هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "فورين أفيرز" مقالا للدبلوماسي الأمريكي والزميل البارز في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، مارتن إنديك، يعلق فيه على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلام في الشرق الأوسط.
ويقول الدبلوماسي الأمريكي إن خطة ترامب "غير المنصفة" للسلام في الشرق الأوسط لم تترك أي شيء للتفاوض عليه.
ويشير إنديك في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "فريق الرئيس دونالد ترامب المكلف بخطة السلام الأمريكية للشرق الأوسط قدم خطة شاملة وحلا إبداعيا لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، ومع أن ترامب كان عجولا في شجبه الخطط الأمريكية السابقة، إلا أن فريقه بنى مبادئ ومفاهيم الخطة الجديدة وحتى صياغة الخطط السابقة".
ويفيد الكاتب بأنه "في الوقت الذي حاول فيه الوسطاء الأمريكيون السابقون بناء أرضية اتفاق من خلال ردم الهوة في المواقف المتباينة للطرفين، فإن فريق ترامب حل القضايا بخفة يد عبر التعامل مع قضايا الحل النهائي، وهي الحدود والأمن والقدس واللاجئين والاعتراف المتبادل بدعم الموقف الإسرائيلي، وحتى قبل بدء المفاوضات".
ويلفت إنديك إلى أن "المفاوضين الأمريكيين اهتموا بتأمين الحدود بين الأردن والدولة الفلسطينية في المستقبل، حتى لا تتحول الحدود إلى بوابة لعبور الأسلحة والإرهابيين إلى الضفة الغربية ومنها إلى إسرائيل، وفي عهد إدارة باراك أوباما السابقة قام فريق من الخبراء الأمنيين الأمريكيين وبالتشاور مع نظرائهم الإسرائيليين والفلسطينيين بتطوير خطة تقوم فيها قوات الأمن الفلسطينية تدريجيا بتحمل المسؤولية على الحدود، وستتاح لهذه القوات الفرصة لإظهار التزامها وقدراتها على مدى عدد من السنوات".
ويقول الكاتب إن فريق ترامب استعار من تلك الخطة المعيار الأمني الذي يتم من خلاله قياس التقدم الفلسطيني، ويتم تطبيقه بدلا من ذلك على الأمن الداخلي الفلسطيني، والمشرف على هذا هي إسرائيل التي أصبحت الحكم النهائي للأداء الفلسطيني، ومن هنا حلت الخطة موضوع وادي الأردن من خلال منحه كليا إلى إسرائيل، وعليه فإن ترامب سيحيط الدولة الفلسطينية بأراض إسرائيلية، ما يقطع اتصالها مع وداي الأردن محولا أريحا، الجيب الفلسطيني والدولة الفلسطينية إلى بانتوستان".
وينوه إنديك إلى أنه "بشكل مشابه كافح المفاوضون السابقون للتسوية بين المزاعم المتنافسة حول السيادة على القدس، خاصة المنطقة المقدسة في المدينة القديمة، حيث الأماكن الإسلامية والمسيحية واليهودية".
ويذكر الكاتب أن "المفاوضين حاولوا في الماضي حل موضوع السيادة من خلال إدارة مشتركة للمدينة القديمة، وكان الحل بالنسبة لفريق ترامب هو منح السيادة الكاملة لإسرائيل على المدينة المقدسة، بما في ذلك المنطقة المسيحية والإسلامية ومسجد الأقصى".
ويشير إنديك إلى أن "اليهود كانوا على مدى الـ52 عاما قادرين على زيارة الحرم إلا أن الصلاة فيه للمسلمين؛ بسبب الحساسيات الدينية، وهو ما أصبح يعرف بالوضع القائم الذي أديرت من خلاله الأماكن المقدسة، ورغم التزام خطة ترامب بالوضع القائم إلا أنها تقدم فرصة لليهود بالصلاة في الحرم الشريف أو معبد الهيكل كما يطلقون عليه، ويعد هذا تحولا مثيرا للغليان".
ويبين الكاتب أنه "تعويضا لهم للتخلي عن سيادتهم على الحرم الشريف، ثالث أقدس المواقع في الإسلام، فإنه تم منح الفلسطينيين مركزا سياحيا في شمال القدس، فيما تتحكم إسرائيل في المداخل للأماكن الإسلامية والمسيحية، وهذا هو العرض ذاته الذي رفضه ياسر عرفات في محادثات كامب ديفيد عام 2000، وقال للرئيس بيل كلينتون إنه لو قبل به فلن يتردد شعبه في قتله أو يفضل قتل نفسه على قبوله".
ويلفت إنديك إلى أن "خطة ترامب رفضت موقفا تم التفاوض عليه بدقة، وفضلت حلا غير منصف وغير متوازن، فمنذ إدارة كلينتون كانت القاعدة المتساوية للمقترحات الأمريكية حول القدس تقوم على اعتبار الأحياء العربية في القدس الشرقية تخضع للسيادة الفلسطينية، لكن خطة ترامب تضع الأحياء العربية كلها تحت السيادة الإسرائيلية، تاركة للفلسطينيين حيا واحدا ومخيما للاجئين على الجانب الشرقي للجدار الذي تركته إسرائيل بعد الانتفاضة الفلسطينية، وقيل للفلسطينيين إنهم يستطيعون بناء عاصمة دولتهم على تلك الشريحة من القدس، ومحاطة بجدار من الجانبين، ومقطوعة عن المسجد الأقصى، وفيها 300 ألف فلسطيني يعيشون في القدس الشرقية".
ويبين الكاتب أنه "بالنسبة للمستوطنات فإنه تم الاتفاق في المفاوضات السابقة على ضم الكتل الاستيطانية الكبرى الواقعة على خط عام 1967، وتعويض الفلسطينيين بأراض من إسرائيل، وبناء على هذه الترتيبات سيتم ضم 85% من المستوطنين الذين يعيشون على 3-5% من أراضي الضفة إلى إسرائيل، أما المستوطنات في قلب الضفة الغربية فسيتم إخلاؤها للسماح بتواصل الدولة الفلسطينية، وتبنت خطة ترامب فكرة تبادل الأراضي، لكنها منحت مقابل ذلك مناطق مقفرة على الحدود مع مصر لتعويض الفلسطينيين عن أراضي الضفة الغربية التي سيتم ضمها إلى إسرائيل، والنتيجة هي شريحة جبن سويسرية دون إمكانية للتواصل الإقليمي، وتحدث فريق ترامب عن تواصل بين الجزر الفلسطينية من خلال الأنفاق والجسور، وكلها ستكون تحت السيطرة الإسرائيلية".
ويقول أنديك إن "الكثير من الأمريكيين والإسرائيليين وحتى دول في الخليج العربي يتفقون مع ما كتبه بريت ستفينز في (نيويورك تايمز) بأن رفض الفلسطينيين اليوم يعني حصولهم غدا على ما هو أقل".
وينوه الكاتب إن "ديفيد بن غوريون قبل خطة التقسيم للأمن المتحدة عام 1947، التي منحته شريحة من فلسطين، ولم تكن تشمل القدس التي كانت ستكون تحت إدارة دولية، وعلى الفلسطينيين تبني الفكرة ذاتها اليوم، وعليهم أخذ الشريحة ومحاولة المقايضة على حصة أفضل، وقال جارد كوشنر، المسؤول عن الخطة، إن الفلسطينيين يمكنهم التفاوض على مبادئ في الخطة لا تعجبهم".
ويستدرك إنديك بأن "هذا النقاش يتجاوز الخلل الكبير في الخطة ليكون بداية تفاوض، ويتجاهل أن ما سيحصل عليه الفلسطينيون في المقابل مشروط: بناء ديمقراطية غربية، والسيطرة على غزة، ونزع سلاح الجماعات المسلحة، ومن سيكون الحكم على هذا كله؟ إسرائيل".
ويجد الكاتب أن "ما هو أسوأ من هذا كله هو أن ترامب قدم خطته بصفتها إملاءات، وكان يتحدث وكأن كل شيء تم التوافق عليه بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وما على فريق أمريكي إسرائيلي، وليس فريقا إسرائيليا فلسطينيا، هو تحديد معالم الحدود التي أقرتها خطته، وما يقف أمام تطبيق الخطة هو الانتخابات الإسرائيلية في 2 آذار/ مارس، سواء تمت عملية ضم المستوطنات ووادي الأردن وكل ما في الخطة عبر تفاوض إسرائيلي فلسطيني أم لا، فالغنائم كلها في يد إسرائيل، وكل ما يجب على الفلسطينيين فعله مقابل موافقة ترامب على دولة لهم، هو التخلي عن 30% من الضفة الغربية، فماذا بقي إذا للتفاوض عليه؟".
ويشير إنديك إلى أن "الحكومات الإسرائيلية والإدارات الأمريكية رفضت لسنوات طويلة حلا قسريا للنزاع، ويبدو أن فريق ترامب قام بالتشاور مع نتنياهو بطبخ حل للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي قائم على الإجبار، لهذه الأسباب كلها يرفض الفلسطينيون التفاوض على خطة تميل لصالح إسرائيل وتعطيها الأوراق كلها".
ويختم الكاتب مقاله بالقول إن "رفض الفلسطينيين للخطة منح نتنياهو المبرر للضم الذي باركه ترامب، وعلى الفلسطينيين في هذه الحالة تجاوز خطة ترامب من خلال عدم الدخول في مفاوضات مباشرة مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي ستشكل بعد 2 آذار/ مارس، ويجب أن يقوموا بهذا بناء على القرارات التي صدرت في الماضي عن مجلس الأمن، التي تدعو لحل الدولتين، وعلى القادة العرب الإشارة إلى المبادرة العربية التي تدعو لدولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية مقابل التطبيع، وربما دفع هذا لدعم عربي للموقف الفلسطيني وتعبئة المجتمع الدولي بطريقة تجبر ترامب على التخلي عن خطته، وتقديم حل متوازن وواقعي لأزمة القرن".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)