أكّد الرئيس الأمريكي
دونالد
ترامب في بيان، أنّ القوّات الأمريكيّة
قتلت زعيم تنظيم القاعدة في جزيرةالعرب قاسم الريمي، خلال عمليّة في
اليمن، مضيفا أن "موته يزيد من تدهور
تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وتنظيم القاعدة العالمي".
لكن نظرة خاطفة على
تكتيكات "قطع الرؤوس" وغيرها من الوسائل العسكرية منذ تدشين "حرب
الإرهاب"، تشير إلى محدودية أثرها على "الجهادية العالمية". فقد
ازدهرت الحالة الجهادية منذ هجمات 11 سبتمبر، وباتت أكثر خطورة وأوسع انتشارا. ولم
تشهد الحالة "الجهادية" انحدارا وتدهورا بنيويا، ذلك أن انتشار ظاهرة ما
يسمى "الإرهاب" يستند إلى أسباب وشروط ظروف موضوعية، سياسية واقتصادية
واجتماعية، ترتبط بفشل الدولة الدكتاتورية الوطنية وتنامي الصراعات الإقليمية
الطائفية والجيوسياسية وزيادة التدخلات الإمبريالية الخارجية.
إن مقتل الريمي ومن
قبله الوحيشي وغيرهما من قيادات قاعدة الجهاد في جزيرة العرب، لا يغيّر المشهد
اليمني البائس. فالبلد الأفقر في العالم العربي أصبح نموذجا للفشل والفوضى، وبات
ساحة لحرب الإرهاب وحروب الوكالة والتدخلات الإقليمية والدولية، إذ تنظر الولايات
المتحدة إلى اليمن من خلال مسألة مكافحة إرهاب ومواجهة النفوذ الإيراني، وذلك
بالانخراط بالحرب ضد تنظيمي قاعدة الجهاد في جزيرة العرب، و"الدولة الإسلامية"
(ولاية اليمن)، ومساعدة السعودية والإمارات في التصدي لجماعة أنصار الله (الحوثية).
وبهذا سقط اليمن في
غمار صراع فوضوي متعدد المستويات، ولن يكون من السهولة بمكان فكفكته أو حله، حسب غريغوري
دي جونسن، مؤلف كتاب "الملاذ الأخير: اليمن والقاعدة والولايات المتحدة".
لقد أفضت حرب اليمن إلى تفكك الدولة وصعود المليشيات المسلحة. وقد
عملت السعودية والإمارات على تأسيس وإنشاء عشرات المليشيات على أسس دينية وقبلية
وجهوية متباينة وغير متجانسة، وتتوافر على أهداف سياسية متناقضة.
وقد أدت الحرب المليشياوية إلى وقوع أسوأ أزمة إنسانية في عصرنا
حسب الأمم المتحدة، وبات
اليمن عقب التدخل السعودي الإماراتي المدعوم أمريكيا، بذريعة حرب تنظيمات الجهادية
العالمية والجماعة الحوثية كذراع إيرانية، ساحة لمليشيات بلا دولة، وأصبح المشهد
مفككا ومنفتحا على صراعات داخلية سياسية وهوياتية، وأزمات اقتصادية، وانحيازات قبائلية
ومناطقية، واستقطابات جهوية وأيديولوجية. ولم تعد "الشرعية" مفردة دالة،
وغدا مصطلح "الإرهاب" فوضويا، بحيث توصف به أطراف الصراع كافة.
فالتحالف
السعودي الإماراتي ينعت الحوثيين وجماعة أنصار الله بالإرهاب باعتبارهم مجرد أذرع
ومليشيات تتبع إيران، وتصنف تنظيمات القاعدة وأنصار الشريعة والدولة الإسلامية
وجماعة الإخوان المسلمين وذراعهم السياسي حزب الإصلاح؛ كمنظمات إرهابية.
لا جدال في أن مقتل الريمي الذي أكده البيت الأبيض في السادس من شباط/ فبراير 2020 يشكل
خسارة لتنظيم القاعدة المركزي وفرعه في اليمن، لكنه لا يمثل تحولا جذريا وتدهورا
وتراجعا لتنظيم القاعدة. وكانت طائرة مسيرة أمريكية
استهدفت مساء 31 كانون الثاني/ يناير الماضي منزلا في مديرية "وادعي
عبيدة" شرق مدينة مأرب اليمنية، يسكن فيه عناصر من تنظيم "القاعدة".
وقد أدت الغارة لمقتل قاسم الريمي.
ويعتبر الريمي من قدماء الجهاديين. فقد ولد
قاسم عبده محمد أبكر، أو قاسم الريمي، الملقّب بـ"أبو هريرة الصنعاني"،
في 5 حزيران/ يونيو 1978 في اليمن. وفي 16 حزيران/ يونيو 2015، تولى زعامة تنظيم "قاعدة
الجهاد في جزيرة العرب"، خلفا لأبي بصير ناصر الوحيشي الذي قتل بطائرة
أمريكية دون طيار، في مدينة المكلا بمحافظة حضرموت في 9 حزيران/ يونيو 2015. وقد انضمّ
الريمي إلى التنظيم في فترة مبكرة من حياته، بعدما اختفى مع أهله وأقاربه من
محافظة ريمة اليمنية، وكان في الـ15 من عمره، وتمكّن من إحياء تنظيم "القاعدة"
في اليمن بعد عودته من أفغانستان. وأدرجت الولايات المتحدة الريمي على قائمة
الإرهاب في أيار/ مايو 2010،
وعرضت مكافأة قدرها خمسة ملايين دولار لمن يقدم أي معلومات
تؤدي إلى القبض عليه. وفي 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2018، أعلنت وزارة الخارجية
الأمريكية عن رفع قيمة المكافأة من خمسة ملايين دولار إلى 10 ملايين دولار.
يشير مقتل الريمي إلى
تنامي تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب، وليس إلى انحساره وتدهوره، وذلك أن
التنظيم أعاد هيكلته مرة أخرى بالتركيز على أهداف القاعدة الأساسية بأولوية قتال
الولايات المتحدة الأمريكية والمستعمرة الاستيطانية الإسرائيلية، بعد انشغاله
بالعمليات القتالية الداخلية.
فقد أعلن التنظيم
مسؤوليته عن إطلاق النار التي وقعت في 6 كانون الأول/ ديسمبر 2019 في قاعدة بنساكولا الجوية
التابعة لسلاح البحرية في فلوريدا، وأسفرت عن مقتل ثلاثة بحارة وإصابة ثمانية
أشخاص آخرين على يد ضابط سعودي، حيث نشرت مؤسسة الملاحم الجناح الإعلامي لتنظيم
قاعدة الجهاد في جزيرة العرب، كلمة لقاسم الريمي يتبنى فيها الهجوم، موجها
التوصيات للتركيز على الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها الرأس في الحرب على
الإسلام، قائلا: "وفي طريق الوفاء بهذا العهد، فإننا نبارك لأمتنا المسلمة،
ونتبنى عملية الشهيد البطل، الفارس المغوار، محمد بن سعيد الشمراني".
وقدم الريمي لمحة عن
سيرة منفذ الهجوم الشمراني، ونشر الإصدار لقطات لوثائق خاصة بالشمراني، من مراسلاته
مع التنظيم قبيل تنفيذ الهجوم. وختم الريمي كلمته بالتذكير بكلمة ابن لادن قائلا: "أيها
المسلمون في أرجاء هذا العالم، نذكركم بقول الشيخ المجاهد الشهيد، أسامة بن لادن
رحمه الله، فلا تشاور أحدا في قتل الأمريكان".
إن عملية إعادة هيكلة قاعدة
الجهاد في جزيرة العرب التي بدأت 2018، والتي تجسدت واقعا بعملية القاعدة العسكرية في
فلوريدا، دفعت الولايات المتحدة إلى العودة إلى تنشيط الحرب ضد تنظيم القاعدة وتنظيم
الدولة في اليمن، بعد أن شهدت تراجعا عام 2019.
وكان الرئيس الأمريكي
دونالد ترامب قد أعلن عقب توليه السلطة، أنّ أجزاء من اليمن هي "مناطق أعمال
عدائية نشطة" (مما جعلها بحكم الواقع مناطق حرب) حسب غريغوري جونسن. كما قام
بالتوقيع على زيادة عدد العمليات الجوية وعمليات الطائرات من دون طيار، مما ضاعف
عدد الهجمات الأمريكية في اليمن لأكثر من أربعة أضعاف، فارتفعت من 32 غارة في
السنة الأخيرة من إدارة أوباما إلى 131 غارة خلال السنة الأولى لإدارة ترامب. وبحلول
منتصف عام 2018 عادت إدارة ترامب إلى معدل الأرقام التي رافقت عهد أوباما، حيث
نفذت 36 غارة معترفا بها خلال العام نفسه، ولم تحدث أيّة غارة خلال الأشهر
الثلاثة الأخيرة من العام نفسه.
كان المرشح الأوفر حظا
لخلافة الريمي السعودي خالد الباطرفي (أبو المقداد الكندي)، قد دشن الإعلان عن
عملية إعادة هيكلة قاعدة الجهاد في جزيرة العرب، والعودة إلى نهج القاعدة الرئيسي،
بعد قرار ترامب في كانون الأول/ ديسمبر 2017 حول القدس، حيث قال باطرفي في تسجيل
مصور نشرته مؤسسة الملاحم للإنتاج الإعلامي التابعة لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب،
بتاريخ 23 كانون الثاني/ يناير 2018، بعنوان "واجبنا تجاه قدسنا"؛ إن
"على كل المسلمين داخل الأرض المحتلة قتل كل يهودي بدهسه أو طعنه أو باستخدام
أي سلاح ضده أو حرق منزله". وتابع باطرفي أن على كل مسلم أن يعرف أن
"الأمريكيين والغرب الكافر وعلى رأسهم بريطانيا وفرنسا"، هم السبب
الرئيسي لوجود اليهود في فلسطين. وأضاف أن على المسلمين إعداد أنفسهم بكل شكل ممكن
لتنفيذ "عمليات جهادية" ضد اليهود والأمريكيين.
في سياق تحولات القاعدة
في اليمن، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2018 تخصيص
مكافأة قدرها خمسة ملايين دولار أمريكي، لمن يدلي بمعلومات تؤدي لتحديد موقع
القيادي بتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية خالد باطرفي.
ويعتبر القائد العسكري
والمتحدث باسم القاعدة، وهو من مواليد مدينة الرياض 1979، وقد سافر باطرفي إلى
أفغانستان عام 1999 وتدرب في معسكر الفاروق، وذهب إلى إيران بعد أحداث أيلول/سبتمبر 2001،
واعتقل فيها. وبعد الإفراج عنه سافر إلى اليمن، حيث أودع السجن ليخرج بعد سنتين
عام 2004. وقد تمكن باطرفي ومقاتلوه من السيطرة على محافظة أبين في 2011، وأصبح
أميرا للتنظيم في أبين، وأشرف على العديد من الهجمات ضد الحكومة اليمنية خلال عهد
الرئيس الراحل علي عبد الله صالح. وإلى جانب ذلك، كان باطرفي أيضا مشرفا على الشبكة
الإعلامية للتنظيم في اليمن. وفي آذار/ مارس 2011 تمكنت قوات الأمن اليمنية من
القبض عليه، وفي 2015، هاجم مسلحون ينتمون للتنظيم سجن المكلا المركزي في جنوب شرق
البلاد، الذي أودع فيه، واستطاعوا تهريب حوالي 270 سجينا من بينهم باطرفي.
إن تنظيم القاعدة وذراعه أنصار
الشريعة فضلا عن تنظيم الدولة لا يشهد تدهورا، بل يجذر من وجوده وفرصه المستقبلية.
فحسب جوناثان فنتون-هارفي في مقال بعنوان "مستقبل القاعدة في اليمن الذي
تمزّقه الحرب"، رغم الحملة التي يشنّها التحالف الذي تقوده السعودية، بدعمٍ أمريكي،
على تنظيم القاعدة في جزيرة العرب منذ أواخر العام 2016، التي أدّت إلى انسحاب
التنظيم من المكلا، إلا أنه ما يزال يحتفظ بموطئ قدم في اليمن، لا سيما بفضل تركيز
التحالف على الحوثيين بشكل أساسي، واستعداده لاستخدام تنظيم القاعدة في جزيرة
العرب حليفا ضدّهم. أضف إلى ذلك أن المزاعم الإماراتية عن حملة ناجحة ضد تنظيم
القاعدة في جزيرة العرب، مضلِّلة على الأرجح، نظرا إلى أن المسؤولين الإماراتيين
زعموا زورا في آب/ أغسطس 2018، أنه لم يتبقَّ في اليمن سوى مئتَي مقاتل تابعين
لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، بينما تشير التقديرات إلى أن التنظيم كان في العام
2010 يضم بضع مئات العناصر فقط، بيد أن أعدادهم سجّلت ارتفاعا كبيرا لتبلغ 4000
بحلول العام 2017، وما بين 6000 إلى 7000 بحلول العام 2018. وهي أرقام تتطابق مع
تقديرات الأمم المتحدة.
والتنظيم موجود في المناطق المدينية مثل المكلا بحضرموت، وزنجبار بأبين،
وأجزاء من محافظة شبوة، ويعمل في المناطق الريفية، لا سيما في محافظات البيضاء
ومأرب وشبوة، حيث تتسم المجتمعات بطابع قبلي وتعمل بشكل شبه مستقل عن الدولة.
خلاصة القول؛ إن ادعاء الرئيس
الأمريكي دونالد ترامب بأن موت الريمي يزيد من تدهور تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة
العربية وتنظيم القاعدة العالمي؛ لا يستند إلى حقائق موضوعية أو تاريخية، ذلك أن الجهادية
العالمية تستند في وجودها وازدهارها إلى أسباب وشروط موضوعية، وتعتبر التدخلات
الإمبريالية الأمريكية في المنطقة في مقدمة الأسباب الباعثة على العنف والتطرف،
بوقوفها دوما إلى جانب الأنظمة المحلية الدكتاتورية، ودعمها المطلق للمستعمرة
الاستيطانية الإسرائيلية، فضلا عن رعايتها للانقسامات المذهبية والحروب الطائفية.