هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لقد أسقطت الثورة السورية في
جملة ما أسقطته كثيرا من الافتراضات التي كانت أقرب للثوابت في أذهان بعض الناس،
فسقطت بعض الرموز التي كان يظنها البعض طوق النجاة الأخير والمسيح المخلص لهم،
وسقطت بعض الكتل والتجمعات السياسية والعسكرية سقوطا مدويا، ونال إخوان سوريا جزءا
من هذا التغير النفسي والانقلاب الفكري الذي أصاب الثورة، فتبخر افتراض أن الجماعة
هي الأقوى والأكثر تنظيما وتأثيرا، وتغيرت النظرة إلى الجماعة بعد سلسلة من
الإخفاقات المحورية التي لا يمكن التغاضي عنها.
أرادت الجماعة (بتفكير بدائي وبضغط تاريخي) أن
تتجنب واجهة الثورة خوفا عليها، فوقعت في ما اعتقده الفيلسوف الروماني
"لوكيوس سينيكا" عندما قال: "الشجاعة تقود إلى النجوم، والخوف يقود
إلى الموت"، فكانت نتيجة خوفهم أنهم ذهبوا إلى الموت بأقدامهم.
لم تكتف الجماعة بالخوف، وإنما مزجته بفوضى
العمل وغياب الرؤية وانتهازية الممارسة، فأضاعت فرصة ترتيب وإدارة المشهد في
المجلس الوطني السوري، ثم قفزت إلى الائتلاف الوطني السوري فعبثت فيه من خلال
تحالفات فاشلة، وصراعات مع أشخاص وكتل كان يجب أن تستوعبهم الجماعة لا أن تصارعهم
وتنافسهم.
أدارت كثيرا من المؤتمرات والتحالفات بطريقة
الأب الذي يريد فرض رؤيته على أولاده كونه أكبر منهم سنا، لكن الجماعة لم تستوعب
أن الآخرين تعلموا الدرس وتجاوزا سن المراهقة. ثم عادت وسجلت فشلا مميزا في حزب
وعد السياسي الذي أرادته واجهة عمل سياسي يلعب دورا ما، واستمرت الجماعة تتنقل من
فشل إلى آخر، حتى أصبحت (كما وصفها أحد المعارضين) أنها تنجح دائما في الفشل.
وفي مسار موازي للفشل الخارجي، كانت الجماعة
تتآكل داخليا وتدور فيها صراعات خفية عطلت مسيرتها، وأعادتها سنوات للوراء. ورغم
ظهور وجوه جديدة في قيادة الجماعة، لكن الحقيقة تبقى أن التيار الحموي والحلبي ما
زالا يتصارعان من خلال واجهات جديدة، واستطاع التيار الحموي تحييد التيار الحلبي
نوعا ما، وأن يستلم مفاصل الجماعة ولو من خلال واجهات جديدة، لكن يبقى الحرس
القديم هو من يقود ويحرك الأمور.
كانت الثورة فرصة تاريخية للجماعة بأن تعيد
ترتيب بيتها الداخلي، وتطرح رؤية إصلاحية جديدة تنقذها من أزمتها الداخلية
والخارجية، لكنها نجحت في الفشل مرة أخرى ورفضت فرصة الإصلاح، بل أكثر من ذلك،
عندما أقصت عن المشهد كل الرموز الإصلاحية الشبابية التي كانت تنادي بإصلاح
الجماعة وتطويرها، وتمت معاقبتهم بإبعادهم عن دائرة التأثير.
قد يتساءل البعض: هل الجماعة عصية على
الإصلاح؟ أم أنه لا توجد إرادة داخلية من قيادتها للإصلاح؟
والحقيقية أنه لا توجد إجابة مباشرة على
السؤال، لكن من المؤكد أن هناك مجموعة عوامل داخلية وخارجية ساعدت في عصيان
الإصلاح وصعوبته، ويبقى عامل الإرادة الذاتية لدى قيادة الجماعة هو العامل الحاسم
في هذا الملف المهم.
الذي لم تدركه الجماعة أن رفض الإصلاح هو
أمنية أعداء الجماعة ورغبتهم، ويعجبهم جدا أن تبقى الجماعة على ما هي عليه؛ لأنها
ستكون أسهل عليهم في الافتراس.
والأمر المهم الآخر الذي لم تدركه الجماعة
أيضا، أن الساحة لم تعد وحيدة لهم، خاصة من التيار الإسلامي، فهناك أجسام جديدة
تظهر وتطرح رؤى متقدمة تجاوزت الجماعة، وأن الجمهور أصبحت لديه خيارات كثيرة (ليس
أولها الجماعة) تلبي احتياجاته الفكرية والسياسية.
في النهاية، لا يمكن أن نغفل العامل الخارجي
في محاولة تهميش الجماعة وتفكيكها وتشويه سمعتها، ولكن لم يكن لينجح العامل
الخارجي أو يؤثر لولا أنه وجدا بيئة خصبة ليزرع فيها كما يشاء، وأبوابا مفتوحة
ليدخل منها متى شاء.