هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ما زالت حالة من الهدوء النسبي المشوب بالحذر، تسود جبهات إدلب، وذلك بعد يومين على وقف إطلاق النار الأحادي الذي أعلنته روسيا.
وكانت وزارة الدفاع الروسية، قد أعلنت عن وقف قوات النظام إطلاق النار، بدءا من صباح يوم السبت الماضي.
وليست هذه المرة الأولى التي تعلن فيها روسيا بالنيابة عن النظام عن وقف إطلاق النار، في مناطق "خفض التصعيد"، ففي مطلع شهر آب/ أغسطس الماضي، أعلنت روسيا كذلك عن هدنة، بالتزامن مع عقد الجولة الثالثة عشرة لمحادثات "أستانة" بين الأطراف الضامنة (تركيا، روسيا، إيران)، لكن سرعان ما عاودت الطائرات الروسية قصف مناطق المعارضة، بعد زعمها عدم التزام فصائل المعارضة بالهدنة.
فهل ستعيد روسيا المشهد ذاته، وتستأنف ضرباتها الجوية من جديد لمناطق المعارضة، أم أن هناك معطيات جديدة تمنعها من إعادة الهجوم؟
غياب حسن النوايا
القيادي السابق في "جيش العزة"، المقدم سامر الصالح، شكك بإعلان روسيا وقف إطلاق النار، مؤكداً في حديثه لـ"عربي21" أن الطموح الروسي لن يتوقف إلا بالسيطرة على كامل المناطق المحررة.
وفي قراءته للمشهد في جبهات إدلب، أشار مسؤول المكتب السياسي في "لواء المعتصم"، مصطفى سيجري، إلى غياب حسن النوايا من جانب روسيا، مؤكدا أن "التجارب السابقة أكدت أن الاحتلال الروسي لطالما استفاد من الهدن مع المعارضة، في إعادة ترتيب صفوف قوات النظام، وإعادة شن عمليات عسكرية أخرى".
ويشدد خلال حديثه لـ"عربي21" على أنه "لا يمكن النظر إلى هذا الإعلان بحسن الظن" مستدركا: "لكن ذلك لا يعني أن نستفيد أيضاً من وقف إطلاق النار، بإعادة ترتيب صفوفنا، وخصوصا أن المعارك الأخيرة التي خاضتها الفصائل كانت معارك قاسية وصعبة جدا".
من جهة ثانية، لم يؤكد سيجري الأنباء المتداولة التي تضع إعلان روسيا عن وقف إطلاق النار، في إطار مهلة للتعامل مع "هيئة تحرير الشام"، قائلا: "لا نملك معلومات دقيقة، غير أن إعلانها من جانب واحد، أي من روسيا يعطي انطباعا بأنها جاءت بدون تنسيق مع أي طرف، بما في ذلك تركيا".
هدنة مؤقتة
وبحسب القراءة السابقة، يبدو سيجري جازما بأن وقف إطلاق النار الحالي، لن يتبعه وقف إطلاق نار شامل، حيث من المرجح أن يلي ذلك جولة بل جولات عسكرية قادمة.
وقال إن "الخلاف ما زال قائما على فرض الرؤية الروسية في إدلب، وطالما أن تركيا ما زالت تنسق مع الولايات المتحدة في شرق الفرات، فإن روسيا ستستمر في التصعيد، لأنها ترى في إدلب ورقة ضد أنقرة".
اقرأ أيضا: لماذا وافق النظام السوري على "هدنة إدلب" رغم تقدمه؟
وفي هذا الصدد، أضاف سيجري: "روسيا تدرك تماما أن التقارب التركي- الأمريكي، وفي حال بدأ فعلا، فإنه لن يقف عند شرق الفرات، بل سيشمل في مراحل لاحقة محافظة إدلب".
وأردف قائلا: "النظام يستفيد من خلافات أنقرة وموسكو، واستمرار العمليات العسكرية في إدلب بات مصلحة لروسيا ونظام الأسد، ودخول إيران مؤخرا على خط التصعيد بإدلب، جاء نتيجة مخاوف من زيادة التفاهمات التركية- الأمريكية".
خطوة استباقية
ووسط كل ذلك، فإن السؤال الذي يتعين طرحه، هو ما الذي دفع بروسيا إلى الإعلان عن وقف إطلاق النار؟ يرد سيجري قائلا: "باعتقادي، هناك خشية من الروس من قيام مجلس الأمن باتخاذ خطوات ملزمة لوقف إطلاق النار في إدلب، ما يعني أن موسكو استبقت ذلك بإعلانها عن هدنة مؤقتة".
وحول وجود دور أمريكي ضاغط باتجاه وقف إطلاق النار في إدلب قال: "وفق مصادرنا الخاصة، ما زالت الولايات المتحدة تعتقد أن الضغط الروسي على تركيا في إدلب، سيدفع بأنقرة إلى خفض سقف مطالبها شرق الفرات".
وأنهى سيجري بقوله: "للآن، واشنطن مستفيدة من التصعيد في إدلب".
وقف إطلاق نار سياسي
الباحث السياسي، يمان دابقي، أكد لـ"عربي21" أن وقف إطلاق النار الأحادي، ليس متعلقا بسير المعارك على الأرض، بقدر ما هو متعلق بالجانب السياسي.
وأوضح بقوله إن "الاستراتيجية الروسية تتطلع لمرحلة ثالثة من نزع المكاسب، إما عن طريق السياسة أو عن طريق الأعمال العسكرية، حيث كانت المرحلة الأولى نزع السيطرة على تل ملح، تلتها المرحلة الثانية، أي السيطرة على خان شيخون وريف حماة الشمالي".
ولا يمكن الجزم بتوقيت إعلان انتهاء وقف إطلاق النار، من وجهة نظر دابقي، الذي أشار إلى متغيرات عدة فرضتها هذه المرة.
وأشار إلى التغيير في الخرائط العسكرية إثر التقدم للنظام في ريف حماة، وكذلك إلى الزيارة التي أجراها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى موسكو.
وقال: "تركيا لا زالت مصرة على الحفاظ على الخرائط المتفق عليها سابقا، بينما تخطت روسيا ذلك، بذريعة عدم التزام الفصائل".
أمريكا تدير اللعبة
وهنا، اعتبر دابقي أن "التغييرات الأخيرة تنتظر التصورات ونضوج تفاهمات جديدة، على إعادة رسم خطوط التماس وتوزع السيطرة بين السيطرة التركية والروسية، بمراقبة أمريكية من الخلف".
ومتفقا مع سيجري، أكد دابقي أن الولايات المتحدة لا زالت تغض الطرف عن التغول الروسي في محيط إدلب، وهي بذلك تدير اللعبة من الخلف، وصولا إلى قبول تركيا بالمقترحات الأمريكية المتعلقة بعمق المنطقة الآمنة شرق الفرات".
الذرائع متوفرة
وما من شك، أن الإعلان عن وقف من جانب واحد لإطلاق النار يخدم روسيا في محادثاتها مع تركيا، ويخدم موسكو ودمشق من الناحية الإعلامية، حين يروجان إلى أنهما أقرا وقفا لإطلاق النار لكن الفصائل و"الإرهابيين" لم يلتزموا به، بحسب ما ذكر الكاتب الصحفي المختص بالشأن الروسي، طه عبد الواحد.
اقرأ أيضا: "الجبهة الوطنية" تعلق لـ"عربي21" على "الاندماج" وهدنة إدلب
وأضاف لـ"عربي21" أن إعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد، لا يعني وقفاً لإطلاق النار، وإنما زعما بأن هذا الطرف سيوقف عملياته العسكرية، ودائما "الحرب على الإرهاب" توفر ذريعة مناسبة لروسيا والنظام لنقض ما تم الإعلان عنه.
وبسؤاله عن تصوره لما بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار، قال عبد الواحد: "غالبا ستستمر العمليات من جانب روسيا والنظام حتى السيطرة على الطرق الدولية، وقد يلي ذلك عودة المنطقة إلى الهدوء من جديد، بانتظار المباحثات السياسية".
ويؤيد هذا الرأي الباحث يمان دابقي، مضيفا أن روسيا تحتاج إلى تخفيف حدة المعارك في هذا التوقيت لسببين، الأول روسيا بحاجة إلى إعادة ترتيب قوات النظام وإعادة انتشارها تجهيزا للمرحلة الثالثة، الهادفة إلى بسط السيطرة على الطريق الدولي.
أما السبب الثاني، يتعلق بإعادة صياغة التفاهمات مع أنقرة، على ضوء التغييرات التي طرأت على خارطة السيطرة، وفق دابقي.
وكانت المستشارة الإعلامية للأسد، بثينة شعبان، قد صرحت بأن قرار الهدنة في إدلب مؤقت، في إشارة إلى أن قوات الأسد ستواصل الحملة بدعم روسي.
وأضافت لـ"قناة الميادين"، أن "الهدنة تخدم الاستراتيجية الكبرى للنظام التي تهدف لفرض سيطرته على كامل الأراضي السورية"، مبينةً أن "إعلانها ليس له علاقة بأي تفاهمات، وتم بقرار من سوريا وروسيا".