هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "ذا أتلانتك" مقالا للصحفي يوري فريدمان، يقول فيه إنه رغم أن النظام المالي الأمريكي قوي، إلا أنه ليس بالقوة الكافية لإيقاف هجوم عسكري.
ويبدأ فريدمان مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، بالقول إنه "لا بد أن تركيا توقعت حصول هذا (العقوبات)، من المؤكد أنها لم تكن واضحة في المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس رجب طيب أردوغان مع نظيره الأمريكي حول نيته شن هجوم ضد الأكراد في شمال شرق سوريا، متسببا بتراجع القوات الأمريكية من المنطقة، وتقدم القوات السورية والروسية والتركية لملء الفراغ، وفرار عشرات الآلاف من المدنيين ومخاوف قيام تنظيم الدولة مجددا".
ويستدرك الكاتب بأنه "في اليوم التالي للمكالمة جاء التهديد بـ(تدمير الاقتصاد التركي تماما) على (تويتر)، مكان ترامب المفضل لتهكماته، وكان ذلك رد فعل متوقعا من رئيس أثبت مقاومة لاستخدام القوة، وتشككا من أي مجهود دبلوماسي لا يتضمن مهاراته التفاوضية الشخصية، وهو رئيس وجد في العقوبات الاقتصادية طريقا وسطا بين صعوبة الدبلوماسية والثمن الباهظ للعمل العسكري، فالعقوبات تشبع نهمه لامتلاك قوة الضغط الاقتصادي، التي يمكن زيادتها وتخفيضها سعيا خلف التوصل إلى صفقة، وفي حالة اجتياح تركيا لسوريا ظهرت محدودية هذه القوة بوضوح".
ويقول فريدمان: "قد كانت العقوبات أداة في السياسة الحكومية منذ قدماء الإغريق على الأقل، لكن العقوبات المالية وحظر السفر وغيرهما من العقوبات ظهرت لأول مرة في ظل إدارة جورج بوش الابن، لكنها زادت في ظل حكم ترامب، ومن بين 32 برنامج عقوبات ساريا هناك عقوبات قاسية جدا لها أهداف طموحة، مثل الضغط على ديكتاتور كوريا الشمالية ليتخلى عن ترسانته من الأسلحة النووية، وعلى الزعيم الروحي لإيران ليتخلى عن جهوده النووية وأنشطته الخبيثة في الشرق الأوسط، وضد الزعيم المستبد في فنزويلا للتخلي عن سلطته واستبدالها بالديمقراطية".
ويجد الكاتب أنه "باختصار، فإنه أصبح لدى إدارة ترامب تحرك واحد متسق عندما تواجه بأكثر مشكلات العالم تعقيدا: الضغط على البلدان اقتصاديا، مع البقاء منفتحة على الحوار، والعرض برفع الضغط الاقتصادي إن عدلت من تصرفاتها، وقد أثبتت الإدارة براعة في الضغط، لكنها أبدت أيضا عجزا في إحداث تغيير في السلوك، ففشلت في تحقيق النتيجة المرغوبة في كل من إيران وكوريا الشمالية وفنزويلا والآن سوريا".
ويشير فريدمان إلى أنه "قبل شنها للعملية العسكرية ضد الأكراد، كانت الحكومة التركية على علم بهذه السياسة، ليس من الملاحظة فقط، بل من التجربة أيضا، فقد فرض ترامب العام الماضي عقوبات على مسؤولين أتراك، ورفع تعرفة الفولاذ والألمنيوم على تركيا، كجزء من مجهود لإطلاق سراح القسيس الأمريكي الذين كان مسجونا في تركيا، أندرو برانسون، وساعد ذلك الإجراء على تراجع قيمة الليرة التركية، وفي المحصلة تم إطلاق سراح برانسون".
ويرى الكاتب أنه "من الواضح أن احتمال تكرار سيناريو برانسون لم يكف لمنع أردوغان هذه المرة، كما يعترف المسؤولون الأمريكيون أنفسهم، وقال مسؤول كبير في إدارة ترامب يوم الاثنين للصحفيين، بشرط عدم ذكر اسمه، بأن الحكومة التركية (ستقول لك بثقة تامة بأن لا يوجد شيء فعلناه، بأي اتجاه، سيمنع الأتراك مما يريدون فعله في هذه المسألة)، ولم يكن على أردوغان أن يفحص مدى جدية تهديدات ترامب، فترامب يعرض بوضوح ما لديه من أوراق".
وبقول فريدمان إن "أردوغان قد يكون وضع في حساباته احتمال الانتقام الاقتصادي عندما قرر المضي قدما في هجومه على سوريا، وقال لي الخبير في تركيا في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى سونر كاغابتي، إنه ربما توقع الرئيس التركي العقوبات الأمريكية. لكن من الواضح أن هناك علاقة جيدة بين أردوغان وترامب، بل إن هناك (علاقة حب سياسي لبعضهما) بصفتهما رئيسين قويين يحملان أفكارا متشابهة، وأضاف أن أردوغان يتوقع من ترامب أن (ينقد العلاقة) في المحصلة، كما فعل ترامب الصيف الماضي عندما تراجع عن فرض عقوبات صادق عليها الكونغرس ضد تركيا بسبب شرائها، وهي عضو في الناتو، لمنظومة دفاع صاروخية روسية".
وقال كاغابتي: "يراهن أردوغان بأنه مرة أخرى: سيمنع ترامب عقوبات مدمرة ضد الاقتصاد والجيش التركي بعد الاجتياح".
ويعلق الكاتب قائلا: "يبدو أن هذا الرهان للآن يؤتي أكله، فوسط دعوات من الكونغرس لفرض عقوبات على تركيا، سمح ترامب يوم الإثنين بالعقوبات ضد من لهم علاقة بـ(أفعال تركيا المزعزعة للاستقرار في شمال شرق سوريا)، في الوقت الذي رفع فيه التعرفة على الفولاذ، وعلق المفاوضات التجارية بين واشنطن وأنقرة".
ويستدرك فريدمان بأن " العقوبات لم تفرض إلى الآن سوى على ثلاثة مسؤولين أتراك في وزارتي الدفاع والطاقة، أما رفع التعرفة على الفولاذ فغالبا لن يكون له أثر؛ لأن صادرات تركيا من الفولاذ لأمريكا تراجعت أصلا بسبب رسوم الجمارك الباهظة التي فرضت في السابق، بالإضافة إلى أن الاتفاقية التجارية بين تركيا وأمريكا لم تكن على وشك الإنجاز على أي حال، وتبنى أعضاء التحالف ضد تنظيم الدولة، الذين يشاهدون برعب احتمال فقدان ما تم تحقيقه ضد المجموعة الإرهابية، مواقف أكثر تشددا على الاجتياح التركي من أمريكا، ففرضت كل من فرنسا وألمانيا حظرا على تصدير الأسلحة لتركيا، بالإضافة إلى أن أعضاء الكونغرس الديمقراطيين والجمهوريين يعدون بانتقام خاص منهم، حيث دعت رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي إلى قرار يدعمه الحزبان لإبطال قرار ترامب في سوريا، وفرض عقوبات أشد مما فرض البيت الأبيض على تركيا".
وتورد المجلة نقلا عن كاغابتاي، قوله إن عقوبات إدارة ترامب تبدو "متسامحة وخفية"، وتبدو أنها جهد "للتخفيف من ضغط" جهود الكونغرس لمعاقبة تركيا.
ويعلق الكاتب قائلا إن "مثل هذه النتيجة متوقعة، وقد يكون أردوغان حسب بأن إيجابيات عملية عسكرية في سوريا ضد القوات الكردية، التي تعدها تركيا إرهابية أكثر من سلبياتها".
وتنقل المجلة عن إليزابيث روزنبيرغ، التي عملت في سياسات العقوبات في إدارة أوباما، وتعمل الآن في مركز الأمن الأمريكي الجديد، قولها إنه إذا كانت العقوبات الأمريكية في معظمها رمزية "فإن ذلك سيشكل تكلفة اقتصادية ودبلوماسية قليلة، تستحق التحمل من أجل أن تحقق تركيا أهدافها العسكرية في المنطقة".
ويلفت فريدمان إلى أن "فرض العقوبات على تركيا عانى من الارتباك حول الهدف، وهذا عيب أصاب جهود العقوبات الأمريكية ضد إيران وكوريا الشمالية وفنزويلا أيضا، ويحاول ترامب الآن وقف عملية عسكرية أعطى لها الضوء الأخضر ضمنيا قبل أيام، برضوخه لخطط أردوغان، وسحب القوات الأمريكية من منطقة المعركة، بالإضافة إلى أنه يقوم بدعوة أردوغان لزيارة البيت الأبيض ويهدده بتدمير اقتصاده في الوقت ذاته".
وينوه الكاتب إلى أن "المسؤولين في إدارة ترامب يقولون بأن الهدف من العقوبات هو منع تركيا من القيام بذبح المدنيين بشكل عشوائي، والقضاء على مجموعات إثنية، وإعادة توطين اللاجئين السوريين بالقوة، وفي الوقت ذاته جعل الأتراك يتفاوضون على وقف إطلاق للنار ثم حل صراعهم مع الأكراد، لكن لإطفاء نار حرب تتكشف في الوقت الحالي تلجأ الإدارة إلى إجراءات تأخذ وقتا طويلا لتؤتي أكلها، وصحيح أن النظام المالي الأمريكي قوي، لكنه ليس بالقوة الكافية لإيقاف هجوم عسكري، لقد أخذ الأمر سنوات طويلة من العقوبات الدولية للضغط على إيران، حتى وافقت على وضع قيود على برنامجها النووي في ظل إدارة أوباما، وفي الواقع فإن المسؤولين في إدارة ترامب اليوم يطالبون بالصبر على العقوبات التي فرضت عام 2017 و2018 لتأتي بنتائج في كل من إيران وكوريا الشمالية وفنزويلا".
ويورد فريدمان نقلا عن خوان زاراتي، وهو مسؤول كبير متخصص في العقوبات ومكافحة الإرهاب في إدارة جورج بوش الابن، قوله: "لقد وضعت الإدارة والكونغرس بشكل متزايد مطالب كبيرة ومباشرة وتوقعات على إمكانية العقوبات والإجراءات المالية لعقوبة وردع، وحتى تغيير السلوك في التحديات الشائكة لأمننا القومي كلها".
ويختم الكاتب مقاله بالإشارة إلى قول زاراتي: "هذا اللجوء المباشر إلى العقوبات يعفي صناع القرار من اتخاذ قرارات أصعب حول استخدام القوة الأمريكية وأدواتها، بما في ذلك القوة العسكرية والإجراءات الاستخباراتية لتكميلها والمساعدة على فعاليتها. وفي حالة تركيا وسوريا، فإن تهديد تركيا وسوريا بعقوبات كان سيكون فعالا مع وجود القوات الأمريكية في مكانها لتدافع عن السلام الذي كان موجودا، وتسيطر على أراض، وتعمل مع المقاتلين الأكراد لاحتواء تهديد تنظيم الدولة".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)