هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كتبت هذا المقال منذ فترة طويلة لكن أمرا في داخلي منعني من نشره في حينه ثم عدت وأضفت له بعض الملاحظات بناء على ما استجد.
في الآونة الأخيرة ضجت المواقع الإخبارية والمقالات الصحفية بالحديث حول الخلاف الواقع بين أحمد داوود أوغلو وأردوغان وكان الناس في الغالب منقسمين بين مقدس للرجل وعبقريته السياسية ويعتبر أن أردوغان والحزب لا يحتملان قدراته وأن سيطرة ومركزية أردوغان لم تعد تطاق وبين من يخون الرجل ويتهمه بالبصق في الطبق الذي أكل منه وكما يقول اخوانا المصريين خان العيش والملح وغيرها من التهم الجارحة حتى وصل الحال ببعض الكتابات ان اتهمته بالتعاون مع اللوبي الأمريكي في المنطقة وأنه مندس على مشروع الخلافة ! الذي يحمله أردوغان.
وبين هؤلاء وهؤلاء ضاعت الواقعية والحقيقة التي يجب أن يقرأها المهتم بالشأن التركي بغض النظر عن موقفه من الرجلين أو حتى موقفه من المشروع التركي الجديد لأنه بدونها سيبقى كل يغني على ليلاه دون فائدة.
وقبل أن نخوض في تفاصيل اللقاء والفراق هناك قضيتان هامتان يجب أن نعرفها وهما:
1- المجتمع التركي بطبعه يقوده فرد وهذا طبعه منذ مئات السنين ويبدو أن أثر طريقة الحكم في عصر الدولة العثمانية ما زالت هي السائدة في المجتمع ففي مختلف فترات الحكم العلماني منها والمحافظ أو اليساري أو اليميني كان الشخص الذي يقود الحزب أو الجماعة أو التيار هو صاحب القول الأول والأخير ومن يخرج عليه يعتبر خارج عن الطاعة وعدو المصلحة فهكذا حكم أتاتورك وأوزال وديميريل وأربكان وهكذا يقود قادة الأحزاب السياسية أحزابهم ف ياليمين واليسار والمتابع يرى أن قادة الأحزاب التركية لا يتغيرون إلا بانتكاسة سياسية تقضي على الحزب أو فضيحة سياسية تجبره على الاستقالة.
2- أنه ليس هناك في السياسة حمل وديع وذئب متوحش فكل من يدخل حلبة العمل السياسي وينافس على قيادة الأحزاب والحكومات هو رجل لديه رغبة وطموح سياسي شخصي وفكري يرغب في الوصول إليه وهكذا هو أردوغان وداوود أوغلو و غول وغيرهم.
3- الأخطاء الإدارية واردة في كل المؤسسات والمشاريع و السياسي الذكي هو ذلك السياسي الذي يقدر حجم الخطر على المشروع أولا قبل شخصه أو حتى رأيه التكتيكي وبناء على الأولى يقرر الحاجة للتغيير من الداخل أو الخارج أو حتى إفشال القائم لإنتاج شيء أكثر جدوى ونجاحًا.
أما موضوع الخلاف بين الرجلين الذان عرف عنهما التوافق حتى تولي داوود أوغلو رئاسة الوزراء ورئاسة الحزب ثم الاستقالة منهما فيه الكثير من التفاصيل والدوافع التي كان من المنطقي ان تفضي إلى هذا الفراق بينهما ولكن هناك قضية أساسية والباقي كله مرتبط به وهو رؤية الطرفين المختلفة لإدارة الحزب والدولة فأردوغان يرى أن العدالة والتنمية هو حزب يحمل مشروعا تجديديا في السياسة التركية وأنه هو قائد وموجه هذا المشروع وهو فعلا هكذا منذ قبل تأسيس الحزب حيث كان يدير الكفة حتى اثناء منعه من العمل السياسي وهو من شكل و حرك الفريق وداوود أوغلو الذي التحق بالحزب بعد تأسيسه كمفكر ومستشار لعدة سنوات و بعد تكليفه بالعديد من المهام الرئيسية في الدولة كان أعلاها رئاسة الوزراء ورئاسة الحزب وفي هذا الموضوع سأكتب بعض ما رشح في الإعلام التركي المؤيد والمعارض والمحايد وفي نفس الوقت بعض ما وصلني من داخل الحزب مباشرة ..
حدث بين الرجلين وهما في أعلى منصبين في إدارة الدولة كرئيس وزراء ورئيس جمهورية وأعلى شخصيتين في الحزب رئيسه الإداري داوود أوغلو وأبوه الروحي القائد الحركي له أردوغان اختلافات وخلافات متعددة لكنها كلها انتهت دون التأثير على بنية الحزب و مكانة أي منهما فيه فقد اختلفا بسبب ترشح رئيس الاستخبارات و صندوق اسرار أردوغان للبرلمان واختلفا على تعجل داوود أغلو في بعض خطوات المصالحة الداخلية و حتى في تشكيل الحكومة الائتلافية ولكن كل هذه الاختلافات داخلية استطاع الحزب وكوادره استيعابها.
لكن الخلاف الذي لم يستطع الحزب او تركيبته التنظيمية تحمله هو التنافس على من يقود الحزب و ن يدير قيادة الدولة فأردوغان الذي كان يطالب منذ بدايات حكم العدالة والتنمية بالنظام الرئاسي كما معظم الأحزاب السياسية التي سبقته كان يؤمن ان التضارب في الصلاحية بينه وبين داوود أغلو كان يجب ألا يظهر كتنافس على رأس الهرم لانه يرى ان داوود ابن الحركة وأنه يؤمن بقيادة أردوغان وهذا ما لم يحدث فقد كان واضحا في هذا الموضوع أن داوود أوغلو يسعى جاهدا لكي يكون هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في الحزب ولهذا قصة تحتاج للتفصيل كي تضح الصورة ..
فقبل انتخاب اردوغان لرئاسة الجمهورية كان الجدل حول من يخلفه في رئاسة الحزب و الوزراء وكان من بين الأسماء المطروحة داوود أوغلو ونعمان كورطولموش وحتى عودة غول ولكن كان في الكواليس حديث يتكلم عن رغبة أردوغان برجل تنفيذي يخلفه و ذكر بعضهم بن علي يلدرم لكن أردوغان ولحسابات داخلية وخارجية فضل داوود أوغلو لكنه وقبل اعلان اسمه كان في دعايته الانتخابية قال بوضوح أنه سيكون رئيس جمهورية يستخدم كل صلاحياته الأمر الذي يوضح أنه يريد الصلاحيات التي كانت تتداخل بين رئاسة الوزراء والجمهورية لتكون من نصيب رئيس الجمهورية الأمر الذي عرفه كل المتابعين للشأن التركي ومن باب أولى قيادات الحزب السياسية..
أما داوود أوغلو فكان له رأي آخر فبجانب اختلافه مع رئيس الجمهورية في كثير من القضايا المصيرية وتبين لاحقًا أنه لا يستشيره في بعضها إلا أن داوود أوغلو رئيس الحزب أراد مسح آثار القائد والأب الروحي للحزب من داخله واضعاف أثره فيه وقد صرح أحد الإعلاميين الذين شاركوا في احد الاجتماعات الخاصة بهذا الأمر وقال أنه أبلغوه أن عهد الرئيس ( أردوغان ) انتهى والآن عهد الهوجا ( داوود أوغلو) وأنه يجب أن يحدد موقفه مع أي الفريقين سيكون . فبعد تعيينه رئيسا للحزب عقد الحزب أول جمعية عمومية له لينتخب رئيسه ولجنة الحزب المركزية فكانت المعركة الحادة الأولى بين الطرفين حيث للمرة الأولى للحزب يوشك فيها على خوض الانتخابات بقائمتين متنافستين لا قائمة موحدة متفق عليها مسبقًا حيث أن داوود أوغلو قام بإعداد قائمة للجنة المركزية لم يعط فيها للشخصيات المقربة من أردوغان إلا أقل من أصابع اليد الواحدة فدعم أردوغان بن علي يلدرم ليعد قائمة أخرى ويجمع تواقيع أغلبية القيادات التنظيمية التي يحق لها التصويت بالموافقة عليها مما أضطر داوود أوغلو للعدول عن قائمته وأوقدوا قائمة فيها غالبية لتيار أردوغان في الحزب.
لم يتوقف حراك داوود أوغلو بعد هذه الحملة بل وبعد استلامه للرئاسة انتخابيًا واستلام صلاحية إدارة التنظيم التي في العادة توكلها اللجنة المركزية في الحزب للرئيس و على غير العادة قام بحل التنظيم والذراع الشبابي والنسوي بالكامل أيضًا وأقال من منصبه التنظيمي كل من استطاع ممن عرف عنهم بالولاء لأردوغان ثم انتقل لمفاصل الحزب الإدارة ومقر الرئاسة وفصل منها أيضًا من استطاع من جماعة ! أردوغان إن صح القول وهو الأمر الذي أثار الحزب ووصل الأمر أن استقال بسببه نائب رئيس الحزب لشؤون التنظيم مرتين الأولى تدخل فيها أردوغان وأعاده بعد الضغط على داوود أوغلو لإصلاح الأمر والثانية نتج عنها أن اجتمعت اللجنة المركزية بقرار ثلثيها على غير رغبة داوود أوغلو وسحبت منها صلاحيات إدارة شؤون التنظيم في الحزب وإعادته لنائب الرئيس لشؤون التنظيم سليمان صويلو الأمر الذي تدحرجت معه الأمور بسرعة فوصلت لاستقالة / إقالة داوود أوغلو من رئاسة الحكومة ثم رئاسة الحزب وتولي بن علي يلدرم مكانه..
وبالفعل استقال معظم الفريق الذي عينه داوود أوغلو في المفاصل والقيادات المحلية والمركزية من مناصبهم معه بمجرد استقالته ثم انسحبوا معه للحزب الجديد ككوادر ومؤسسين.
وبهذا انتقل داوود أوغلو من أحد أقرب الرجال لأردوغان إلى منافسه بل وأحد أخطر منافسيه الذي لم يبني حزبه ليفوز بالانتخابات بل ليتسبب بخسارة أردوغان حسب التوقعات الحسابية للكتلة التي من المتوقع ان تؤيده في الشارع ولكن هذا قطعًا لا يعطي صفة الخيانة والعداء لتركيا للسيد داوود أوغلو حتى لو التقت نتائج حراكه السياسي مع رغبات الكثير من الأطراف الداخلية والخارجية العمادية للعدالة والتنمية فكرا وتطبيقًا لكنها السياسة ورغبة البشر بتحقيق طموحاتهم السياسية والشخصية عبر الطرق القانونية.