هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
فجأة قامت القيامة، بعد توقيع تركيا اتفاقتين مع حكومة "الوفاق الوطني" الليبية، المعترف بها دولياً، إحداهما خاصة بترسيم الحدود البحرية بين البلدين في البحر المتوسط، والأخرى للتعاون العسكري بين تركيا وحكومة الوفاق فى طرابلس. وتتوافق كلا الاتفاقيتين مع القانون الدولي، وأيضا مع ما حصل من اتفاق بين روسيا وتركيا حول الشأن الليبي، فسارعت أوروبا لجمع أوراقها، للحاق بالركب الليبي، لشعورها أنها استبعدت من الجنة الليبية، ولن ينالها نصيب من نفطها ولا غازها في البحر المتوسط.
شهود لا أطراف
وهكذا أعلنت أنجيلا ميركل عن مؤتمر لحل الأزمة الليبية في برلين، دعت إليه الدول المعنية بالشأن الليبي، من منظورها الخاص، واستثنت المغرب، الدولة القريبة من "ليبيا" والتي استضافت من ذي قبل، اتفاق "الصخيرات" أول اتفاق فى المأساة الليبية، بينما دعت الدولة المتآمرة على ليبيا "أبو ظبي" القادمة من غرب آسيا. وحينما احتجت تونس، الدولة الجارة عن عدم دعوتها، أرسلت لها الدعوة قبل إنعقاد المؤتمر بساعات، ما دفع الرئيس قيس سعيد لرفض الحضور، كما أنها انتبهت في اللحظات الأخيرة، أن دولة "ليبيا" تقع في القارة السوداء، مما يتطلب حضور "الاتحاد الأفريقي" ليكتمل المشهد، لا كلاعبي أدوار بل لمشاهدة المسرحية كمشجعين وشاهدين على تقاسم النفوذ في الجسد الليبي!!
ومن السخرية بمكان أن تغضب دولتا اليونان وقبرص، لعدم مشاركتهما في تحديد مستقبل ليبيا العربية الأفريقية، التي ينهش الضباع جسدها الجريح!!
تسارع الذئاب على مائدة اللئام ووقف الليبيون في الخارج كالأيتام، لا ينظر إليهم أحد وإن كان المؤتمر سرق إسمهم، لا أحد يعنيه الشعب الليبي بقدر ما يهمه النفط الليبي، ولا أحد ينظر لليبيا كدولة مستقلة لها تاريخ حضاري بل ينظرون فقط للغاز والنفط الليبي!
كان من الأحرى لهم أن يسموه مؤتمر "وصاية الغرب على النفط الليبي" هذا ما يدور من وراء كواليس المؤتمر، أما على المسرح ذاته، فيبدي القادة المشاركون في المؤتمر انزعاجهم وقلقهم الزائد على مستقبل ليبيا، وحرصهم على الحفاظ على وحدة الدولة وسلامة أراضيها، بينما هم يقسمونها من وراء الستار!
من السخرية بمكان أن تغضب دولتا اليونان وقبرص، لعدم مشاركتهما في تحديد مستقبل ليبيا العربية الإفريقية، التي ينهش الضباع جسدها الجريح!!
غابت تركيا كقوة إقليمية عن المشهد الليبي طويلاً، وعندما أحست بخطورته على أمنها القومي وضياع حقها في مياه البحر المتوسط، سارعت بعقد اتفاقيتين مع حكومة السراج، فجن جنون دول الثورات المضادة، واعتبرت دولة الإمارات، أن تركيا قد أعلنت الحرب، فسارعت بإرسال المال والسلاح لـ"حفتر" كي يتمكن من الاستيلاء على العاصمة قبل وصول القوات التركية لليبيا، ولكنه فشل في دخولها مثلما فشل مراراً من قبل، رغم إعلانه في كل مرة، أن الحسم سيكون خلال ساعات، وذلك بفضل ثوار طرابلس الأبطال، الذين تصدوا بكل قوة وبسالة لهجماته الشرسة، التي استهدفت المدنيين العزل وطلبة الكلية العسكرية، الذي قام الطيران الإماراتي بقصف صاروخي على مبناه، ما أسفر عن سقوط طلبة الكلية بين قتيل وجريح!
إن تأخر وصول القوات التركية، رغم مصادقة البرلمان التركي على الاتفاقيتين، مكن "حفتر" من الاستيلاء على "سرت"، بالخيانة ودون قتال، كي يذهب إلى مؤتمر "برلين" للتفاوض من مركز قوة، ويضمن لنفسه دوراً محورياً في المرحلة المقبلة، وهو مجرم حرب ومطلوب في محكمة الجنايات الدولية، وكأن الهدف من المؤتمر هو إضفاء الشرعية الدولية عليه وإنقاذه، وتمكينه من المدن التي استولى عليها، بقوة السلاح وقتل أهلها، ولكن هذا لا يعني الغرب، كما ذكرنا سالفاً.
إن دعوة حفتر لمؤتمر برلين يظهر الوجه القبيح لما يُسمى المجتمع الدولى، ذلك المجتمع المنافق الذي يساوي بين المجرم والضحية، وبين المنقلب والشرعي وبين الدولة والعصابة! ويمنحه حق التفاوض مع القادة والرؤساء، وهو بغير ذي صفة أكثر من أنه متمرد قام بانقلاب عسكري وقائد ميليشيات من المرتزقة، يطلق عليه زوراً وبهتاناً (الجيش الوطني الليبي) ونصب نفسه قائداً عليه، ورقى نفسه لرتبة "مشير" ويرصع بدلته بعشرات الأوسمة والنياشين، وهو المهزوم دوماً، ولم يحقق أي نصر في حياته، بل إن الحرب الوحيدة التي خاضها في تشاد، خرج منها مهزوماً مذلولاً مدحوراً أسيراً، مما اضطر القذافي إلى طرده من ليبيا لتحتضنه أمريكا بعد ذلك ليعود بعد ثورة ليبيا المجيدة في 17 فبراير 2011.
********
الثورة الليبية شأنها شأن كل ثورات الربيع العربي، تكالب عليها الجميع، القريب قبل البعيد، لإجهاضها والنيل منها، وأصابها ما أصاب بلدان ثورات الربيع العربي من فرقة وانقسام، أدى لوأدها، ولنعد بالذاكرة قليلاً إلى الوراء، أو بلغة السينما (فلاش باك)، لنستوعب ما يحدث الآن من صراع بين الدول على جسد ليبيا الجريح!!
أثر الثورة المضادة
بعد نجاح الثوار في الإطاحة بحكم معمر القذافي وسيطرتهم على كل الأراضى الليبية، وشروعهم في بناء مؤسسات الدولة من العدم، وهو ما لم يرق لقوى الشر في المنطقة، كي لا تذوق الشعوب العربية طعم الكرامة وتستنشق عبير الحرية والديمقراطية، فتنتقل رياح التغيير إلى بلدانهم، فتهوي عروشهم الهاوية من الأساس، فاشتغل مركز الثورات المضادة في دولة "المؤامرات العبرية"، وعملت أدواته وآلاته المختلفة، على إجهاض كل محاولات البناء، بل وهدم ما بني، وأدخلوا الثوار في صراعات، تَقاتل ثوار الأمس، ورفقاء الدرب مع بعضهم البعض وتدخلت القبائل والعشائر في الصراع، وتعالت النعرات الاجتماعية وكثرت الفتن، فضاعت الثورة في تقسيم الغنائم، وتنفس فلول النظام القذافي الصعداء، وخرجوا من جحورهم معلنين عن أنفسهم، مستغلين حالة الفرقة والقتال بين الثوار، وتقسمت ليبيا إلى شطرين حتى الآن، ولكل منهما حكومته، شطر شرقي في قلبه مدينة "بنغازي" ثانى أكبر مدينة بعد طرابلس، مفجرة الثورة ووقودها فى الأيام الخوالي، والتي هاجمها العميد المتقاعد المهزوم خليفة حفتر، الذي استقوى على شعبه بمليشياته المرتزقة، وقاتل أبناءها واستطاع أن ينتزعها من الثوار ويسيطر عليها وضمها إلى باقي المدن التي تحت سيطرته، ولهذا الجزء الشرقى من ليبيا حكومته الخاصة والتي يدعمها مجلس النواب في طبرق، أما الشطر الآخر فهو يشمل العاصمة طرابلس والتي بها مقر "حكومة الوفاق الوطني" الحكومة المعترف بها دولياً برئاسة فايز السراج..
كي لا تكون طرابلس إدلب (2)
أردت من هذا السرد السريع، أن أوضح أن مصائب بلادنا تنبع من ذاتنا أولاً، ربما عن عمد أو بغير عمد، لا فرق، لأن أعداءنا يستغلونها في الحالتين، من خلال عملاء لهم من أبناء تلك البلدان، يكونون على علم بما يفعلونه وما يخطط له الأعداء في بلدانهم.
وقد كان لافتا للانتباه امتعاض القيادة الروسية من مغادرة حفتر لموسكو دون توقيع لاتفاق وقف إطلاق النار مع السراج على الرغم من أنه حليفها، وإن كان الرئيس بوتين قد نفى في مؤتمر صحفي له مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وجود قوات روسية في ليبيا.. وفي محاولة مكشوفة للتنصل من مسؤولية بلاده تجاه ما يرتكبه الجنود الروس في ليبيا، عزز ذلك بأنهم جنود تابعون لشركة "فاجنر" ولا يمثلون الدولة الروسية ولا تمولهم الدولة!
إن دعوة حفتر لمؤتمر برلين يظهر الوجه القبيح لما يُسمى المجتمع الدولى، ذلك المجتمع المنافق الذي يساوي بين المجرم والضحية، وبين المنقلب والشرعي وبين الدولة والعصابة!