منذ يوم الثلاثاء الماضي والعاصمة
العراقيّة، بغداد، وكافّة مدن الجنوب؛ تزداد في أرجائها شدّة
المظاهرات الرافضة
لاستمرار
الفساد والبطالة والفشل في بناء الدولة!
ومع الساعات الأولى لانطلاق المظاهرات
لاحظنا غياب الحكمة الحكوميّة في التعامل مع تلك المظاهرات السلميّة، حيث استُخدمت
القوّة المفرطة، وتسبّبت بمقتل ما لا يقلّ عن 50 مواطناً، وجرح أكثر من ألف آخرين!
وفي ساعة مبكّرة من صباح الجمعة، قال
رئيس الوزراء العراقيّ عادل عبد المهدي عبر خطاب تقليديّ: "واثقون من صواب نهجنا
وسياستنا المثمرة"!
ولا ندري هل من السياسة والصواب قتل
عشرات المدنيّين العزل، وجرح أكثر من ألف متظاهر، واستمرار الوعود الحكوميّة التخديريّة
التي لا يمكن تنفيذها في المديات المنظورة؟
غالبيّة المتظاهرين هم من الشباب الذين ترعرعوا
في مرحلة ما بعد العام 2003، وغالبيّتهم في العقد الثاني من أعمارهم!
هؤلاء الشباب وجدوا أنفسهم بلا حقوق، وبلا
مستقبل، وبلا أيّ بَصيص أمل يمكن أن يكون مهدئاً لهم من أجل انتظار الأفضل، ولهذا خرجوا
بمظاهرات عفويّة، وهم يردّدون: "سلميّة، سلميّة"، لكن يبدو أنّ هنالك منْ
يحاول خلط الأوراق، لذلك رأينا حرقاً لبعض المقار الحكوميّة والحزبيّة في بغداد والمحافظات،
وهذا الأمر ليس من مصلحة المتظاهرين لأنّه يُعطي الذريعة للقوات الأمنيّة لضربهم!
المتظاهرون العراقيّون وصلوا إلى مرحلة الانفجار
الشعبيّ، وهذا الانفجار ليس جديداً، وكانت شرارته الأولى في العام 2013، في الحويجة
والأنبار وديالى والموصل وغيرها من المدن الثائرة، من أجل تعديل الحالة الخاطئة في
البلاد لكن، ومنذ ذلك اليوم وحتّى الساعة، واجهت الحكومات المتعاقبة الجماهير بأسلوب
دمويّ دكتاتوريّ عقّد المشكلة المعقّدة أصلاً!
ما الذي دفع هؤلاء للخروج؛ ولمواجهة الرصاص
الحيّ بصدور عارية، وهم في ريعان الشباب؟
هذا السؤال يؤكّد أنّهم وصلوا لمرحلة اليأس
من الحالة القائمة، ومن ضياع مستقبلهم؛ ولهذا فكروا بضرورة أن يوجدوا حالة صحّيّة لهم
ولمستقبلهم ولبلادهم، ولذلك كانت انتفاضتهم!
حاولت الحكومة الأربعاء الماضي سحق
المظاهرات، فنشرت أجهزة مكافحة الشغب، وقطعت الطرق، وأوقفت الإنترنت، وطبّقت حظراً
للتجوال، لكنّنا، ورغم هذه الخطوات غير الهيّنة، رأينا استمراراً لتدفق المواطنين
إلى مواقع التظاهر، وبقاء أصواتهم مدوّية مطالبة بالتغيير والعيش الكريم!
واجهت حكومة المهدي المظاهرات السلميّة بنيران
الأسلحة القاتلة، وهذا الأمر لا يمكن تقبّله لأنّه يتناقض مع الدستور، ومع كافّة النُظم
الإنسانيّة العالميّة؛ وكان يتوجّب عليها أن تواجه الموقف بالحكمة والصبر والنفس الطويل،
ومحاولة تفهّم حقيقة مطالب الجماهير، والسعي لتنفيذها قدر الإمكان!
الانفجار الشعبيّ ما زال مستمراً رغم
مطالبة "مرجعيّة النجف" للتهدئة، ولهذا هنالك العديد من السيناريوهات
المتوقّعة في ضوء الربكة القائمة!
وبناءً على هذا الغموض، وتحسباً لخروج
الأمور عن السيطرة، ربّما ستسعى بعض الأطراف الداخليّة، أو الخارجيّة إلى خلط الأوراق،
عبر استهداف أحد "مراقد الأئمة" في
العراق، أو اغتيال شخصيّة سياسيّة،
أو دينيّة مهمّة، وتكون الغاية هي قلب المعادلة، وتوجيه البوصلة نحو زاوية جديدة، وربّما
ستدخل البلاد حينها، لا قدّر الله، في حرب أهليّة، وهذا ما لا نأمله. لكنّ كلّ التوقّعات
قائمة، ومن الممكن أن تسعى الأطراف التي تتخوّف من فقدان الحكم إلى مثل هذه الأساليب
الشيطانيّة الوضيعة، التي تؤمِّن لهم البقاء الأطول في الحكم!
ورغم كل الخطط الطالحة، إلا أنّني أتصوّر
أنّ العراقيّين اليوم واعون جداً لمثل هذه الأساليب التي يُراد منها زرع الفتنة، وبقاء
القوى المدمّرة، وغير المنتجة في الحكم لأطول فترة ممكنة!
مظاهرات العراق، ورغم محاولة بعض الأطراف
ركوب موجتها، أوصلت رسالة كبيرة للعالم مفادها أنّ العراقيّين في الجنوب قبل غيرهم
غير مؤيّدين لأسلوب إدارة البلاد، وأنّهم فاهمون لحقيقة أنّ العمليّة السياسيّة
خلّفت هذا الكمّ الهائل من الخراب الماليّ والإداريّ، وأنّها عجزت عن تقديم
المأمول منها!
المظاهرات السلميّة الإصلاحيّة هي الطريق
الأوحد لخلاص العراق ونهضته!
فهل ستبقى على سلميّتها، أم ستحاول
القوى التخريبيّة شيطنتها وقيادة البلاد لحافة الهاوية؟!