هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن إيطاليا، التي كانت وجهة مفضلة للباحثين عن المرح والترفيه والموضة والطعام اللذيذ في أوروبا، تحولت بسرعة إلى بلد أشباح، بعد أن غرقت في أزمة فيروس كورونا، وانهارت منظومة الرعاية الصحية فيها، وارتفع عدد الوفيات بشكل صاروخي.
فإيطاليا، التي يعيش فيها أكثر من 60 مليون نسمة، حلت محل الصين كمركز لاهتمام العالم، بعد أن تفشى فيها فيروس كورونا، ليصبح عدد المصابين فيها هو الثاني بعد الصين. ومنذ مساء يوم الأربعاء، تم تشخيص إصابة 14 ألفا و500 شخصا بهذا المرض، مع تجاوز الوفيات سقف الثلاثة آلاف.
وينقل الموقع عن دينا غرايسون، أستاذة التكنولوجيا الحيوية، قولها: "إن هذا الارتفاع الهائل والمفاجئ في الحالات الحرجة والوفيات في إيطاليا، أدى لانهيار قدرات المستشفيات في شمال البلاد".
وأضافت غرايسون: "هذا التحول السريع أدى أيضا لارتفاع عدد الوفيات في الشمال، لأنه بكل بساطة لا يوجد عدد كاف من وحدات العناية المركزة وأجهزة التنفس الاصطناعي لكل المرضى، وهو ما يضع الأطباء أمام موقف صعب، حيث يتحتم عليهم اختيار من الذي يتلقى العلاج لأن لديه فرصا للنجاة، ومن يتم تركه ليواجه مصيره".
كما تؤكد الدكتورة غرايسون أن الإيطاليين تأخروا كثيرا في توسيع دائرة اختبارات الكشف عن الإصابة بالفيروس، رغم أن استراتيجية التقصي والكشف المبكر أثبتت نجاعتها.
في إحدى البلدات الصغيرة قرب مدينة فينيسيا، تم إجراء الاختبارات وإعادة إجرائها، حتى مع الأشخاص الذين لم تظهر عليهم أية أعراض، كما تم تقفي أثر المصابين وإخضاعهم للحجر الصحي الصارم، ولهذا تم إيقاف انتشار الفيروس بشكل كامل، وهو ما يؤكد أن الأسلوب الناجع الذي اعتمدته كوريا الجنوبية يمكن تطبيقه في بلدان أخرى بنجاح.
وبحسب أحد الخبراء الأمنيين الموجودين في العاصمة روما، والذي طلب عدم الكشف عن اسمه باعتبار أنه غير مخول للتحدث للصحافة، فإن تقارير استخباراتية حذرت الحكومة من احتمال اندلاع الوباء بعد أيام قليلة من ظهوره في الصين في أواخر العام الماضي، ولكن مرت أسابيع عديدة قبل أن يتم اتخاذ أي خطوات للتعامل مع هذا التهديد.
وتقول الدكتورة غرايسون: "إن ما فعلته إيطاليا كان قليلا ومتأخرا، حيث أن الجميع اعتقدوا أن هذه مشكلة الصين لوحدها، وإن الفيروس لن يصل إلى أوروبا".
كما يعتقد بعض الملاحظين أن سبب تفشي المرض في إيطاليا هو خصائصها العائلية والثقافية، إذ أن أسلوب الحياة الإيطالي يختلف عن باقي الدول، وطبيعة العلاقات بين الناس هي التي فاقمت انتشار المرض.
وكان تقرير جديد نشرته مجلة أوبن ساينس، أنجزه باحثون من جامعة أوكسفورد خلال الأيام الماضية، قد أكد أن إيطاليا تعيش فيها أكبر نسبة من المسنين في العالم، حيث أن 23.3 بالمائة من مواطنيها يتجاوزون 65 عاما، والعديد من المنازل الإيطالية تعيش فيها ثلاثة أجيال من نفس العائلة.
ولذلك خلص هذا البحث إلى أنه من الواضح أن تفشي جائحة كورونا خروجه عن السيطرة يمكن ربطه بالتركيبة الديموغرافية للشعب الإيطالي.
وبالمقارنة بباقي الدول الأوروبية والعالم، فإن إيطاليا تتميز بأطول أمل الحياة عند الولادة، حيث يصل إلى معدل 82.5 سنة، بحسب بيانات البنك الدولي. متفوقة على الولايات المتحدة، التي لا يتجاوز هذا المعدل فيها 78.6 سنة. وبناء على ما يعرفه العلماء حاليا حول فيروس كورونا، فإن كبار السن هم الأكثر عرضة للوفاة بسبب التعقيدات الصحية التي يسببها المرض.
اقرأ أيضا: الصين من "رجل آسيا المريض" إلى "منقذة إيطاليا"
وفي هذا الصدد ترى الدكتورة سمر ماكجي، عميدة كلية العلوم الصحية في جامعة نيوهيفن الأمريكية، أن الإيطاليين تربطهم علاقات اجتماعية وعائلية قوية جدا، والأقارب يعيشون في نفس المنزل أو في منازل محاذية لبعضها، ولذلك فإن إجراءات العزل الاجتماعي والتباعد بين الناس لا تنجح مع الإيطاليين.
وهكذا، أصبحت الحياة العائلية في إيطاليا نقطة ضعف في هذه الأزمة، بعد أن كانت في السابق مصدر فخر بالنسبة لهم.
ويأتي هذا الفشل في احتواء الفيروس على الرغم أن إيطاليا كانت من أولى البلدان التي منعت الرحلات الجوية من الصين، منذ 29 كانون الثاني/ يناير 2020. وفي اليوم التالي، أعلن رئيس الوزراء جوسيبي كونتي حالة الطوارئ لمدة لا تقل عن ستة أشهر، ولكن خلال 20 يوما فقط تطور عدد المصابين من حالة واحدة إلى 12 ألفا.
وتقول الدكتورة ماكجي: "إن إيطاليا ظلت في البداية في حالة إنكار، ولم تتحرك بالسرعة الكافية لفرض إجراءات التباعد الاجتماعي وحظر التجول. وهو نفس المشكل الذي تشهده الولايات المتحدة. إذ أن السياح والسكان المحليين لا يزالون يتجولون في شواطئ فلوريدا ويسافرون في أنحاء البلاد، تماما كما فعل الإيطاليون عندما تجمعوا في المطاعم لمدة أسابيع قبل إعلان حظر التجول".
وفي الوقت الحالي يشعر الإيطاليون بغضب كبير، ليس فقط تجاه قيادتهم السياسية، بل أيضا تجاه الحكومة الصينية المتهمة بأنها كانت تعلم بشأن المرض وأخفت الأمر لمدة أسابيع، قبل أن تحذر مسؤولي منظمة الصحة العالمية، حيث عمدت بيكين إلى شن حملة للتعتيم على الفيروس وعاقبت كل من أطلقوا صفارة الإنذار، بحسب التقرير.
ويقول لاريس غايسر، خبير الدراسات الأمنية في إيطاليا: "لم يتم دق ناقوس الخطر في الصين، ولذلك فإن خيبة الأمل من تصرفات الحكومة الصينية كانت كبيرة".
وبرأي هذا الخبير، فإن مشكلة إيطاليا في مواجهة الفيروس تفاقمت بسبب حقيقة أن نسبة كبيرة من السكان هم من المسنين، إلى جانب نقص وحدات العناية المركزة، التي لا يتجاوز عددها 5 آلاف، بينما هي 25 ألف في ألمانيا.
إضافة إلى ذلك فشل المسؤولين في إدارة الأزمة، ففي البداية شكل هذا الأمر مشكلة بسبب التنافس بين حكومات الأقاليم والحكومة المركزية، التي يبدو أنها لم تستوعب حقيقة الوضع.
والآن يعتقد علماء الأوبئة أن الفيروس كان منتشرا في إيطاليا قبل أسابيع من الإعلان عن اكتشافه في 29 كانون الثاني/ يناير، وأنه انتقل عبر الشباب وصغار السن من الذين يتمتعون بصحة جيدة ولا تظهر عليهم أية علامات. ويرجح الأطباء أن كثيرين توفوا بسبب الالتهاب الرئوي والكثير من الحالات الطبية الأخرى المرتبطة بفيروس كورونا، ولكن لم يتم إجراء الاختبار عليهم لمعرفة ما إذا كانوا مصابين بالفيروس، لأن الحكومة الصينية كانت تدعي أنه لا ينتقل بين البشر.
وبينما يقبل أغلب الإيطاليين بفكرة نمط الحياة الجديد الخاضع لإكراهات تفشي الفيروس، حيث أنهم مضطرون لملازمة البيوت والعمل والدراسة عن بعد، والتواصل مع الأصدقاء والعائلة عبر الإنترنت، وقضاء أغلب الوقت في الطبخ والقراءة وإنجاز المهام المنزلية أو الغناء، فإن البعض الآخرين عبروا عن عدم احتمالهم في هذا الوضع ورفضهم البقاء في المنازل.
حيث يقول أحد الموظفين في مدينة باري: "هنالك بعض الأغبياء الذين يخرجون للشارع دون سبب وجيه، والفيروس يواصل الانتشار. بعضهم يخرجون لممارسة الرياضة أو للتنزه، رغم أن السلطات قامت بالتنبيه علينا للبقاء في المنازل، ولكنهم لا يستوعبون حقيقة الوضع".
وكان أندرو هاف، خبير الأوبئة في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، قد حذر من أن الوضع الحالي في إيطاليا سوف تشهده الولايات المتحدة بعد أسبوعين أو ثلاثة، حيث قال: "هنالك فشل كبير حاليا في سلسلة التزود بالاحتياجات الأساسية، وقد أثبتت الدراسات أن المرض ينتشر عبر الهواء واللعاب، وهذا يعني أن مشكلا كبيرا في انتظارنا".
ورغم أن الحكومة الإيطالية أعلنت عن غلق كامل للبلاد إلى موعد 2 أبريل/ نيسان المقبل، فإن أغلب الإيطاليين مستعدون نفسيا لتمديد هذه الفترة لتطول أكثر.
وفي الأثناء فإن الكثيرين من المحبوسين في منازلهم يعانون من توتر نفسي كبير وحالة ترقب وأجواء جنائزية تعيشها إيطاليا. وفي بعض الأماكن الأكثر تضررا من انتشار فيروس كورونا، فإن الكنائس المحلية المحاذية للمقابر تم تحويلها بشكل مؤقت إلى مشرحة لوضع الموتى، والأيام المقبلة تبدو أكثر قتامة.
حيث يقول غايسر: "إن الإيطاليين حاليا يقومون بعمل جماعي كبير، ولكن من الناحية الاقتصادية نحن نعلم أن الأيام المقبلة سوف تكون أسوأ من فترة الحرب".