السيناريوهات التركية في شرق الفرات

لم تمض ساعات قليلة على انتهاء تسيير القوات التركية والأمريكية دوريات مشتركة في شرق الفرات، حتى أطلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تصريحه الثاني خلال يومين، حين قال: "إن تركيا ترفض محاولة إنشاء الولايات المتحدة منطقة آمنة لمصلحة وحدات حماية الشعب الكردية".

أن يأتي هذا التصريح فورا بعد تسيير الدوريات المشتركة، فإنه مؤشر واضح على عدم رضى صناع القرار في أنقرة عن الخطوات الأمريكية.

الدوريات المشتركة أظهرت للأتراك خلو الشريط الحدودي من "قوات سوريا الديمقراطية"، وبالتالي لا يوجد تهديد كردي لتركيا، لكن هل هذا ما تريده تركيا؟

الخلاف بين الطرفين واضح، ولم يخفه الرئيس أردوغان قبل أسبوع، بقوله: إن كل خطوة نخطوها نشاهد أن ما نريده ليس نفس الشيء الذي يدور في عقول الأمريكيين.

خلاف استراتيجي

يمكن اختزال الخلاف بين أنقرة وواشنطن في أن الأولى تريد حماية نفسها ومصالحها القومية الحالية والبعيدة، في حين تريد واشنطن حماية الأكراد.

هذا الخلاف هو الذي منع المسؤولين الأمريكيين من استخدام مصطلح المنطقة الآمنة، واكتفوا بترداد الترتيبات الأمنية.

بين هاتين الصيغتين هوّة كبيرة، فالمنطقة الآمنة وفق القاموس التركي تعني التغول في عمق الأراضي السورية بعمق نحو 35 كلم، من أجل الوصول إلى الطريق الدولي M4 الذي يقطع محافظة الرقة من وسطها.

 

الخلاف بين الطرفين واضح، ولم يخفه الرئيس أردوغان قبل أسبوع، بقوله: إن كل خطوة نخطوها نشاهد أن ما نريده ليس نفس الشيء الذي يدور في عقول الأمريكيين.

وفي هذه المناطق ثمة بلدات كردية، الأمر الذي سيجبرها على المغادرة مع ما يعنيه ذلك من تغيير في البيئة الديمغرافية التي حاول الأكراد تعزيزها بقوة خلال السنوات السابقة.

وذهب الأتراك خطوة متقدمة إلى الأمام، لا تخلو من الدهاء السياسي، حين أكدوا على ضرورة عودة اللاجئين من أهل المنطقة إلى ديارهم، وهؤلاء اللاجئون هم من العرب السنة.

الغاية من ذلك، أنه إذا فشلت تركيا في تطبيق المنطقة الآمنة وفق ما تريد، فعلى الأقل تكون قد حظيت برضى أمريكي بعودة اللاجئين، الذين سيكون وجودهم سببا في تعديل البيئة الديمغرافية لصالح العرب.

المنطق التركي، بدا مرفوضا من قبل الولايات المتحدة، فالخطوات التي قامت بها الوحدات الكردية بتشكيل مجالس عسكرية للمناطق المستهدفة، ليست سوى إعادة تموضع للوحدات في لباس جديد، وهذا تم بعلم أمريكي، وهو دليل على أن الترتيبات الأمنية التي تتحدث عنها الولايات المتحدة ستكون محصورة في الشريط الحدودي.

وقد عبر مصطفى بالي مدير المركز الإعلامي لـ "قوات سوريا الديمقراطية" عن ذلك، حين قال: "إن القوات التركية وقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة ستحرس القطاع الحدودي من داخل تركيا إذ إن مركز العمليات أنشئ في الجانب التركي".

وكان رئيس هيئة الدفاع التابعة لـ "الإدارة الذاتية" الكردية زيدان العاصي قد أعلن نهاية الشهر الماضي، أنّ المرحلة الأولى من المنطقة الآمنة تشمل الأولى انسحاب "قوات سوريا الديمقراطية" على عمق يتراوح بين 5 ـ 14 كيلومترا، من بلدات وقرى منطقتي رأس العين وتل أبيض، وأن من سيتولى إدارة هذه المنطقة هم أبناء القيادة الأمنية والإدارة المحلية دون تدخل من تركيا.

ويكمن الاعتراض الأمريكي الثاني على مسألة عودة اللاجئين، فإذا كانت الإدارة الأمريكية لم تمانع هذه العودة، فإنها اشترطت أن تكون العودة طوعية وأن تكون لأهالي المنطقة فقط.

 

أعلن الرئيس التركي قبل نحو أسبوع أن بلاده تضع على أجندتها حاليا مسألة تطهير شرق الفرات من "التنظيمات الإرهابية" في سوريا، وستحل هذا الأمر خلال بضعة أسابيع.

ويكمن الاعتراض الأمريكي الثالث في عدم تغيير الحكم المحلي والمجالس المدنية التي أقامها "حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردي، حيث تعتقد واشنطن أن هذه المجالس باتت أكثر تعبيرا عن البنية الديمغرافية في المنطقة.

السيناريوهات الممكنة 

أعلن الرئيس التركي قبل نحو أسبوع أن بلاده تضع على أجندتها حاليا مسألة تطهير شرق الفرات من "التنظيمات الإرهابية" في سوريا، وستحل هذا الأمر خلال بضعة أسابيع.

تهديدات أردوغان، استكملها وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو الثلاثاء، بقوله إن بلاده لديها خطة جاهزة لتطهير مناطق شرق الفرات السورية، في حال عدم نجاح التعاون مع واشنطن لإنشاء المنطقة الآمنة.

في ضوء ذلك، ثلاثة سيناريوهات فقط:

1 ـ أن تُبقي تركيا على تهديداتها، كورقة ضغط سياسية على الولايات المتحدة، وتعول أنقرة على تكرار ما جرى قبيل تحقيق الاتفاق مع الولايات المتحدة، حيث رفعت أنقرة آنذاك من مستوى تهديداتها، ومن مستوى حشودها العسكرية على الحدود، الأمر الذي دفع الإدارة الأمريكية لإنجاز الاتفاق حول شرق الفرات.

وإذا ما استمرت الضغوط السياسية والعسكرية التركية، فإنها قد تدفع واشنطن للمضي قدما في تطبيق المرحلة الثانية من الاتفاق.

2 ـ شن تركيا لهجوم عسكري، لكن هذا الاحتمال يواجه مصاعب عدة:

ـ من شأن الهجوم العسكري التركي أن يؤدي إلى اشتباك مباشر مع القوات الأمركية، خصوصا أن واشنطن رفضت إعطاء أنقرة إحداثيات تواجد القوات الأمريكية شرق الفرات.

ـ لن تكون العملية العسكرية سهلة، فالوحدات الكردية لديها أسلحة متنوعة ومتطورة ولديها تدريب عال، ومثل هذه العملية ستدفع الوحدات الكردية وحلفاءها للتحالف في جبهة واحدة.

ـ التبعات السياسية التي قد تترتب عن هذه العملية، في ظل حالة من التوتر المستمرة مع واشنطن، ولا تريد تركيا أن تصل هذه العلاقة إلى نقطة الصفر السياسي، في وقت ليست فيه علاقة تركيا مع الاتحاد الأوروبي على ما يرام.

ـ من الطبيعي أن تؤدي التبعات السياسية إلى تبعات اقتصادية، وتستغل واشنطن الخطأ التركي لفرض عقوبات اقتصادية عليها، وقد ألمح وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين، عن احتمالية فرض عقوبات أميركية على تركيا على خلفية صفقة الصواريخ الروسية "S 400".

ـ تهديدت الوحدات الكردية من فتح مخيم الهول وإخراج المئات من مسلحي داعش الأجانب، وفي حال حدث ذلك، ستحمل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تركيا المسؤولية.

3 ـ أن تقدم تركيا على شن هجوم عسكري محدود للغاية، لا يؤثر سلبا على القوات الأمريكية ولا يهدد الوحدات الكردية بشكل مباشر، ويبدو هذا السيناريو ممكنا، لأنه يحفظ ماء الوجه لتركيا، ويجعلها أمام الأمريكين جادة بتنفيذ تهديداتها.

*إعلامي وكاتب سوري