أيها "المتأيقنون".. لستم الدولة ولا الثورة

ما أكثر ما يشيع الإعلاميون، سامحهم الله، ألفاظا لا يدركون أبعادها ويستخدمونها سبهللة، ومن هذه الألفاظ يقولون: فلان أيقونة الثورة بدون وعي بدلالات كلمة أيقونة..

والأيقونة"، حسب المسيري في كتابه اللغة والمجاز"، تعني "صورة" أو "تمثيل". وفي السياق المسيحي تعني الكلمة "لوحة" أو "رسم بارز" (بالفرنسية: Bas-relief) أو لوحة فسيفسائية للمسيح أو العذراء (وأحيانا أحد القديسين).

وتاريخيا، فإن الأيقونات كانت وسيلة أو وسيطا للعابدين، حتى يمكن للشخص المقدّس المصوّر في الأيقونة والمتجسّد فيها أن يستمع لدعواتهم.

وقد ظهرت في القرنين الثامن والتاسع (تحت تأثير الإسلام)، كما يرى الموسوعي عبد الوهاب المسيري، حول القسطنطينية حركة تسمى "أيكونوكلازم iconoclasm"، أي "تحطيم الأيقونات" أو "تحطيم الأوثان"، وقد ذهب دعاة هذه الحركة إلى أن الأيقونات تشكل سقوطا في الوثنية، باعتبار أن كثيرا من المصلين أصبحوا يظنون أن الأيقونة هي موضع الحلول الإلهي بالفعل، لا مجرد رمز له، وأن التمثال الذي يقفون أمامه قد حل فيه الإله فأصبح التمثال هو الإله، أي أن الإله "تصنّم" .

فالتأيقن في أعلى مراحله هو التصنّم والتوثُن، والتأيقن في عالم اللغة هو محاولة إلغاء المسافة بين الدال والمدلول، إلى أن يصبح الدال مثل الصورة، يتحد من خلالها مع المدلول. فنحن حين ننظر إلى صورة نرى أن ألوانها وأشكالها هي مضمونها نفسه.

فحين نقول إن فلانا أيقونة الثورة، فإننا نعني أن فلانا والثورة صارا أمرا واحدا أو لوحة واحدة.

أي أن التأيقن هو أن يصبح الدال مدلولا، ملتفا حول نفسه لا يشير إلى شيء خارج ذاته. ففلان هو الثورة ، وبالتالي فحالة التأيقن الكاملة هي حالة الالتفاف الكامل حول الذات، وكثيرا من الحكام الطغاة يماهي بين ذاته والدولة كأنه أيقونتها.

فيأمر محكوميه ألا يسمعوا من أحد إلا هو، وإذا فعل أي فعل فإن مردوده للدولة التي يحكمها، والتي إن هي إلا هو، ليس إلا، فهو أيقونتها.

أما الأيقونات الجماعاتية فإنها لا تشع إلا على نفسها ولا تشي دلالتها أكثر من مدلولها نفسها، فإن كانت ذات صبغة دينية فهي الدين، وإن كانت ذات صبغة أيديولوجية فهي صاحبة الصك الوحيد للتمثيل عن الأيديولوجيا تلك.

وكذلك الأفراد الذين يلقي الإعلام عليهم، جزافا لأغراض تسويقية تخصه، وصف أيقونة الثورة، وهم كائنات أيقونية ابتلعت ثورتها، فلا يرون الثورة إلا فيهم ولا ثورة إلا هم.

وكلها مصطلحات في جوهرها المعرفي معادية لإنسانية الإنسان، تلغي المسافة بين الدال والمدلول والحاكم، والإطار الذي به يحكم، والسلوك الثوري أو الدعوي، والثورة والدعوة نفسها.. ألا شاه ما يفعلون.