هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحافيين إريك شميت وماغي هابرمان وإدوارد وونغ، يقولون فيه إن هناك تغيرا كبيرا في السياسة العسكرية في سوريا.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن تصريحا صدر عن البيت الأبيض يفيد بأن الرئيس دونالد ترامب صادق على العملية العسكرية التركية، التي ستزيح المليشيات الكردية المدعومة من أمريكا، والقريبة مع الحدود داخل سوريا.
ويفيد الكتّاب بأن تركيا تعد القوات الكردية منظمة إرهابية متمردة، وسعت لفترة طويلة لإنهاء الدعم الأمريكي لها، مستدركين بأن المقاتلين الأكراد يشكلون جزءا من قوات سوريا الديمقراطية، التي كانت أهم شركاء أمريكا في الحرب على تنظيم الدولة، في زاوية استراتيجية من شمال سوريا.
وتقول الصحيفة إن قرار ترامب الآن يعد معاكسا لتوصيات كبار المسؤولين في البنتاغون ووزارة الخارجية كلها، الذين سعوا لإبقاء وجود عسكري صغير لأمريكا في سوريا، للاستمرار في العمليات ضد تنظيم الدولة، وليشكل ثقلا مقابل إيران وروسيا.
ويورد التقرير نقلا عن المسؤولين في الإدارة، قولهم بأن الرئيس ترامب تحدث بشكل مباشر مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول الموضوع يوم الأحد، وأشار المسؤولون إلى أن 100 إلى 150 جنديا أمريكا تم نشرهم في المنطقة سيتم سحبهم قبل بدء تركيا في العملية، لكنهم لن ينسحبوا تماما من سوريا.
وينقل الكتّاب عن البيت الأبيض، قوله في بيان تم نشره ليلة الأحد قبل الساعة 11 مساء في واشنطن: "ستبدأ تركيا قريبا بالمضي قدما في عمليتها التي خططت لها لفترة طويلة في شمال سوريا.. ولن تقوم القوات الأمريكية بدعم العملية أو المشاركة فيها، بالإضافة إلى أن القوات الأمريكية وبعد أن هزمت تنظيم الدولة.. لن تكون في المنطقة المباشرة".
وتلفت الصحيفة إلى أنه لم يكن واضحا مدى اتساع العملية التركية، وإن كانت القوات التركية ستشتبك مع القوات الكردية المدعومة من أمريكا أم لا، مشيرة إلى أن هذا تطور قد يعرض الكثير من المكاسب في الحرب على الإرهاب، التي حققها الجيش الأمريكي ضد تنظيم الدولة، للخطر.
ويذكر التقرير أن ترامب قد دعا في شهر كانون الأول/ ديسمبر، إلى انسحاب كامل من سوريا، لكنه عاد عن ذلك بعد ردة فعل قوية من مسؤولي البنتاغون والدبلوماسيين والعاملين في المخابرات، وكذلك من حلفاء في أوروبا والشرق الأوسط.
ويورد الكتّاب نقلا عن مدير برنامج البحث التركي في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ومؤلف كتاب "إمبراطورية أردوغان: تركيا وسياسات الشرق الأوسط"، سونر تشاغابتاي، قوله في مقابلة هاتفية بأن اجتياحا تركيا دون مواجهة أي تحد من أمريكا سيسمح لتركيا بأن تقتطع مساحة أخرى من المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في سوريا، وهذا ما سيعطي أردوغان مكانا جاهزا لإرسال مئات آلاف اللاجئين السوريين، ويثبت مرة أخرى تأثيره على ترامب في السياسة تجاه سوريا، وأضاف كاغابتي: "إنه تطور مهم جدا".
وتنوه الصحيفة إلى أن العديد من الخبراء في الشأن السوري انتقدوا قرار البيت الأبيض، وحذروا من أن تخلي أمريكا عن حلفائها الأكراد سيوسع الصراع السوري، الذي دام ثماني سنوات، ويجعل الأكراد يتحالفون مع الحكومة السورية والرئيس بشار الأسد لمحاربة الجيش التركي الأكبر والأكثر تقدما تكنولوجيا.
ويشير التقرير إلى أن النائب عن الحزب الديمقراطي روبين غاليغو، الذي كان في قوات المارينز سابقا، وخدم مع القوات في حرب العراق، غرد ليلة الأحد، قائلا: "السماح لتركيا بأن تدخل إلى شمال سوريا هو أحد أكبر التحركات زعزعة للأوضاع في الشرق الأوسط.. ولن يثق الأكراد بأمريكا بعدها، وسيبحثون عن حلفاء جدد، أو الاستقلال لحماية أنفسهم".
ويلفت الكتّاب إلى أن أردوغان طالب بوجود "منطقة آمنة" تقوم بلده بإدارتها على عمق 20 ميلا، وعلى امتداد 300 ميل، بجوار الحدود التركية السورية شرقي الفرات، وقال إن تلك المنطقة ستخصص لعودة مليون لاجئ سوري على الأقل موجودين الآن في تركيا، وهدد أردوغان بإرسال موجة من اللاجئين السوريين إلى أوروبا إن لم يحظ بدعم المجتمع الدولي لمبادرته لإعادتهم إلى سوريا.
وتقول الصحيفة إن القوات الأمريكية والتركية قامتا منذ بداية آب/ أغسطس، بالعمل معا في سلسلة من إجراءات بناء الثقة، بما في ذلك تحليق طائرات تجسس ودوريات مشتركة في قطاع طوله 75 ميلا من منطقة الحدود البالغ طولها 300 ميل، مشيرة إلى أن القوات الكردية المدعومة من أمريكا قامت بالانسحاب عدة أميال، ودمرت التحصينات في المنطقة.
ويستدرك التقرير بأن وتيرة تلك العمليات لم تكن بالسرعة التي يريدها أردوغان، الذي بدأ يلمح الأسبوع الماضي إلى أنه يسعى للقيام بعملية عبر الحدود، وهو ما فعله خلال الصيف، الأمر الذي أدى إلى تحرك دبلوماسي أمريكي مدعوم بإجراءات بناء الثقة، مشيرا إلى أن كلا من وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي، قاما بالاتصال بنظيرهما التركيين الأسبوع الماضي؛ للتخفيف من الاحتقان، إلا أن تهديدات تركيا التي لم تحل أدت إلى قرار ترامب يوم الأحد.
ويذكر الكتّاب أن المسؤولين الأمريكيين الذين تم الاتصال بهم ليلة الأحد رفضوا تحديد المسافة التي ستعيد عليها القوات الأمريكية انتشارها، ولم يذكروا إن كان ذلك يشكل بداية لانسحاب القوات الأمريكية المؤلفة من 1000 جندي، والموجودة حاليا في شمال شرق سوريا للقيام بعمليات مكافحة للإرهاب وتقديم الدعم للقوات الحليفة، مشيرين إلى أن القوات الأمريكية تعتمد على قوات سوريا الديمقراطية، المؤلفة من 60 ألف مقاتل من المليشيات الكردية والعربية.
وتنقل الصحيفة عن أحد المسؤولين، الذي اشترط عدم ذكر اسمه لوصف الحالة العسكرية، بأن القوات الأمريكية ستنسحب من شمال شرق سوريا "لتفسح المجال".
وبحسب التقرير، فإن المسؤولين وصفوا التوتر السياسي والعسكري الناتج عن سحب القوات الأمريكية بين حليفين مهمين في الحرب الأهلية السورية، فتركيا عضو رئيسي في اتحاد الناتو، لكن قوات سوريا الديمقراطية كانت شريكا في الحرب على تنظيم الدولة، وقال المسؤول: "لن ندعم الأتراك، ولن ندعم قوات سوريا الديمقراطية.. وإن تقاتلوا فسنبقى بعيدين عن ذلك".
ويقول الكتّاب إن هناك توترا قويا داخل الإدارة حول سوريا أيضا، ففي أواخر كانون الأول/ ديسمبر 2018، استقال وزير الدفاع جيم ماتيس بسبب أوامر ترامب المفاجئة بسحب 2000 جندي أمريكي من سوريا، وبعد ذلك بيومين استقال المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف لمكافحة تنظيم الدولة بريت ماكيرك، وفي الأشهر التي تبعت ذلك عمل المسؤولون الأمريكيون في الكواليس بصمت لإبقاء وجود عسكري أمريكي في شمال شرق سوريا.
وتبين الصحيفة أنه حتى أسبوع اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة أواخر أيلول/ سبتمبر، فإن المسؤولين الأمريكيين الكبار كانوا يقولون بأن هناك توافقا داخل الحكومة الأمريكية، بما في ذلك ترامب، حول ضمان سلامة القوات الكردية، ومنع الرغبة التركية المستمرة في مهاجمة تلك القوات.
ويستدرك التقرير بأنه في حوالي الوقت ذاته كان المسؤولون الأتراك يرون الأمور بمنظار آخر: فقالوا إنهم يلمسون انقساما حادا بين ترامب وغيره من المسؤولين الأمريكيين -وبالذات مع جنرالات القيادة المركزية للقوات الأمريكية، التي تشرف على القوات الأمريكية في الشرق الأوسط- ففي الوقت الذي كان فيه من الواضح أن الجنرالات يريدون منع تركيا من إنشاء منطقة آمنة، وإبقاء قوات أمريكية هناك، فإنه من الواضح أن ترامب يريد خروج القوات الأمريكية، وأنه في المحصلة قد يستطيع تحقيق رغبته.
وينوه الكتّاب إلى أن أردوغان سافر إلى نيويورك بهدف الحديث عن سوريا والأكراد مع ترامب في اجتماع خاص، وكان قد حضر عشاء جماعيا برعاية ترامب، لكنهما لم يجتمعا رسميا خلاله، وقال ترامب في أحد الأنشطة بأن أردوغان "أصبح صديقا لي".
وتقول الصحيفة إنه ربما كانت المكالمة الهاتفية بين الرجلين يوم الأحد بديلا عن الاجتماع الذي لم يقع، مشيرة إلى قول ماغيرك بعد سماعه قرار ترامب يوم الأحد: "يبدو أن هذا قرار متهور آخر تم اتخاذه دون نقاش أو استشارة بعد مكالمة هاتفية مع زعيم أجنبي، فبيان البيت الأبيض لا علاقة له بالحقائق الموجودة على الأرض، وإن تم تطبيقه فإنه سيزيد من الخطر على قواتنا، ويسرع من عودة تنظيم الدولة".
ويفيد التقرير بأن المسؤولين الأتراك أشاروا إلى تفاعل ترامب الإيجابي مع أردوغان خلال قمة العشرين في اليابان في حزيران/ يونيو، على أنها مؤشر آخر على علاقة الزعيمين القوية، وكان ذلك الاجتماع الثنائي حول موضوع أمني آخر بين تركيا وأمريكا، وهو ما يتعلق بشراء منظومة الدفاع الصاروخية الروسية أس – 400، لكن ترامب طرح تلك القضية جانبا.
ويشير الكتّاب إلى أن بيان البيت الأبيض يوم الأحد جاء في وقت يقوم فيه تنظيم الدولة باستجماع قوته، حيث يقوم بهجمات في العراق وسوريا، ويعيد تشكيل آلية تمويله، ويستهدف مجندين جددا من مخيمات اللاجئين التي يديرها التحالف، بحسب ما يقوله الجيش الأمريكي وخبراء مكافحة الارهاب لدى المخابرات.
وتجد الصحيفة أنه مع أن ترامب أعلن عن هزيمة تامة لتنظيم الدولة هذا العام، وأكد انتهاء سيطرته على مساحات في بيان ليلة الأحد، فإن المسؤولين في الدفاع يرون الأمور من منظور مختلف، حيث يعترفون بأن بقية التنظيم موجودة وستبقى.
ويلفت التقرير إلى أن تنظيم الدولة قام على مدى الأشهر الأخيرة بشق طريقه إلى مخيم الهول في شمال شرق سوريا، مشيرا إلى أنه لا يوجد أي خطط للتعامل مع 70 ألف شخص يعيشون في المخيم، بما في ذلك الآلاف من عائلات مقاتلي تنظيم الدولة.
ويورد الكتّاب نقلا عن المسؤولين الأمنيين الأمريكيين، قولهم بأن مخيم الهول، الذي يديره الحلفاء الأكراد السوريون بقليل من المساعدات والأمن، يتحول إلى أرضية خصبة لفكر تنظيم الدولة، بالإضافة إلى أن القوات الكردية المدعومة أمريكيا تحتفظ بعشرة آلاف مقاتل من تنظيم الدولة، بينهم 2000 أجنبي في سجون منفصلة.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن قول المسؤولين الأمريكيين، إن بقاء هؤلاء قيد السجن قد يكون مهددا اعتمادا على ما إذا كان دخول القوات التركية سيتسبب بصراع أوسع في شمال شرق سوريا.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)