آثارت موافقة الأجهزة الأمنية بمصر، على تنظيم مسيرة دعا لها عدد من
المنظمات النسوية
المصرية، بالتزامن مع اليوم العالمي لرفض العنف ضد المرأة،
الكثير من علامات الاستفهام، حول أسباب الموافقة على هذه المسيرة دون غيرها في هذا
التوقيت، وهل يمكن أن تنجح مثل هذه الخطوة، في تجميل صورة النظام المصري على
الصعيد الدولي فيما يتعلق بملف انتهاكات حقوق الإنسان؟
وكان عدد من المنظمات النسوية نظمت مسيرة محدودة في منطقة
"سرايا الجزيرة"، طالبت فيها بسرعة مناقشة قانون الأحوال الشخصية خلال
الفصل التشريعي الجاري للبرلمان المصري، مع عدم المساس بقانون الخلع، والنفقة والرؤية
التي ينظمها القانون الحالي.
وتشهد مصر جدلا كبيرا بين عدد من نواب البرلمان وممثلي المجلس القومي
للمرأة، والمجلس القومي للطفل، والمجلس القومي للأمومة والطفولة، وعدد من المنظمات
النسائية الأخرى، وبين
الأزهر الشريف، حول مشروع القانون الذي أعده الأخير عن
الأحوال الشخصية، بما يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، سواء فيما يتعلق بالخطبة
أو الزواج والطلاق والوفاة.
ويشن نواب بالبرلمان والمنظمات النسائية هجوما على مشروع القانون،
مؤكدين أن الأزهر ليس جهة تشريع، وأنه بتقديمه للقانون يصادر حق الحكومة والبرلمان
في تقديم مشروعات القوانين الخاصة بالأحوال الشخصية. وحسب بيان للنائب محمد فؤاد، فإن إصرار الأزهر على تقديم مشروع القانون يهدم مدنية الدولة، ويرسخ لمبدأ ولاية
الفقيه.
وطالبت المشاركات في المسيرة النسائية التي نظمها عدد من المنظمات
والجمعيات النسوية غير المشهورة، يوم الأربعاء الماضي، رئيس نظام الانقلاب العسكري
عبد الفتاح السيسي بدعم حقوقهن ومكاسبهن التي حصلن عليها في القوانين السابقة،
ومنحهن المزيد من الحقوق المتعلقة بالطلاق والخلع والرؤية والنفقة وإثبات النسب من
الزواج العرفي.
ودعت المشاركات في المسيرة، البرلمان المصري بسرعة إقرار قانون
الأحوال الشخصية قبل انتهاء الدورة الحالية للبرلمان، مع الوضع في الاعتبار أن
"حقوق المرأة خط أحمر"، مؤكدات عدم التنازل عن أي حق من حقوق المرأة
أو مكتسب من المكتسبات التي سبق الحصول عليها.
"تجميل الصورة"
ويؤكد الكاتب الصحفي أحمد حسن الشرقاوي لـ "عربي21" أن
موافقة الأمن المصري على تنظيم المسيرة له العديد من الأهداف، أهمها: محاولة تجميل
صورة النظام في المجتمع الدولي بعد زيادة الانتقادات الموجهة ضده في ملف حقوق
الإنسان واعتقال الصحفيين، واستغلال نيابة أمن الدولة العليا في التنكيل
بالمعارضين، وملابسات مقتل الرئيس الراحل محمد مرسي، والتصدي بكل عنف لأي تحركات
في الشارع ضد رئيس نظام الانقلاب.
ووفق الشرقاوي، فإن اختيار المرأة كعنوان لأول مسيرة يتم التصريح لها
من الأمن المصري، هي محاولة من النظام لمغازلة المنظمات الحقوقية العالمية
المدافعة عن حقوق المرأة، بأن النظام في مصر يفرق بين أصحاب المطالب الحقيقية،
والمعارضة التي تريد إرهاب الدولة، كما يصفها نظام السيسي.
ويشير الكاتب الصحفي إلى أنها "محاولة مفضوحة وغير مجدية ولن
تحقق أهداف النظام من هذه الزاوية، ولا من الزاوية الثانية باختيار موضوع شائك وهو
قانون الأحوال الشخصية، الذي يثير دائما الجدل بين عموم المصريين الذين يحتكون
بالقانون في حياتهم ومشاكلهم اليومية".
ويدعم الشرقاوي رأيه، باعتقال السفير السابق معصوم مرزوق، في آب/
أغسطس 2018، لأنه فكر في تنظيم وقفة رمزية بميدان التحرير من أجل التصدي لخطوات
تعديل الدستور، وإجراء استفتاء على بقاء النظام من عدمه، وهي الفكرة التي لم
يتحملها النظام، فقام باعتقال صاحبها لقرابة العام، كما سبق للأمن أن رفض طلبا قدمته الحركة المدنية، في أثناء تعديلات الدستور الأخيرة، لتنظيم وقفة رمزية لإعلان
موقفهم الرافض للتعديلات.
"رسالة للأزهر"
وحسب الناشط السياسي والباحث في شؤون المجتمع المدني، حسام الوكيل،
فإن مصر ليس فيها حاليا ناشطات نسويات ولا حركات نسوية حقيقية وفاعلة، مؤكدا في
حديثه لـ"عربي21" أن الناشطات النسويات الحقيقيات محتجزات بالسجون، مثل
الناشطة ماهينور المصري.
ويضيف الوكيل: "سماح وزارة الداخلية لمنظمة نسوية بالتظاهر ضد
قانون الأحوال الشخصية الذي لم يتم مناقشته من الأساس، ولم تعرف بنوده حتى
الآن، هو جزء من الصراع بين العسكر والأزهر، والمنظمة التي تم السماح لها هي جزء
من النظام العسكري، يتم استخدامها ضد الأزهر وقانونه".
ويشير الباحث في شؤون المجتمع المدني، إلى أن العسكر انتقى منظمة تحت
التصنيف النسوي لعدة اعتبارات، منها: "ترسيخ سياسته القائمة على عدم وجود أي
بارقة أمل لحلحلة المشهد السياسي، وأنه لن يُسمح حتى للأحزاب الكرتونية بالوجود
في الشارع، ولذلك تم اختيار منظمة غير معروفة، وتقع تحت سيطرة النظام بشكل كامل، ولا
يوجد لعضواتها أي طموح سياسي أو هدف لمواجهة السلطة فيما بعد، كما أن شريحة النضال
النسوي تكاد تكون منعدمة الفاعلية والتأثير في مصر، إلا من بعض الحالات الفردية".
ويؤكد الوكيل أن السيسي يستخدم العديد من الأدوات في مواجهة
الأزهر وقانون الأحوال الشخصية المرتقب، ومنها هذه الواجهة المدنية، "في إطار
حرصه على عدم ظهور الخلاف بينه وبين والأزهر بشكل مباشر".