هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بإعلان التوصل إلى اتفاقات منفصلة بين الحكومة السودانية الانتقالية
والحركات المسلحة المتمردة في السودان، يرى كثيرون أن "سودان ما بعد البشير"
بدأ يخطو بجدية نحو تحقيق سلام تعطشت له البلاد طويلا.
ويرجح المحللون أن السودان الجديد بات على مقربة من طي صراع دامٍ استمر قرابة
15 عاما، خلف 300 ألف قتيل، وشرّد نحو 2.5 مليون شخص، وفقا لإحصاءات أممية.
وفي إشارة إلى تأثير الثورة السودانية على مجريات المفاوضات، وعقب التوقيع عن
إعلان مبادئ وخارطة طريق مع "الحركة الشعبية جناح الشمال"، صرح المتحدث
الرسمي باسم وفد الحكومة المفاوض محمد التعايشي في 19 تشرين أول/ أكتوبر الماضي، أن "خارطة الطريق التي تم
التوقيع عليها في ساعات، استغرق التفاوض حولها في ظل النظام السابق "22"
جولة من المفاوضات، أضاعت على السودان ثماني سنوات في الحرب".
واعتبر التعايشي أن السرعة التي تم بها التوقيع تمثل "دليلا على
رغبة الأطراف المتفاوضة في إنهاء الحرب وبناء دولة ديمقراطية ومتقدمة".
وبعد توقيع "إعلان المبادئ" في الـ19 تشرين الأول/ أكتوبر بيومين،
تم توقيع "الإعلان
السياسي" ووثيقة لوقف إطلاق النار بين الحكومة السودانية الانتقالية وفصائل
"الجبهة الثورية"، بما يشير إلى تسارع الخطى نحو إحلال "السلام
الشامل".
اقرأ أيضا: توقيع "إعلان سياسي" بين الحكومة السودانية والجبهة الثورية
وفي الجهة المقابلة، يرى البعض أن الوصول إلى اتفاق "سلام شامل"
لا يزال بعيد المنال، لوجود تحديات عدة تواجه البلاد مع تجربتها السياسية الجديدة،
وتراكم المعيقات أمامها منذ النظام السابق الذي استمر 30 عاما دون تطبيق حقيقي للاتفاقيات
التي عقدها مع الحركات المسلحة.
"السلام" في صلب الثورة
ووفق المستشار السياسي لحركة العدل والمساواة المسلحة جبريل بلال فإن
المباحثات مع الحكومة السودانية هي تتويج للثورة السودانية التي رفعت شعار
"الحرية والسلام والعدالة".
وشدد بلال خلال حديثه لـ"عربي21" على أنه بدون السلام لا يمكن للسودان
أن يتقدم، مضيفا: "إسقاط النظام وحده لا يبني دولة، وما يبنيها إيجاد سلام
حقيقي يحل الأزمة التي أدت إلى نشوب الحرب في السودان طيلة الـ15 سنة الماضية".
وقال إن "الهدف الأساسي هو إسكات البندقية إلى الأبد، وإنهاء وجود أطراف
تحمل السلاح في المرحلة المقبلة، نحن ارتضينا إسقاط النظام السابق، وبناء دولة المواطنة
الحقيقية التي تسع الجميع".
وحول من ينضوي من الحركات المسلحة متعددة الأطراف في الاتفاقيات، أوضح أن
الحكومة السودانية تمضي في مسارات مختلفة مع هذه الأطراف، مؤكدا أن "الاتفاق
النهائي سيشمل الجميع".
وحول هذه المسارات قال بلال: "هناك مسار للجبهة الثورية وتضم (حركة العدل
والمساواة، حركة جيش تحرير السودان جناح منى مناوي، الحركة الشعبية جناح مالك عقار) وتضم أطرافا مدنية وعسكرية أخرى".
وأضاف: "هناك مسار للحركة الشعبية لتحرير السودان جناح عبد العزيز
الحلو، وهناك مسار آخر لأطراف مختلفة".
اقرأ أيضا: الحكومة السودانية توقع إعلان مبادئ مع "الحركة الشعبية"
واعتبر بأن أهم خطوة تضمن نجاح الاتفاقيات هي عدم إقصاء أحد ومراعاة دخول
جميع أطراف النزاع، مؤكدا "ليس هناك نية لتهميش أحد، أو تحقيق مصالح جزئية
على حساب المصلحة العامة للسودان".
اتفاق جديد ليس كالسابق
وحول ما يميز الاتفاقات الجديدة عن تلك القديمة، أفاد المستشار السياسي بأن
"الاتفاقيات التي وُقعت مع النظام السابق انتهت مدتها الزمنية كاتفاقية الدوحة
عام 2011، حيث أنها نصت على سنوات محددة".
وأضاف: "النظام السابق اتفق مع أطراف معينة، ولم ينفذ شيئا مما تعهد به
طوال الفترة الماضية"، مشددا: "تلك الاتفاقيات لا مكان لها الآن في ظل
النظام الجديد".
وتابع: "الاتفاقيات السابقة لم تعالج المشكلة من جذورها، فالنظام
السابق كان يفصلها على مقاسات محددة، بحيث يسهل عليه توفير مناصب لمن وقع عليها،
دون حلول جوهرية للقضايا التي تهم الجميع".
ويرى بلال بأن "المفاوضات الحالية تهدف لعدم إتاحة فرصة للآخرين
وللأجيال القادمة لرفع السلاح مرة أخرى، حيث تتضمن الاتفاقيات بنودا واضحة تقرر
مصير أعضاء الحركات المسلحة وإعادة دمجها وترتيبها في صفوف مؤسسات الدولة المدنية
والعسكرية".
وكشف المستشار السياسي بأن الاتفاقية تتضمن أيضا مسألة عودة النازحين بسبب
الحرب وتعويض المتضررين منها وترميم القرى التي تم هدمها، إضافة إلى تحقيق العدالة
والمصالحة من خلال التحقيق في جرائم الحرب والإبادات الجماعية، لردع أي جهة من
تكرار ما حدث.
ولفت إلى وجود تحفظات سابقة لدى حركته في مرحلة ما قبل الاتفاق، كانت حول
ضرورة وجود طرف إفريقي وأممي وإقليمي يشكلون ضمانا وشهودا على تطبيق الاتفاق".
وقال: "طلبنا مشاركة المؤسسات الدولية والإقليمية للوفاء باستحقاقات هذا
الاتفاق، وحتى لو أصبحنا جزءا من الحكومة نعلم أن الإمكانيات قد لا تكون كافية لإعادة
ما دمرته الحرب، لذا مطلوب من الأطراف الدولية المشاركة الفعالة في مرحلة ما بعد
التوقيع على الاتفاق وفي دفع استحقاقات السلام".
عقبات تواجه الحل
ومن جانبه حذر رئيس قوى الكفاح التراكمي في السودان، أبشر رفاي، من
سيناريو التهميش الذي مارسه النظام السابق، مشيرا إلى أن "نقطة الضعف في الاتفاقات الحالية أنها لم تُدخل جميع أطراف
النزاع منذ البداية في المباحثات".
ويرى في حديثه لـ"عربي21" بأن مسار "السلام" خرج عن
مساري "الحرية والعدالة" إلى مسار "جوبا"، واعتبره "لا
يحل المشكلة البنيوية السودانية بل يجعلها مشكلة بين نظام سابق وجديد أو بين تنظيم
وآخر بما يخالف الواقع".
وأشار إلى عدم انضواء أطراف مهمة في المباحثات الأولية "كحركة تحرير
السودان ويمثلها عبد الواحد محمد نور عن دارفور، وكذلك محور مؤسسات المجتمع الأهلي
والمدني في مناطق النزاع".
اقرأ أيضا: بدء مفاوضات بجوبا بين الحكومة السودانية وحركة مسلحة
وقال: "إذا لم يُضمن دخولهم في الاتفاقيات فسيتأثر مسار السلام
الاجتماعي، ويمكن أن يتحقق سلام شفوي وجزئي يؤجل المشكلة ولا يعالجها من جذورها".
وأضاف: "كوني رئيس الآلية التنفيذية في مناطق جبال النوبة والنيل
الأزرق، لدينا تجربة حقيقية مع الحكومات السودانية المتعاقبة فالشعار شيء والتنفيذ
شيء آخر".
وتساءل "لماذا لم يُشرك الجميع في مرحلة الرؤى التحضيرية للاتفاقيات، وإذا
كانوا ناقشوا خارطة طريق التفاوض، لماذا حملة السلاح الذين يقاتلون باسم المواطنين
ضد التهميش ولتحقيق العدالة يقعون في هذه التناقضات". قائلا" "ربما
أجد مبررا للحكومة ولكني لا أجد مبررا لمن حمل السلاح ضد الإقصاء ومن ثم سعى في
التهميش".
وأشار إلى أن نوايا الأطراف المتفاوضة تعطي مؤشرا حول "هل جلسوا من أجل
هدف استراتيجي أم هدف تكتيكي".
وختم بقوله: "السلام الحقيقي الذي يشمل الجميع هو الضامن للتنمية في السودان،
ومن أجل وطن يرفع الجميع ويحقق منفعة عامة، أما الأهداف التكتيكية فتؤخر المشكلة لكن
لا تأتي بالحل، ما يعني بأن الأزمة ستبقى قائمة".