع أن يتراجع
النمو هذه السنة بنسبة 2.5 بالمئة.
وذكرت أن المملكة المتحدة تعاني، بدورها، ركودا
تجاريا منذ بداية الاستفتاء المتعلق بانسحابها من الاتحاد الأوروبي. وفي هذا
السياق، أفاد سيلفان بروييه، وهو كبير الاقتصاديين في شركة "ستاندرد آند
بورز" الأمريكية، بأن "المحللين والمراقبين أصبحوا أكثر قلقًا، حيث تشهد
السوق هدوء مقلقا في انتظار تعرض نسبة النمو إلى صدمة كبيرة ستكشف لنا عن جميع
العيوب المخفية".
وأشارت الصحيفة إلى أن المحللين يركزون أنظارهم
حاليا على الولايات المتحدة، حيث تُظهر أبحاث العمل الشهرية التي تجرى على الشركات
تباطؤًا في النشاط التجاري. وعلى الرغم من أن البلاد شهدت تراجعا هاما في معدلات
البطالة مستفيدة من حوافز ترامب المالية، إلا أن الشركات الأمريكية التي استثمرت
بكثافة خلال سنة 2018 بدأت في خفض الإنفاق سنة 2019 بمعدل 0.4 بالمئة مقارنة
بالسنة الماضية.
وأضافت أن هذا التوجه لا تتبناه الشركات
الأمريكية فحسب، بل طبقته أيضا الشركات الأوروبية، لاسيما في المملكة المتحدة التي
تمر بحالة ركود منذ استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي، ناهيك عن أن نسبة النمو
الاقتصادي في إيطاليا قد تجمدت. في الأثناء، لا تزال شركات صناعة السيارات في
ألمانيا تكافح من أجل تجاوز مخلفات صدمة تفعيل لوائح السيارات الجديدة لأواخر سنة
2018.
ونوهت الصحيفة بأن الصين لم تسلم بدورها من هذا
الركود، حيث أشارت "شركة التأمين الفرنسية للتجارة الخارجية" إلى أن
"الحرب التجارية أدت إلى انخفاض الصادرات الصينية الموجهة إلى الولايات
المتحدة بنسبة 10 بالمئة خلال الأشهر الأربعة الأولى من هذه السنة". وذكرت
الشركة الفرنسية أن "الاقتصاد العالمي سيسجل نسبة نمو تقدر بنحو 2.7 بالمئة
هذه السنة، أي أقل من سنة 2018 التي سجل خلالها الاقتصاد العالمي نسبة نمو بلغت
3.1 بالمئة".
وأكدت أنه في الوقت الذي تشهد فيه بورصة وول
ستريت مسيرة أطول صعود في تاريخها، من المتوقع أن يجبر التباطؤ الاقتصادي القادم
المستثمرين على توخي الحذر. ومن جهته، حذّر الخبير الاستراتيجي الفرنسي ستيفان ديو
من أنه "إذا لم يتخذ البنك المركزي الأمريكي خطوة بعد انعقاد اجتماع السياسة
المالية يوم 31 تموز/ يوليو، فإنه سيمر بصدمة مالية".
ونقلت الصحيفة عن كبيرة الاقتصاديين لدى مجموعة
"إدموند دي روتشيلد"، ماتيلد لوموان، قوله إن "البنوك المركزية
تعمل على اكتساب الوقت دون أن تحاول تقييم المخاطر، حيث لجأت إلى تخفيض رسوم فوائد
الديون بشكل كبير مع انخفاض أسعار الفائدة مما تسبب في تعميق الفجوة بين الاقتصاد
الحقيقي ومقياس القيمة الاقتصادية".
ومنذ أزمة 2008، استفادت الشركات والحكومات
بشكل كبير من الامتيازات التي توفرها سياسة البنك المركزي المتساهلة، التي تتمثل
في الحفاظ على انخفاض أسعار الفائدة وإطلاق برامج إعادة شراء الديون العامة
والخاصة، وهو ما تسبب في تضاعف السيولة والتشجيع على الائتمان.
وأوضحت الصحيفة أن هذه السياسة أدت إلى ارتفاع
نسبة الدين العالمي بحوالي 50 بالمئة على مدار العقد الماضي، وذلك وفقًا لدراسة
نشرتها شركة "ستاندرد آند بورز" خلال شهر آذار/ مارس الماضي. ويمثل
إجمالي الدين (العام والخاص) في جميع أنحاء العالم اليوم قرابة 234 بالمئة من
الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 208 بالمئة خلال سنة 2008. وفي فرنسا، مثلا، بلغ
الدين العام خلال الفترة ذاتها نحو 100 بالمئة، أي ما يقارب 2359 مليار يورو.
ووفقا لكبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد
الدولي، الفرنسي أوليفيه بلانشار، فإنه "عندما تكون معدلات الاقتراض منخفضة،
يتراكم الدين العام بشكل أبطأ". وفي سياق الحرب التجارية بين الولايات
المتحدة والصين، لا يوجد خيار أمام مشغلي السوق سوى متابعة آخر تغريدات الرئيس
الأمريكي دونالد ترامب على تويتر بعد انعقاد قمة مجموعة العشرين في أوساكا،
لاكتشاف ما أفضى إليه اجتماعه بنظيره الصيني شي جين بينغ، حيث اتفق الرئيسان على
عقد هدنة، ولكنها لا تبشر بوضع حد للحرب التجارية.
وفي الختام، أوردت الصحيفة أن سيلفان بروييه،
كبير الاقتصاديين في شركة "ستاندرد آند بورز"، عبر عن قلقه إزاء الوضع
الحالي متسائلا "هل نتجه نحو نهاية نظام يرتكز عليه الاقتصاد العالمي لعقود؟
ولكن بحال من الأحوال، إن استمرار حالة الشك والغموض الذي يلف وضع الاقتصاد
العالمي، يشكل في حد ذاته خطرا".