هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تنشغل
الأوساط السياسية والشعبية في الجزائر، في الآونة الأخيرة، بالحديث عن اللائحة
التي استصدرها البرلمان الأوروبي، والتي تضمنت إدانة شديدة للجزائر في تعاملها مع
ملفات حقوق الإنسان والحريات العامة والفردية.
وصوّت النواب الأوروبيون، الخميس، بالإجماع على اللائحة التي وعد بها النائب الأوروبي
رافائيل غلوكسمان منذ أسبوع، وذلك في جلسة علنية بمقر البرلمان الأوروبي الثاني
بمدينة ستراسبورغ الفرنسية.
وتضمنت
اللائحة 14 بندا تتضمن انتقادا شديدا لتعامل السلطات الجزائرية مع الحراك الشعبي
ومع الأقليات الدينية في البلاد، وتُهاجم التشريعات المقيدة للحق في التظاهر
وتشكيل الجمعيات، وتثني بالمقابل على اعتماد اللغة الأمازيغية في التعديل الدستوري
لسنة 2016.
ولم
تنتظر الخارجية الجزائرية إلى اليوم التالي لصياغة الرد، فقد وصفت في بيان غاضب
تدخل البرلمان الأوروبي بـ"الوقح"، واستغربت "تدخل النواب الأوروبيين
للحكم على المسار السياسي الراهن في الوقت الذي يستعد فيه الجزائريون لانتخاب رئيس
جديد للجمهورية بكل ديمقراطية وشفافية".
وقالت
الخارجية إن "هؤلاء النواب قد ذهبوا إلى حد منح أنفسهم، دون عفة ولا حياء،
الحق في مطالبة البرلمان الجزائري بتغيير القوانين التي اعتمدها نوابه بكل سيادة". واتهمت صراحة البرلمان
الأوروبي بالترويج لما أسمته "أجندة الفوضى المقصودة التي
سبق للأسف تنفيذها في العديد من الدول الشقيقة".
اقرأ أيضا: الجزائر تهاجم البرلمان الأوروبي وتصف "لائحته" بـ"الوقاحة"
وتبع
موقف الخارجية الجزائرية، العديد من ردود الفعل المنددة من الهيئات والأحزاب
والمنظمات القريبة من السلطات.
وصرّح
رئيس مجلس الأمة بالنيابة، صالح قوجيل، بأن الجزائر "ترفض وتشجب أي شكل من
أشكال التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية".
وكذلك
اعتبر رئيس المجلس الشعبي الوطني، سليمان شنين، ما صدر عن البرلمان الأوروبي
"تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية واستفزازا للشعب الجزائري".
ودعت
النائبة أميرة سليم إلى فتح نقاش عاجل في البرلمان الجزائري، لدراسة إمكانية الرد
على الموقف الأوروبي، مشيرة إلى أن هذا التدخل "لا يجب السكوت عليه".
وأصدرت
أحزاب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي مواقف هجومية ضد البرلمان
الأوروبي، فيما نددت منظمات ما يعرف في الجزائر بالأسرة الثورية (أبناء الشهداء
والمجاهدين) بالموقف الأوروبي، وقرر الاتحاد العام للعمال الجزائريين تنظيم مسيرة
يوم السبت تنديدا بما صدر عن النواب الأوروبيين.
جدل
حقوقي
انقسمت
آراء المنظمات الحقوقية بين نفي تام لصحة
ما ورد في اللائحة من اتهامات للجزائر، وبين من اعتراف بصحتها مع التأكيد على رفض
التدخل الأجنبي.
وتضمنت
اللائحة تفاصيل دقيقة عن أسماء المعتقلين بسبب نشاطهم في الحراك الشعبي، ونقاط
محددة في التشريعات الجزائرية التي تحد من حرية التظاهر وممارسة العقيدة وغيرها.
وتدعو
اللائحة إلى الإفراج فورا ودون قيد أو شرط عن جميع المتهمين الذين مارسوا حقهم في
حرية التعبير، وتُطالب السلطات الجزائرية بوضع حد لأي شكل من أشكال الترهيب،
وتدعو لإزالة القيود المفروضة على المظاهرات السلمية التي تعتبرها مخالفة لأحكام
المادة 21 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي وقعت عليه
الجزائر.
وورد
في لائحة البرلمان الأوروبي التي اطلعت "عربي21" على نسخة منها، دعوة
السلطات الجزائرية لتعزيز وضمان استقلال القضاء، ومراجعة القانون رقم 12-06 لعام
2012 الذي يُقيّد إنشاء الجمعيات وعمل المجتمع المدني.
وبحسب
المجلس الوطني لحقوق الإنسان، فإن لائحة البرلمان الأوروبي مبنية على
"معلومات مغلوطة وعلى سوء نية".
اقرأ أيضا: الجزائر.. اعتقال رسام وشاعر على خلفية مواقفهما السياسية
وتساءل رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان في رد فعله الرسمي على اللائحة، عن مصدر المعلومات التي تضمنتها اللائحة، والتي تشير إلى "اعتقالات عشوائية دون تقديم أي دليل على ذلك".
وأبرز
المجلس أنه "كان بالأحرى على من قدم
هذه المعلومات أن يقدمها للمجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي يملك كامل الصلاحيات للتحقيق في الادعاءات المتعلقة بحقوق
الإنسان".
من
جانبه، قال سعيد صالحي، نائب رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، إن
اللائحة التي أصدرها البرلمان الأوروبي تتضمن انتهاكات فعلية عن حقوق الإنسان في
الجزائر وليست مغلوطة.
واستغرب صالحي، في تصريح لـ"عربي 21"، مسارعة البعض "للتنديد باللائحة الأوروبية باسم السيادة الوطنية في حين أنه لا صوت لهؤلاء في ما يخص انتهاكات حقوق الإنسان وكل الممارسات القمعية تجاه الحراك".
واستطرد
الحقوقي قائلا: "نحن بالتأكيد مع احترام السيادة الوطنية، ورفض كل أشكال
التدخل الخارجي لكننا نؤكد في المقابل، أنه لا معنى للسيادة الوطنية دون احترام
إرادة وسيادة الشعب".
وتابع
صالحي: "بعض الأصوات سارعت للتنديد بالتدخل الأجنبي في حين أنها ترحب بموقف
الحكومات الأوروبية بشأن مساندتها للانتخابات المرفوضة شعبيا، كما أن نفس الأصوات
رحبت بقانون المحروقات الذي أقر لضمان مصالح الحكومات والشركات الأوروبية".
وعقب
على ذلك بأنه "لا حاجة لنا بدروس في الوطنية، فالحراك الشعبي بوعيه العالي وسلميته
يحافظ بكل الوسائل على البلاد".
نقاش
سياسي
وأثار
الموقف الأوروبي نقاشا سياسيا في أوساط المعارضة الجزائرية، حيث اعتبر المعارض
جيلالي سفيان أن "الهدف من هذه اللائحة هو سعي بعض أعضاء البرلمان الأوروبي
للتودد إلى ناخبيهم عبر استخدام القضية الجزائرية"، نافيا أن يكون منطلق
النواب الأوروبيين الدفاع عن مصلحة الجزائريين.
أما
مؤسس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، سعيد سعدي، فكتب على صفحته الرسمية
يتساءل عن حدود "التدخل الأجنبي"، ويُذكر بأن السلطات الجزائرية
نفسها قد وقعت اتفاقا للشراكة مع الاتحاد الأوروبي يتضمن في أحد فصوله ضرورة احترام
الحقوق والحريات.
اقرأ أيضا: مرشحون لرئاسة الجزائر للاتحاد الأوروبي: لا تتدخلوا بشؤوننا
ويتخوف
متابعون من تبعات هذا التدخل الأوروبي في الأزمة الجزائرية، وما إذا كان سيفتح
الباب أمام إجراءات خارجية جديدة ضد الجزائر، في ظل بقاء الأزمة السياسية تراوح
مكانها.
وبرأي،
الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، زين العابدين غبولي، فإن "لائحة
البرلمان الأوروبي بخصوص الجزائر كانت أمرا متوقعا منذ أشهر نظرا لتصاعد وتيرة
القمع ضد المتظاهرين السلميين".
وأوضح
غبولي في حديثه لـ"عربي 21"، أن هذه الخطوة تعكس خوفا في العواصم
الغربية من أن المنهج الذي تستعمله السلطة الجزائرية في التعامل مع الأزمة الحالية
قد يؤدي للانفجار بما سيهدد المصالح الاستراتيجية للدول الغربية.
وتابع
الباحث بأن "تردد كثير من القوى في التعبير عن رأيها صراحة ينجم من خوفها من
أي نتيجة غير محببة لأي تدخل مباشر في ما يحصل في الجزائر خصوصا إن أخذنا بعين
الاعتبار طبيعة الشعب الجزائرية الرافضة للتدخل".
ويختم
قائلا: "لن تتدخل أوروبا ولا بقية القوى الدولية علانية في الشأن الجزائري إلا
إذا وصل البلد إلى مرحلة الانسداد بشكل كلي مما يهدد استقرار المنطقة ككل".