تدفع التصريحات الروسية الأخيرة عن انتهاء الأعمال القتالية في
سوريا، وكذلك التركيز المكثف على إطلاق عمل اللجنة الدستورية السورية، بمراقبين إلى الجزم بتبدل الأولويات الروسية في الملف السوري، وانتقالها من الشق العسكري إلى السياسي.
وقرأ مراقبون في التصريحات الروسية المتكررة عن انتهاء الأعمال القتالية في سوريا، توجها نحو وضع حد لحرب لا نهاية لها.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد أعلن قبل أيام، أن الأعمال القتالية واسعة النطاق في سوريا انتهت، مشيرا إلى ضرورة العمل على حل الأزمة السورية عن طريق التسوية السياسية.
وأضاف خلال الجلسة العامة لمنتدى "فالداي" للحوار في منتجع سوتشي الروسي، "نحن وشركاؤنا الإيرانيون والأتراك، بذلنا جهودا كبيرة لتشكيل اللجنة الدستورية، ونتطلع الآن إلى بداية هذه العملية، عمل هذه اللجنة الدستورية في جنيف تحت رعاية الأمم المتحدة".
وسبق وأن أدلى وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بتصريحات مشابهة، حيث اعتبر في تصريح له منتصف أيلول/سبتمبر الماضي، أن "الحرب في سوريا انتهت، وأن البلاد تعود تدريجيا إلى الحياة الطبيعية".
وحول دلالة هذه التصريحات وجديتها، وصف الكاتب الصحفي، المتخصص بالشأن الروسي، طه عبد الواحد، الدعوات الروسية إلى التركيز على المسار السياسي للحل في سوريا بـ"الدعوات الجدية".
وحول الأسباب التي دفعته إلى ذلك، قال لـ"عربي21":
روسيا ليست مستفيدة من حرب لا نهاية لها، وهي تريد حصد النتائج الاقتصادية، أو ثمن دعمها للنظام السوري، مستدركا "هذا ممكن فقط في حال استقر الوضع، والاستقرار يتطلب تحقيق تقدم في العملية السياسية، وهذا ما يريده بوتين".
وعن المقصود بإشارة بوتين إلى انتهاء "العمليات واسعة النطاق" فقط، وما إن كان ذلك يعني عدم غلق الأبواب على مواجهات عسكرية محدودة النطاق ضد المعارضة شمال غربي سوريا (
إدلب وريفها)، أضاف عبد الواحد: "ميدانيا، بالفعل تقلصت مساحات المواجهات العسكرية، وتقتصر حاليا على الوضع في إدلب بصورة خاصة".
لكن الكاتب الصحفي، المختص بالشأن الروسي، الدكتور نصر اليوسف، اعتبر أن حديث الرئيس الروسي عن وقف "الأعمال العسكرية واسعة النطاق"، إنما يترك الباب مواربا على عمليات عسكرية في إدلب، باختياره هذا التعبير المطاط، وغير الدقيق عسكريا.
وأوضح لـ"عربي21"، قد تعتبر روسيا أن أي تحرك عسكري قادم في إدلب، رغم آثاره الكارثية على المدنيين، عملا واسع النطاق.
سياق سياسي عام
ووفق اليوسف فإن السياق السياسي العام وتعليق روسيا آمال على انفراج علاقاتها بالغرب، وتحديدا أزمة جنوب شرق أوكرانيا، وانعكاس ذلك على التسوية في سوريا، بدءا من تشكيل اللجنة الدستورية السورية، جعل روسيا تطلق مثل هذه التصريحات في هذا التوقيت.
وأضاف أن القضية السورية بالنسبة لروسيا، هي قضية مرتبطة بقضايا عدة معقدة، وعلى رأسها قضية أوكرانيا.
وبهذا المعنى، يعتقد اليوسف أن الرسائل التي تريد إيصالها في الملف السوري، الذي تتحكم به بشكل كامل، هي رسائل موجهة لغريم موسكو، أي الدول الغربية التي تفرض عقوبات على موسكو.
يذكر أن وقف إطلاق النار الذي كانت روسيا قد أعلنت عنه في أواخر آب/أغسطس الماضي بشكل أحادي في إدلب، لا زال معمولا به، حيث لم تشهد الجبهات أي محاولات تقدم بري، باستثناء القصف المدفعي الذي لم يتوقف على مناطق المعارضة، والطلعات الجوية الروسية المحدودة.