قضايا وآراء

الحراك الجزائري عائق أم محفز لدور إقليمي فاعل؟

حازم عيّاد
1300x600
1300x600

أحيا الجزائريون ذكرى مرور عام على انطلاق حراكهم الذي أطاح بالعهدة الخامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة؛ ذكرى تفاعل معها رئيس الجمهورية المنتخب عبد المجيد تبون بإعلان يوم 22 شباط (فبراير) يوما وطنيا في الجزائر؛ فتبون أشاد بحراك الشارع في مقابلة على شاشة قناة روسيا اليوم الناطقة بالعربية بالقول: إن الشعب الجزائري أنقذ البلاد من الانهيار.

 

الرئيس والحراك

موقف الرئيس الجزائري من الحراك الشعبي محاولة جادة للاقتراب من الشارع الذي حذر من محاولات اختراقه من قبل عناصر تتبنى العنف والفوضى؛ هواجس لا تقتصر على رئيس الجمهورية إذ تشاركه فيها العديد من القوى السياسية، فالفوضى قادرة على حرف مسار الحراك وإدخال البلاد في نفق مظلم تتجاذبه القوى الإقليمية والدولية معيقا قدرتها على التعافي؛ فهل يعني ذلك الجمود والاعتماد على القوة الصلبة لمواجهة التحديات؟

الرئيس تبون وللخروج من حالة الجمود قال عبر برنامج (نيوز ميكر ـ روسيا اليوم): إن تعديل قانون الانتخابات والدستور عملية ستنتهي خلال عام؛ بل إنه عبر خلال المقابلة الصحفية عن رغبة جامحة لإنجاز التعديلات والقوانين في أقل من عام، وذهب إلى القول: إنه يتمنى أن ينجز الأمر في ستة أشهر إن أمكن.

 

موقف الرئيس الجزائري من الحراك الشعبي محاولة جادة للاقتراب من الشارع الذي حذر من محاولات اختراقه من قبل عناصر تتبنى العنف والفوضى


الانتخابات البرلمانية بحسب الرئيس ستخرج البلاد من حالة انعدام اليقين التي لازالت تخيم على الساحة الجزائرية التي تتخللها بين الحين والآخر مظاهرات كبيرة في شوارع المدن الجزائرية لتذكر بأن الإصلاح لم تكتمل فصوله بعد؛ الأمر الذي سيبقى العائق الأساس أمام انطلاقة حقيقية للجزائر في بعدها المحلي والإقليمي.

الرئيس الجزائري ومن خلال انفتاحه الإعلامي كشف عن نزعة قوية لتسريع العملية السياسية الداخلية ورغبة جامحة للخروج من حالة الجمود التي لا تتناسب مع طبيعة الإقليم سريع التغير سواء في إقليم البحر المتوسط أو في منطقة الصحراء والساحل الإفريقي؛ فالحراك الداخلي الجزائري يتحول شيئا فشيئا إلى حافز للانفتاح الداخلي والخارجي وهي رؤية آخذة في التبلور جزائريا.

 

شروط الدور الإقليمي

فالانطلاق إلى الفضاء الإقليمي والدولي الرحب يحتاج إلى جبهة داخلية قوية؛ رؤيا كشف عنها الرئيس 
الجزائري في معرض تعليقة على الأزمة السورية بالقول: إن سوريا تدفع ثمن رفضها التطبيع مع الكيان الإسرائيلي ورغم أنها كانت قوية في الخارج إلا أنها كانت ضعيفة في الداخل لانعدام الديمقراطية والمشاركة السياسية.

إنها بحق المرة الأولى التي يكشف فيها مسؤول جزائري رفيع المستوى عن القراءة الاستراتيجية للموقف في سوريا؛ المرة الأولى التي يلمح فيها مسؤول جزائري كبير إلى مسؤولية للنظام السوري بانفجار الأزمة وتدهور المشهد الإقليمي وانهيار سوريا كدولة مستقرة.

موقف يزداد وضوحا بإشارة تبون إلى ضرورة البحث عن حل سياسي؛ ذات الحل الذي طرحه في ليبيا بل وذهب أبعد من ذلك بتأكيده أن الفاعلية في التصدي لصفقة القرن يتطلب تحقيق الإجماع والتوافق في الساحة الفلسطينية؛ ما يوحي بامكانية لعب الجزائر لدور مُهم في المصالحة الفلسطينية .

دور من الممكن أن يدخلها في منافسة مع مصر والحال ذاته في الملف الليبي، فالدبلوماسية الجزائرية عملت على تعزيز دورها من خلال الانفتاح على حفتر وإقليم شرق ليبيا في بنغازي بلقاء وزير الخارجية صبري بوقادم مع الجنرال المتقاعد خليفة حفتر.

 

الديمقراطية الداخلية أولا

الرؤية عند تبون بدت واضحة تعكس قناعات قوية بضرورة تقوية الجبهة الداخلية عبر الديمقراطية وتوسيع المشاركة السياسية؛ كما أنها كشف عن توجه عام للسياسة الخارجية الجزائرية نحو الدفع باتجاه حل الصراعات الإقليمية من خلال الحلول السياسية التوافقية؛ علما بأنه لم ينكر وجود تباين في المواقف بين مصر والجزائر، مشيرا إلى قوة العلاقة التركية الجزائرية التي تمتد قرون من الزمن تفتح الباب لتعاون كبير مع أنقرة.

 

الجزائر تعمل على رسم معالم سياستها في الإقليم بما يتناسب ومصالحها وواقعها الداخلي القائم على الانفتاح السياسي


تبون قدم بلاده كوسيط فاعل ولكن في نفس الوقت بضوابط المشهد الداخلي والاستقرار الإقليمي بالدفاع عن مصالح بلاده المباشرة في ليبيا وتونس ومنطقة الصحراء والساحل؛ فاتحا الباب لتحالفات إقليمية كبرى؛ إذ تحولت الجزائر إلى محط اهتمام إقليمي وأوروبي تمثل بزيارة الرئيس التركي للعاصمة الجزائر ودعوة المستشارة الألمانية ميركل للرئيس الجزائري المشاركة في مؤتمر برلين حول الأزمة الليبية.

ورغم أن تبون برر تأجيل زيارته إلى الرياض بانشغالات إلا أن انشغالاته لم تمنعه من استقبال أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني؛ ما يعني أن الجزائر تعمل على رسم معالم سياستها في الإقليم بما يتناسب ومصالحها وواقعها الداخلي القائم على الانفتاح السياسي الذي انعكس بوضوح على السياسة الخارجية والخيارات الاستراتيجية.

ختاما: الحراك الداخلي والانفتاح السياسي الداخلي في الجزائر مرشح لأن يتحول إلى أحد أهم ضوابط ومحفزات السياسة الخارجية الجزائرية في المرحلة المقبلة ترتبط أشد الارتباط بالاستقرار الإقليمي الذي تتهدده قوى إقليمية وعربية تتسم بالتهور والنزق؛ رؤية إن ترسخت فستحول الجزائر إلى قوة إقليمية عربية مؤثرة بحق بشقيها الصلب والناعم (إعلاميا ودبلوماسيا).

التعليقات (0)