هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
على بعد أيام قليلة من انعقاد أولى جلسات اللجنة الدستورية السورية في جنيف، لا تبدو الأوساط السياسية المحلية وحتى الدولية متفائلة بشأن أن تمثل بداية عمل اللجنة مدخلا حقيقيا للحل السياسي في سوريا، وسط مخاوف من قيام النظام بإغراق عملها بـ"التفاصيل الصغيرة".
والخميس الماضي، كان المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن، قد حدد الأربعاء المقبل في الـ30 من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، موعدا لانطلاق اجتماعات اللجنة، مشيرا إلى أنها "لن تحل بحد ذاتها الصراع السوري".
من جانبه، اعتبر المبعوث الأمريكي لسوريا، جيمس جيفري، الجمعة، أن حكومة النظام السوري تهاب اللجنة الدستورية التي كلفتها الأمم المتحدة بمراجعة الدستور، وتستعد لإفشال مهمتها.
وقبل أيام، سمى الأسد، عضو برلمانه، أحمد الكزبري رئيسا للجنة الدستورية المشترك من جانب النظام، بدلا عن الأكاديمية أمل يازجي، ليعمل مقابل هادي البحرة الرئيس المشترك من جانب المعارضة.
وتقول مصادر المعارضة، إن "استبدال النظام السوري لرئيس اللجنة الدستورية المشترك، يعبر عن حالة الخوف والهلع التي تسيطر على الأسد"، وفق ما أكده المتحدث الرسمي باسم "هيئة التفاوض السورية"، وعضو "اللجنة الدستورية" الدكتور يحيى العريضي.
وقال لـ"عربي21"، إن النظام ينظر إلى أي محاولة للحل السياسي، على أنها تهديد لوجوده، وقد سعى منذ البداية إلى عرقلة وإجهاض كل المحاولات الرامية إلى إيجاد حل سياسي، متحديا القرارات الدولية، وبدعم من روسيا وإيران.
النظام "مرتبك"
وحول تعيين النظام لأكثر من رئيس مشترك للجنة الدستورية، قال العريضي، "النظام مرتبك، وربما تكون هواجسه محقة، لأنه عمليا فإن اللجنة التي تتألف من ثلث للمعارضة وثلث للمجتمع المدني وثلث للنظام، نسفت بشكل أو بآخر شرعيته، لأن النظام اعتاد أن يكون برلمانه هو مكان تغيير أي مادة في الدستور".
وردا على الأصوات التي تقلل من فاعلية اللجنة الدستورية، تساءل العريضي: "إذا كانت كذلك، فلماذا يصاب الأسد يهذا الهلع مع اقتراب عقد جلساتها الأولى، ولماذا غيّر أكثر من رئيس لها؟".
ومدافعا عن عمل اللجنة الدستورية، تابع: "اللجنة بصورتها الحالية، لم تشكل كما كانت تريد روسيا، حيث تم وضع القواعد الإجرائية لعملها من جانب الأمم المتحدة، التي ستتولى أيضا الإشراف على عملها".
وقال العريضي، إن روسيا اليوم تحتاج في أكثر من أي وقت مضى إلى جني سياسي، وهذا مشروط بتنفيذ القرارات الدولية.
وأوضح: "قد تطول المسألة، لكن استعجال روسيا إلى الجنى السياسي، سيدفعها إلى الضغط على النظام لإنجاز تقدم معين".
"لا تفاؤل"
من جانبه، أشار رئيس "الهيئة السورية لفك الأسرى والمعتقلين"، المحامي فهد الموسى، إلى تعيين النظام لأحمد الكزبري المتهم بقضايا فساد، بدلا عن الأكاديمية أمل يازجي، وعلق بالقول: "من الواضح أن النظام اختار الكزبري صاحب الولاء المطلق، حيث فضل تجنب الانفتاح لدى يازجي الخبيرة بالشأن القانوني، وهي أنباء لا تبعث على التفاؤل".
ورأى الموسى في حديثه لـ"عربي21" أن "نجاح عمل اللجنة الدستورية مرهون بجدية المجتمع الدولي، وقدرته على سد كل الفرص التي تتيح للأسد تعطيل عمل اللجنة".
وأضاف أنه "يجب على المجتمع الدولي تحديد عمل اللجنة بجدول زمني معين، وذلك حتى لا يُغرق النظام عملها في التفاصيل".
وقال: "نحتاج إلى قرارات جدية وحقيقية للجنة، تعبر عن آراء الشعب السوري كافة، لا أن تعبر عن النظام فقط".
جدول زمني
ومثل الموسى، دعا عضو الهيئة السياسية في الائتلاف، عبد المجيد بركات، إلى تحديد جدول زمني حقيقي يتم الاتفاق عليه مع الأمم المتحدة.
وفي حديثه لـ"عربي21"، أوضح أن المعارضة اشترطت وجود جدول زمني محدد تنتهي به أعمال اللجنة، لمعرفتنا بأن النظام سوف يعرقل كتابة الدستور.
وتابع بركات، بأن النظام بدأ يضغط على بعض أعضاء اللجنة الدستورية من قائمة "المجتمع المدني" الذين هم أقرب إلى المعارضة، من خلال مضايقة عائلاتهم لإجبارهم على اتخاذ مواقف معينة لصالحه، أو للانسحاب.
وفي هذا الصدد، أكد أن المعارضة طالبت بوجود حماية حقيقية لأعضاء اللجنة وعائلاتهم في الداخل السوري.
ومن بين الشروط الأخرى، وفق بركات، استمرار عمل اللجنة الدستورية في جنيف وعدم انتقالها إلى أي مكان آخر، وكذلك الالتزام بالقواعد الإجرائية التي وضعتها الأمم المتحدة، وعدم فرض مثل هذه القواعد من جهة ثانية.
"ليست الهدف"
وبموازاة ذلك، اعتبر بركات أن اللجنة الدستورية لم تكن الهدف الذي عملت المعارضة من أجله، موضحا: "هي خطوة تمهد لخطوات أخرى حقيقية، وكان لا بد لنا من الانخراط فيها، على اعتبارها أحد أبواب المسار السياسي، لتحقيق الانتقال السياسي".
وقال: "طالبنا المبعوث الأممي غير بيدرسن، بأن يتم العمل على السلال الأربعة (الحكم الانتقالي والدستور والانتخابات ومكافحة الإرهاب)، بشكل متزامن، مضيفا: "قد لا ننتهي من سلة الدستور على مدار سنوات، بالمقابل قد يقوم النظام بقضم المناطق المحررة شيئا فشيئا، وهذا ينعكس سلبيا على موقف المعارضة التفاوضي".
وبالبناء على هذه القراءة، أضاف بركات: "باعتقادي ليست اللجنة الدستورية هي الحل، وإنما هي خطوة تفاوضية لإيجاد حل سياسي يخفف من معاناة الشعب السوري".
الضغط الدولي وروسيا
ومما لاشك فيه، من وجهة نظر بركات، أن تجاوب النظام مع اجتماعات اللجنة الدستورية مرهون بحجم الضغط الدولي على النظام، وتحديدا من جانب روسيا.
وأضاف: "نتطلع إلى وجود توافق دولي على ضرورة تطبيق القرارات الدولية، ولاحظنا مؤخرا أن هذا التوافق لا زال غائبا، وتحديدا بعد الخلافات التي استجدت على عملية نبع السلام".
وقبل يومين، هددت "هيئة التفاوض السورية" بوقف العملية الدستورية، ورفع الشرعية عنها، في حال "حادت اللجنة الدستورية عن الطريق".
جاء ذلك خلال اجتماع الهيئة مع المجموعة المصغرة حول سوريا، التي تضم كلا من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا ومصر والسعودية والأردن، يوم الجمعة الماضي، في مدينة جنيف.
وقالت الهيئة في بيان، إنها ستبذل كل الجهود من أجل ضمان نجاح عمل اللجنة، لكن في الوقت ذاته سترفع الشرعية عنها في حال عدم تلبيتها لتطلعات الشعب السوري، وتحقيق آماله وخروجها عن القرار الأممي 2254.
مصادر إعلامية نقلت عن رئيس الهيئة التفاوض، الدكتور نصر الحريري، حديثه عن صعوبة الاتفاق بين أعضاء اللجنة بسبب نسبة التصويت التي تصل إلى 75% لإقرار أي مادة، حيث اعتبر "أن إنجاح اللجنة متروك إلى الإرادة الدولية وعملية الضغط التي ستقوم بها الدول الداعمة للنظام، وخاصة روسيا، من أجل إنجاح العملية والتوصل إلى صياغة دستور جديد".
والجمعة، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: "يسرني عدم ورود أي أنباء عن تصعيد جديد أو صدامات بشمال شرقي سوريا".
وأضاف: "من الواضح بالنسبة إلي أن ما حدث بشمال سوريا يدل على أن الوقت حان لمناقشة إنهاء اللعبة بشكل جدي، وإذا كان هذا صحيحا، فإن العملية السياسية تكتسب أهمية أكثر مما كان في أي وقت مضى، حيث سنركز جهودنا على أن تبدأ اللجنة الدستورية بالعمل في جنيف، في الخطوة الأولى نحو إنهاء هذا الفصل المأساوي في حياة الشعب السوري".