هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثار اعتقال رئيس جهاز الرقابة الإدارية في الشرق الليبي، على يد قوات تابعة للحكومة الموالية للواء، خليفة حفتر، ردود فعل غاضبة وتساؤلات حول تداعيات استمرار الاعتقالات والإخفاء القسري لأي صوت يعارض الحكومة وحفتر أو يكشف فسادهما.
واعتقل رئيس الرقابة الإدارية بمدينة البيضاء، عبدالسلام الحاسي، على خلفية تقرير للجهاز التابع لمجلس النواب للعام 2018، الذي رصد تجاوزات مالية وإدارية كبيرة للحكومة المؤقتة، غير المعترف بها دوليا، والذي طالب البرلمان بمساءلتها وكل من يتبعها من المتورطين في الفساد".
"تظاهر وعصيان مدني"
وفي أول رد فعل على الحدث، نظم أعضاء وموظفو هيئة الرقابة الإدارية وقفة احتجاجية أعلنوا فيها تعليق العمل حتى الإفراج عن رئيس الهيئة، والذي وصفوه بالماس بهيبة الدولة ومؤسساتها.
وأوضح الأعضاء في بيان، وصل "عربي21" نسخة منه، أن "التقرير المقدم ضد الحكومة وفسادها هو تقرير جماعي نتيجة جهد كبير من قبل المختصين وأنه مبني على مستندات ووثائق، مؤكدين أنهم مستمرون في الضرب بحديد على يد كل مفسد"، وفق البيان.
"فساد مستمر"
وعقب صدور التقرير رسميا نهاية الشهر الماضي، قال الحاسي إن "الهيئة قدمت التقرير إلى رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح لمساءلة الحكومة المؤقتة والجهات الواردة بالتقرير، ليتم اعتقاله أمس.
ورصد تقرير آخر صدر في شباط/ فبراير الماضي تجاوزات مالية وإدارية ارتكبتها الحكومة الموالية لحفتر في العام 2017.
والسؤال: ما تداعيات اعتقال هذا المسؤول الكبير دون إذن من الجهة التشريعية التابع لها؟ وهل يفتح الحدث ملف المعتقلين والمختفين قسريا على يد قوات "حفتر"؟
"اعتقال بأوامر حفتر"
من جهته، كشف الناشط من بنغازي وابن عم المسؤول المعتقل، عادل الحاسي أن "اعتقال قريبه عبدالسلام الحاسي تم بأوامر من مدير مكتب "حفتر"، اللواء عون الفرجاني وذلك بناء على شكوى من رئيس الحكومة المؤقتة، عبدالله الثني وبعض وزرائه على خلفية التقرير الذي أثبت وجود تجاوزات وفساد"، وفق معلوماته.
وقالت الناشطة الليبية، حنان خليفة إنه "من المؤكد أن "حفتر" له علاقة مباشرة بأمر الاعتقال والدليل أن كل من اختفى قسرا في الشرق الليبي لم تتجرأ الجهات المسؤولة هناك على فتح تحقيق بشأن كل تلك القضايا، وهذا الاعتقال يسلط الضوء على ملف الاعتقالات هناك".
اقرأ أيضا : سلطات شرق ليبيا تقترب من توقيع اتفاق تطوير ميناء مع شركة أمريكية
وأضافت لـ"عربي21": "ملف الاعتقالات يطول الحديث عنه وآخره اختطاف النائبة سهام سرقيوة لمجرد معارضتها للحرب التي يشنها "حفتر" على العاصمة "طرابلس"، وكل هذه التصرفات تعيد البلاد إلى عهد الثورة الليبية والتي كان شعارها كل من يعارض إما الاعتقال أو الموت"، حسب كلامها.
"تعدي على البرلمان"
وأكد عضو مجلس النواب الليبي، جبريل أوحيدة أن "اعتقال "الحاسي" هو اعتداء صارخ جديد على هيبة الدولة وسيادتها ومساسا واضحا بسيادة السلطة التشريعية الوحيدة في ليبيا "البرلمان" والذي تتبعه مباشرة الأجهزة الرقابية، وأن الخطوة تمت دون إذن من البرلمان، والرجل يتمتع بحصانة لا تنزع عنه إلا عن طريقنا".
وتابع لـ"عربي21": "شخصيا لم أطلع على تقرير الرقابة الأخير حتى الآن، لكني أعلم يقينا أن الفساد الإداري والمالي في ليبيا يزيد يوما بعد يوم في أي مكان يمول من خزينة الشعب، أما الاعتقال لمسؤول يتمتع بحصانة فهو بمثابة ضربة جديدة للمسار الوطني الذي نسلكه والذي لا يقبل التأويل من أي كان"، كما قال.
"سابقة خطيرة"
وبدوره قال الكاتب المدون من الشرق الليبي، فرج فركاش إن "الاعتقال غير القانوني يأتي ليؤكد حالة التخبط التي تمر بها حكومة "الثني" ومحاولتها للتغطية على تجاوزاتها المالية والإدارية التي كشفها تقرير "الحاسي"، ويؤكد أيضا وجود سلطات عليا هي من تتحكم في هذه الحكومة وقراراتها وأن الفساد سببه الانقسام السياسي الحالي".
وأوضح أن "تقرير الحاسي يثبت أن الفساد مستشر في كل أنحاء البلاد وهذا يسقط كل الادعاءات التي يستخدمها مبررو الحرب أن أحد الأسباب هو القضاء على الفساد، والاعتقال سابقة خطيرة تزعزع ثقة المواطن في كل الأجسام السياسية والعسكرية، وستكون لها ردات فعل في الشرق"، وفق تصريحاته لـ"عربي21".
"فساد عسكري"
ورأى الناشط الليبي، محمد خليل أن "اعتقال شخصية رفيعة مثل "الحاسي" لا يمكن أن يكون بدون أمر من حاكم الشرق، خليفة حفتر وهذا يؤكد أن الأخير أيضا متورط في عمليات الفساد المهولة التي أفصحت عنها الرقابة الإدارية والتي تخص حكومة الثني الموالية لحفتر".
وأشار لـ"عربي21" إلى أن "هذا الاعتقال هو استمرار لمسلسل الانتهاكات والقمع التي شملت الجميع حتى المسؤولين في الدولة من أمثال سهام سرقيوة، والرسالة أنه لا أحد بمعزل عن الاعتقال وحتى القتل في حال مخالفته لنهج "حفتر" وهو بذلك يرسي في ممارسات أسوأ حتى من نظام القذافي البائد"، وفق تعبيراته.
وقال المحلل السياسي الليبي، علي فيدان إن "للحدث دلالتان، الأولى هي الصورة التي تريد إعطاءها سلطات الأمر الواقع في الشرق الليبي بأن هناك دولة فعلية وحقيقية وبأن مكافحة الفساد تجري على قدم وساق في محاولة منها لمقارنة الوضع بغرب ليبيا وهو تسويق غير مباشر لحفتر وقواته هناك"، حسب تقديره.
وتابع لـ"عربي21": "الدلالة الثانية هي أن التقرير ربما قد مسّ بعض الشخصيات النافذة في حكومة "الثني" والتي عاثت في الأرض فسادا، لكن الغريب أن التقرير لم يتطرق إلى الفساد الذي قام به "حفتر" وأبناؤه والذي أكدته تقارير الأمم المتحدة في أكثر من موضع، أما الحديث عن الاعتقالات فقد اعتاد عليه أهل الشرق".