هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا للصحافيين كولام لينش وروبي غريمر، يقولان فيه إن اجتماعا لوزارة الخارجية الأمريكية سلط الضوء على الانزعاج الداخلي لتأثير الصين المتزايد في المنظمات الدولية.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن مسؤولين كبيرين في الخارجية الأمريكية أعربا عن عن قلقهما، عشية الاجتماع السنوي لزعماء العالم في الأمم المتحدة، من أن أمريكا تخسر نفوذها الدبلوماسي، في وقت تقوم فيه الصين بحملة طموحة لملء الفراغ، بحسب ما تم مناقشته في اجتماع داخلي للوزارة.
ويلفت الكاتبان إلى أن هذه المخاوف تظهر في وقت يعاني منه مكتب شؤون المنظمات الدولية، التابع للخارجية، الذي يتابع العلاقات مع المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة، من الفوضى بسبب المعنويات المتدنية، وهروب الموظفين، وصعوبة جذب كفاءات جديدة، مشيرين إلى أن السفيرة الجديدة للأمم المتحدة، كيلي كرافت، التي تم تأكيد تعيينها في 31 تموز/ يوليو، لم تتسلم بعد وظيفتها.
وتفيد المجلة بأن كلا من نائب وزير الخارجية جون سوليفان، ومساعد الوزير للشؤون السياسية ديفيد هيل، أشار إلى هذه القضايا خلال اجتماع مغلق في 29 آب/ أغسطس مع موظفي مكتب شؤون المنظمات الدولية، وأعربا عن قلقهما الخاص بشأن سعي الصين لتعميق نفوذها في الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية.
ويورد التقرير نقلا عن هيل، قوله، بحسب تقرير الاجتماع الذي وصل "فورين بوليسي": "إن الأمر أصبح أكثر صعوبة، حيث نواجه المحاولات المتزايدة والحملات التي تقوم بها الصين لكسب المزيد من النفوذ في هذه المنظمات".
وينوه الكاتبان إلى أن أمريكا وجدت صعوبة على مدى العامين ونصف الماضيين في حشد التأييد لها داخل الأمم المتحدة، لاحتواء نفوذ القوى المنافسة من إيران إلى روسيا والصين، التي حشدت دعم الأمم المتحدة لمبادرة الحزام والطريق، بالرغم من جهود أمريكا لمعارضتها، بالإضافة إلى أن إدارة ترامب أهملت التحذيرات المتكررة من الحلفاء بأن تراجعها عن الدبلوماسية متعددة الأطراف سيخلق فراغا قد يشجع على الفوضى، أو يترك مجالا لصعود قوى مثل الصين.
وتنقل المحلة عن وزير الخارجية الألماني، هيكو ماس، قوله في حزيران/ يونيو 2018: "سياسات ترامب الانعزالية تركت فراغا كبيرا في أنحاء العالم.. فمن سيملأ هذا الفراغ؟ القوى الاستبدادية؟ أي قوة على الإطلاق؟".
ويؤكد التقرير أن صعود الصين على المسرح العالمي كان نتيجة إضافية حتمية لنفوذها الاقتصادي المتزايد، الذي ساعدها على توظيف استثماراتها الأجنبية الضخمة في الحصول على دعم أوسع لسياساتها الخارجية، مشيرا إلى أن حلفاء أمريكا، خاصة الأوروبيين، حذروا المسؤولين في إدارة ترامب من أن التراجع النسبي لأمريكا من المنظمات الدولية والاتفاقيات التجارية من شأنه تسريع نفوذ الصين المتنامي.
ويورد الكاتبان نقلا عن الباحثة في مركز الأمن الأمريكي الجديد كريستين لي، قولها: "سعت إدارة ترامب لزيادة تركيز مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية على الصين.. لكن إهمال جزء مهم من هذه المعادلة، وهو المتعلق بصعود الصين في المنظمات الدولية والمؤسسات متعددة الأطراف، هو بمثابة إطلاق الشخص النار على قدميه".
وتشير المجلة إلى أن مكتب المفتش العام لوزارة الخارجية أصدر الشهر الماضي تقريرا، اتهم فيه مساعد وزير الخارجية لمكتب شؤون المنظمات الدولية، كيفين مولي وكبير مساعديه "بالمعاملة العدوانية" و"المضايقة" لموظفي المكتب المهنيين؛ بتهمة "عدم الولاء" بسبب آرائهم السياسية، وقد غادر العمل في المكتب 50 من 300 موظف منذ تسلم مولي عام 2018، وقال جميع من غادر تقريبا إن القيادة الضعيفة للمكتب ساهمت في قرارهم بالمغادرة"، بحسب التقرير، لافتة إلى أن المسؤولين ينكران بشدة هذه الاتهامات.
وبحسب التقرير، فإن المكتب تحت إدارة مولي جعل أولوياته تلك القضايا المهمة بالنسبة للبيت الأبيض، مثل تأييد جهود الحد من توفير العناية الصحية الإنجابية، وتخفيض النفقات على اللاجئين، وتخفيض التمويل لبرامج الأمم المتحدة، مشيرا إلى أنه حرم الخبراء من حضور الاجتماعات التي يتم فيها اتخاذ قرارات حول سياسة المكتب.
ويلفت الكاتبان إلى أن النائب الديمقراطي إليوت أنجل، طالب مدير لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، يوم الأربعاء، بفصل مولي وأي شخص آخر مسؤول عن الانتقام من الموظفين المحترفين؛ بسبب آرائهم السياسية.
وترجح المجلة أن "يبرز ترامب الاعتداء العالمي على الحرية الدينية، عندما يلقي خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 أيلول/ سبتمبر، وقد أحاط نفسه بمسؤولين متشككين تجاه الأمم المتحدة، وسعوا لتخفيض الدور الأمريكي في الأمم المتحدة وتمويلها، وفي ظل حكم ترامب انسحبت أمريكا من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ودفعت لقطع التمويل عن كل من صندوق السكان التابع الأمم المتحدة ولوكالة غوث اللاجئين".
وينوه التقرير إلى أن المزيد من الصينيين يحصلون على وظائف عليا في الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية، ففي حزيران/ يونيو تغلبت الصين على أمريكا في حملة لرئاسة منظمة الغذاء والزراعة التابعة للأمم المتحدة، التي مقرها روما، ففاز المرشح الصيني كو دونغيو، نائب وزير الزراعة والشؤون الريفية، بالمنصب، بعد أن حصل على 108 أصوات من 191 صوتا، في الوقت الذي حصلت فيه المرشحة الفرنسية كاثرين غيسلين لانيلي، المدعومة من الاتحاد الأوروبي، على 71 صوتا، فيما دعمت أمريكا، التي انفصلت عن حلفائها الأوروبيين، المرشح الجورجي، دافيت كيرفاليدز، الذي حصل على 12 صوتا.
ويذكر الكاتبان أن هيل أشار إلى الهزيمة في منظمة الغذاء والزراعة في نقاشه مع مكتب شؤون المنظمات الدولية، قائلا: "هناك بعض الدروس التي يجب أن نتعلمها من التجربة التي نقوم بتطبيقها لبعض المعارك القادمة".
وتقول المجلة إنه في الوقت ذاته فإنه يبدو أن المكتب لم يفعل شيئا للترويج لأشخاص أمريكيين لشغل وظائف في الأمم المتحدة، لافتة إلى أنه عندما أشار أحد موظفي المكتب إلى أن القسم المسؤول عن الترويج لأشخاص أمريكيين للعمل في المنظمات الدولية، الذي يتألف من خمسة موظفين، فقد كل موظفيه، وسأل عن الاستراتيجية التي يتم التفكير فيها لتغيير هذا الأمر، فإن هيل لم يجد إجابة، وقال: "للأمانة، لا علم لي بالاستراتيجية.. لم أكن على علم بأن المكتب خال من الموظفين".
ويفيد التقرير بأن أحد مساعديه تدخل ليطمئن الموظفين بأنه يعمل مع كبار المسؤولين لإعادة تشغيل المكتب.
ويستدرك الكاتبان بأن سوليفان وهيل شددا على أن مقاومة طموحات الصين في المنظمات الدولية هي الأولوية الرئيسية لوزير الخارجية مايك بومبيو، وأقر سوليفان بالدور المتضائل الذي أدته وزارة الخارجية منذ الأيام الأولى لإدارة ترامب، وقال إن الوزارة كانت في موقع الدفاع مع البيت الأبيض خلال عهد وزير الخارجية ريكس تيلرسون.
وتشير المجلة إلى أنه عندما سئل هيل عن معاملة الموظفين التي كشفها تقرير المفتش العام، وكيف تتماشى مع وعد بومبيو عندما تسلم الوزارة بأن يعيد "الهيبة" للسلك الدبلوماسي، فإنه أجاب قائلا: "لا تتماشى معه، لا تتماشى أبدا، وهذا هو سبب وجودي هنا".
ويلفت التقرير إلى أن سوليفان اعترف بأن تطبيق سياسة الإدارة وتوفيق ذلك مع ما يريده كل من البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي وغيره من الوكالات "كان تحديا"، وقال إنه مع ذلك يستمر في الصراع لأجل أولويات وزارة الخارجية ووزير الخارجية في المفاوضات بين الوكالات، وفي الحوار مع البيت الأبيض، لكنه أقر أيضا بأنه خسر معارك أكثر مما ربح، وأشار إلى أن المسؤولين في وزارة الخارجية في العادة "يشلهم" الخوف من الخروج عن رغبات البيت الأبيض، خاصة عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الحساسة مع الصين.
وينقل الكاتبان عن سوليفان، قوله إنه لمس شيئا من "الجبن" من المسؤولين المهنيين الكبار والموظفين السياسيين عندما كان الأمر يتعلق بالتعامل مع الصين؛ خشية أن يكونوا علة نحو مضاد للرئيس أو ممثليه التجاريين إن شجعوا سياسات قد تهدد أو تعيق المفاوضات التجارية في بكين.
وتقول المجلة إن هيل والموظفين الآخرين عادوا إلى عهد ما قبل ترامب، عندما كان مكتب شؤون المنظمات الدولية في قلب النشاط خلال المفاوضات الدبلوماسية في الأمم المتحدة، واستذكروا كيف كان المكتب هو اللاعب الرئيسي في قمم الأمم المتحدة، وكيف تراجع على مدى السنوات القليلة الماضية.
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى أن هيل سعى لطمأنة الموجودين في الاجتماع بأن المكتب سيعود إلى سابق عهده، لكن هذا يعتمد على كيفية تحركهم إلى الأمام.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)