هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تدخل الثورة السورية عامها العاشر، والنظام السوري لا يزال مخالفا لغالبية التوقعات التي رجحت سقوطه، بعد اندلاع الثورة الشعبية ضده، في آذار/مارس 2011.
وأيا كانت الأسباب والوسائل التي اعتمد عليها، استطاع النظام أن يعيد سلطته إلى غالبية المناطق، ناجيا بذلك من السقوط رغم من الأزمات العديدة التي تضرب مناطقه، وأبرزها الاقتصادية.
لم ينتظر النظام السوري طويلا، ما بعد ظهور الاحتجاجات السلمية، حتى حسم أمره بمواجهة الشارع السوري الثائر، وبدأ بنشر وحدات الجيش في المناطق التي تشهد تظاهرات شعبية، وبدأ بقتل المتظاهرين، ما اضطرهم لحمل السلاح لحماية أنفسهم من بطش جيش النظام وأجهزته الأمنية، وما يسمى بـ"الدفاع الوطني" التي يطلق عليها معارضو النظام وصف "الشبيحة".
ونتيجة ارتفاع مستوى العنف مع المتظاهرين، في أواخر تموز/يوليو 2011، أعلن عدد من الضباط المنشقين عن جيش النظام عن تأسيس "الجيش السوري الحر"، ودخلت البلاد في حرب لا زالت رحاها تدور حتى وقتنا الراهن.
النظام السوري، استطاع بعد 9 سنوات من عمر الثورة السورية، أن يعيد المناطق تباعا إلى سيطرته، باستثناء إدلب وأرياف حلب الشمالية، ما يثير تساؤلات عند الأسباب التي ساعدت النظام السوري على ذلك.
التدخل الخارجي (إيران وروسيا)
الباحث والمحلل السياسي، محمد سالم، قال في حديثه لـ"عربي21"، إن للدعم الإيراني والروسي دورا كبيرا في إنقاذ النظام السوري من السقوط.
وأضاف، أن مجموعة من الأسباب أدت إلى ذلك، غير أن الدعم من الحلفاء هو السبب الأهم، موضحا "أن إيران بدأت باكرا بدعم النظام عسكريا، في الأشهر الأولى لعمر الثورة السورية، ومن ثم دخلت روسيا في أوج انتصارات المعارضة في العام 2015، لتدعمه أيضا، بضوء أخضر من بقية القوى الفاعلة".
وأكد سالم، أن "الملاحظ أن التدخل الروسي المباشر لم يكن مرفوضا من الأطراف الدولية، وتحديدا من الولايات المتحدة، ومن الاحتلال الصهيوني، ما يعني أن هناك شبه إجماع دولي على عدم سقوط النظام السوري، حتى من الدول غير الراضية عن سلوكه".
اقرأ أيضا: الثورة السورية بعامها العاشر.. فشلت أم مستمرة رغم الهزائم؟
واستدرك بقوله: "ما يهم المجتمع الدولي الحفاظ على بنية النظام بالحد الأدنى، حتى لا يتم تكرار تجربة العراق".
بنية النظام (الطائفية)
وثمة سبب مهم حال دون سقوط النظام، يشرحه سالم بقوله: "النظام السوري، اعتمد كثيرا على أبناء الطائفة العلوية، في قتال المعارضة"، مشيرا إلى حرص النظام السوري على وضع ضباط من الطائفة في كل المناصب العسكرية العليا، حتى يضمن بذلك ولاء الجيش الذي يُشكل السنّة قاعدته الواسعة.
وقال إن "البينة الطائفية للنظام خلقت حالة من التماسك في مؤسسات الجيش والأجهزة الأمنية، حيث استطاع النظام رص الطائفة العلوية خلفه، بعد أن أشعرها بتهديد الوجود".
وفي السياق ذاته، اعتبرت دراسة صادرة حديثا عن مركز "عمران للدراسات"، بعنوان "مراكز القوة في جيش النظام 2020: نهج الصفاء العلوي"، أن سيطرة الضباط العلويين على المراكز العليا والحساسة في جيش النظام السوري، كانت من بين أبرز نقاط القوة للنظام السوري.
الدراسة التي اطلعت عليها "عربي21"، أكدت أن "النظام لجأ بعد الثورة السورية إلى المزيد من "العلونة" على مستوى القيادات، حتى أفضت إلى نهج الصفاء العلوي في قيادة ما تبقى من الجيش، والذي أخذ يتحول من الجيش العربي السوري، إلى الجيش العلوي السوري".
وفي هذا الصدد، قال القيادي في الجيش الحر، النقيب عبد السلام عبد الرزاق، إن جيش النظام لم يعد كما كان عليه ما قبل الثورة السورية، مضيفا لـ"عربي21": "اليوم لا يوجد جيش إلا في عقول حاضنة النظام، وهو منهار تماما منذ التدخل الروسي، وأصبح عبارة عن مجاميع طائفية وعصابات تحمل اسم الجيش، تتبع لضباط من إيران، أو من روسيا".
القتال لأجل العائلة الحاكمة
بدوره أشار الكاتب الصحفي، فراس علاوي، في حديثه لـ"عربي21" إلى إحاطة النظام نفسه بشبكة من الشخصيات الموالية، ذات المصالح المرتبطة ببقاء النظام.
وقال إن "الأسد حرص منذ بداية الثورة السورية على خلق شبكات من الأقليات السورية ومن المنتفعين من باقي فئات المجتمع السوري، لتشكيل دائرة حماية لنظامه من السقوط".
وأضاف علاوي، أن النظام من خلال هذه الشبكة استطاع التحكم بكل مفاصل الدولة العسكرية والمدنية والاقتصادية.
وتابع بأن "الشبكة أثبتت الولاء لعائلة الأسد في كل مفاصل الدولة السورية، وجعلت الجميع يقاتل لأجل حماية عائلة الأسد، التي تمثل الوطن".
وحسب فراس علاوي، فإن الشبكة عملت كذلك على المستوى الخارجي، مستفيدة من أهمية سوريا من الناحية الجيوسياسية، وكذلك من التجاذبات والمصالح المتضاربة بين الدول الإقليمية والعالمية.
وهنا أشار الصحفي إلى التجاذبات الأمريكية/الروسية، الأمر الذي أدى إلى شلل وتعطيل عمل مجلس الأمن، وقال "النظام راهن كثيرا على حرص الدول على مصالحها"، لافتا إلى أن "النظام السوري أساسا، هو نظام يقوم على سلطة عائلة استغلت الظروف الدولية لتثبيت حكمها المطلق".
اقرأ أيضا: محطات من الثورة السورية خلال الـ9 سنوات (إنفوغرافيك)
ومشاطرا علاوي في الرأي، قال الكاتب الصحفي والناشط السياسي، عمار جلو، إن النظام السوري يقع ضمن تصنيف الأنظمة الشمولية وهذه الأنظمة بالأغلب إما أن تهوي كليا أو تصمد كليا، وهي لا تبادر إلى تنازلات جزئية قد تجعلها تتدحرج سقوطا.
واعتبر أن الدول الداعمة للمعارضة تبنت مبدأ عدم إسقاط النظام عسكريا، ولكنها لم توظف الإمكانات لذلك ومنها الوسائل العسكرية التي تجعله يرضخ للحل السياسي، حيث تركت المعارضة تدخل معارك تهدر فيها دماءها ومدنها نتيجة قيود على تسليحها.
كما أشار لـ"عربي21" إلى "الإرث الذي ورثه رأس النظام عن والده حافظ الأسد، باللعب بالأوراق الإقليمية والدولية، ومنها ورقة "الإرهاب"، وقال: "عمد النظام إلى إخراج شخصيات متطرفة من سجونه في خريف 2011 وربيع 2012، وهي الفكرة التي جعلت العالم لاحقا، يقف بين مقارنة نظام مجرم وممكن التعامل معه، وبين تنظيمات مجرمة ولا يمكن التعامل معها".
ضعف المعارضة سياسيا
من جانب آخر، أشار فراس علاوي إلى ضعف الأداء السياسي للمعارضة، نتيجة ما وصفه بـ"التصحر السياسي" الذي كان سائدا في سوريا، بفعل القمع الذي يمارسه النظام، معتقدا أن "المعارضة اعتمدت على الدعم الخارجي، ولم تستطع نسج شبكة مصالح مع الأطراف الدولية الداعمة لها، وإن كان هذا الدعم شكليا".
وأضاف: "لم تتعامل المعارضة بندية مع الأطراف الدولية، بل كانت علاقتها تبعية لها، وهنا كانت الطامة".
وهو ما أكد عليه، عمار جلو، وأضاف "أن أفكار الثورة وأهدافها تعني كل السوريين، ولكن منهج الثورة وطريقها لم يكن كذلك، بل ساهمت بالشرخ المجتمعي الذي كان يمارسه النظام لأهداف مصلحية تبدو طائفية أو تؤدي لها من الناحية الإثنية والمذهبية، ومن جانب آخر أبعدت الصامتين تجاه طرفي الصراع عن الالتحاق بالثورة نتيجة ممارساتها التي تدينهم أو تهمشهم بأقل تقدير وهذا ما أفاد النظام".
ورأى أن خروج مناطق كثيرة عن سيطرة النظام في العامين 2011 و2012، وعدم تمكن المعارضة من إدارتها بطريقة جديرة بالنظر إليها كبديل كان نقطة مؤثرة على صورتها وشعبيتها لدى حاضنتها وبقية شرائح المجتمع.
وأنهى بقوله: "رغم صعوبة سقوط النظام سلميا بالمظاهرات، إلا أن الاستحالة قد تكون بإسقاطه عسكريا نتيجة ترسانته التي جمعها على عقود خمسة، وانجرار المعارضة للحرب نقطة لصالح النظام بغياب نية إسقاطه دوليا بعملية عسكرية، وتابع ذلك تحول الصراع لاحقا لحرب ضد الدولة و بعدها لحرب أهلية"، على حد قوله.